الانقلاب الثاني
لميس أندوني
جو 24 : الانقلاب الناعم الذي قررت بموجبه المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب المصري هو الجزء الثاني من انقلاب المجلس العسكري الذي بدأ بتنحية الرئيس السابق حسني مبارك؛ فالقرار حينها لم يكن مجرد انحناء أمام الثورة، بل أيضاً محاولة للحفاظ على النظام بالتخلص من رأسه منعاً للتغيير الجذري الشامل الذي طالب به ثوار ميدان التحرير.
القيادة العليا للمجلس العسكري، وعلى الأرجح بتأييد أمريكي، استغلت احترام الشعب للجيش المصري، باعتباره مؤسسة وطنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام القديم أملاً في استرجاع نفوذ النظام السابق ، وإن كان بشكل جديد أكثر قبولا عند الناس والعالم.
المحكمة الدستورية نفسها هي جزء من النظام السابق، لكن قرار قانون العزل هو العنوان وليس الضربة الرئيسية للثورة، لأن نجاح أحمد شفيق المفاجئ في الانتخابات هو الدليل الأهم لنجاح القوى المضادة للثورة في خلق أجواء أخافت المواطن المصري من الفوضى ودفعت قسما منه إلى اختيار الاستقرار على الثورة.
ذلك لا يعني ، أن احتمال تزوير الانتخابات غير وارد، لكن يجب الإقرار أن قوى الثورة المضادة تخطت صدمتها الأولية وتخبطها وأعادت تنظيم نفسها في حين انشغلت قوى الثورة بالخلافات والطموحات الشخصية والفئوية.
سيطرة قوى الثورة المضادة على المخابرات والاستخبارات وقوى الأمن عدا الكثير من وسائل الإعلام، أتاح لها فرصة إشاعة الخوف أولاً من عدم استتباب الأمن، وكان هذا واضحا لكل من زار القاهرة ،وثانياً الترهيب من التيار الإسلامي حتى يبدو شفيق بأنه المنقذ من سيناريو الفوضى أو استيلاء حكم ديني متشدد على زمام الحكم في مصر.
التيار الديني، وفي مقدمته الإخوان، ساهم في تغذية مخاوف المصريين، سواء بظهوره بموقف المحابي ، أو المجامل للمجلس العسكري ، في فترة تكشفت فيها نوايا المجلس، أو من خلال أدائه في مجلس الشعب، حيث بدا تيار الإسلام السياسي، من إخوان وسلفيين، مهتما بمظاهر التشدد الديني بدلاً من التركيز على قضايا المصالح الشعبية وعلى هدف الحفاظ على إنجازات الثورة.
الأهم من ذلك أن قيادة الإخوان لم تعلن مواقف واضحة من السياسات الاقتصادية و الموقف من امريكا ومعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وبدت وكأنها مهتمة بأن تظهر نفسها للغرب كقوة ليست رئيسية فقط ولكنها المرنة في التعامل مع قضايا تهم الولايات المتحدة والغرب عموماً.
أي أن الاستحواذ على السلطة، بكل أو معظم فروعها طغى على عقلية قيادة الإخوان ، ربما لاستقوائها بانتصارات التيار الإسلامي في المنطقة العربية فتصرفت وكأنها القوة الوحيدة على الساحة.
لكن أخطاء تيار الإسلام السياسي، والخوف الناتج من دخول السلفيين على الخط، لا يعفي القوى الأخرى من مسؤوليتها هي أيضاً في عدم التصدي بشكل كاف ومنظم لقوى الثورة المضادة، والانشغال بتحسين فرصها لدخول السلطة هي الأخرى.
فموقف حمدين صباحي، الذي رحبت بفوزه في هذه الزاوية نفسها، من الانقلاب الجديد هو أيضاً غير مفهوم ويثير التساؤلات، خاصة أن بعضنا تفاءل بصعود تيار قومي يساري، يؤمن بالتضامن العربي على أساس بناء دولة المواطنة، يكون الشعب فيها مصدر السلطات، وعلى أساس النضال من أجل الحريات، والعدالة الاجتماعية وضمان التعددية السياسية.
لا نفهم موقف الصباحي، لأن المسألة أكبر وأعمق وأهم من معارضة سيطرة تيار الإسلام السياسي على مجلس الشعب أو الرئاسة، ذلك لأن كل مكتسبات الثورة مهددة، ولا وقت ولا مجال لإعطاء أولوية للوصول إلى السلطة في ظل سيطرة القوى المضادة الفعلية على مفاتيحها.
صحيح أن صباحي حذر من أن مخاطر حقيقية تتهدد الثورة لكنه لم يأخذ موقفا واضحاً وحاسماً، من الانقلاب السافر على الثورة، ومهما كان رأيه بالإخوان المسلمين، فلا وقت للضبابية. فالقوى المعادية ليست واضحة ووقحة فقط، بل بدأت تجاهر بقوتها، وما تراه بدء انتصارها، مستفيدة من خلافات ومنافسات ومناكفات القوى التي شاركت في الثورة.
احمد شفيق لم ينتظر نتائج الانتخابات وصرح بكل ثقة وعنجهية بأنهم (أي قوى النظام القديم) قد عادوا! أحمد شفيق بدا واثقا من نتائج الانتخابات، و سواء نجح، وللأسف فرصته كبيرة، فالحقيقة أن من يسمون الفلول، حصلوا على شرعية، سواء من المحكمة الدستورية أو من الانتخابات لم يحلم بها نظام مبارك في حياته، صحواً كان أم نائماً.
فماذا تنتظر قوى الثورة، فالوقت عامل حاسم، ومن الضروري الاتفاق على نقاط برنامج توحيدي لإنقاذ الثورة وإكمالها، من دون أوهام السلطة وأحلامها.
العرب اليوم
القيادة العليا للمجلس العسكري، وعلى الأرجح بتأييد أمريكي، استغلت احترام الشعب للجيش المصري، باعتباره مؤسسة وطنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام القديم أملاً في استرجاع نفوذ النظام السابق ، وإن كان بشكل جديد أكثر قبولا عند الناس والعالم.
المحكمة الدستورية نفسها هي جزء من النظام السابق، لكن قرار قانون العزل هو العنوان وليس الضربة الرئيسية للثورة، لأن نجاح أحمد شفيق المفاجئ في الانتخابات هو الدليل الأهم لنجاح القوى المضادة للثورة في خلق أجواء أخافت المواطن المصري من الفوضى ودفعت قسما منه إلى اختيار الاستقرار على الثورة.
ذلك لا يعني ، أن احتمال تزوير الانتخابات غير وارد، لكن يجب الإقرار أن قوى الثورة المضادة تخطت صدمتها الأولية وتخبطها وأعادت تنظيم نفسها في حين انشغلت قوى الثورة بالخلافات والطموحات الشخصية والفئوية.
سيطرة قوى الثورة المضادة على المخابرات والاستخبارات وقوى الأمن عدا الكثير من وسائل الإعلام، أتاح لها فرصة إشاعة الخوف أولاً من عدم استتباب الأمن، وكان هذا واضحا لكل من زار القاهرة ،وثانياً الترهيب من التيار الإسلامي حتى يبدو شفيق بأنه المنقذ من سيناريو الفوضى أو استيلاء حكم ديني متشدد على زمام الحكم في مصر.
التيار الديني، وفي مقدمته الإخوان، ساهم في تغذية مخاوف المصريين، سواء بظهوره بموقف المحابي ، أو المجامل للمجلس العسكري ، في فترة تكشفت فيها نوايا المجلس، أو من خلال أدائه في مجلس الشعب، حيث بدا تيار الإسلام السياسي، من إخوان وسلفيين، مهتما بمظاهر التشدد الديني بدلاً من التركيز على قضايا المصالح الشعبية وعلى هدف الحفاظ على إنجازات الثورة.
الأهم من ذلك أن قيادة الإخوان لم تعلن مواقف واضحة من السياسات الاقتصادية و الموقف من امريكا ومعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وبدت وكأنها مهتمة بأن تظهر نفسها للغرب كقوة ليست رئيسية فقط ولكنها المرنة في التعامل مع قضايا تهم الولايات المتحدة والغرب عموماً.
أي أن الاستحواذ على السلطة، بكل أو معظم فروعها طغى على عقلية قيادة الإخوان ، ربما لاستقوائها بانتصارات التيار الإسلامي في المنطقة العربية فتصرفت وكأنها القوة الوحيدة على الساحة.
لكن أخطاء تيار الإسلام السياسي، والخوف الناتج من دخول السلفيين على الخط، لا يعفي القوى الأخرى من مسؤوليتها هي أيضاً في عدم التصدي بشكل كاف ومنظم لقوى الثورة المضادة، والانشغال بتحسين فرصها لدخول السلطة هي الأخرى.
فموقف حمدين صباحي، الذي رحبت بفوزه في هذه الزاوية نفسها، من الانقلاب الجديد هو أيضاً غير مفهوم ويثير التساؤلات، خاصة أن بعضنا تفاءل بصعود تيار قومي يساري، يؤمن بالتضامن العربي على أساس بناء دولة المواطنة، يكون الشعب فيها مصدر السلطات، وعلى أساس النضال من أجل الحريات، والعدالة الاجتماعية وضمان التعددية السياسية.
لا نفهم موقف الصباحي، لأن المسألة أكبر وأعمق وأهم من معارضة سيطرة تيار الإسلام السياسي على مجلس الشعب أو الرئاسة، ذلك لأن كل مكتسبات الثورة مهددة، ولا وقت ولا مجال لإعطاء أولوية للوصول إلى السلطة في ظل سيطرة القوى المضادة الفعلية على مفاتيحها.
صحيح أن صباحي حذر من أن مخاطر حقيقية تتهدد الثورة لكنه لم يأخذ موقفا واضحاً وحاسماً، من الانقلاب السافر على الثورة، ومهما كان رأيه بالإخوان المسلمين، فلا وقت للضبابية. فالقوى المعادية ليست واضحة ووقحة فقط، بل بدأت تجاهر بقوتها، وما تراه بدء انتصارها، مستفيدة من خلافات ومنافسات ومناكفات القوى التي شاركت في الثورة.
احمد شفيق لم ينتظر نتائج الانتخابات وصرح بكل ثقة وعنجهية بأنهم (أي قوى النظام القديم) قد عادوا! أحمد شفيق بدا واثقا من نتائج الانتخابات، و سواء نجح، وللأسف فرصته كبيرة، فالحقيقة أن من يسمون الفلول، حصلوا على شرعية، سواء من المحكمة الدستورية أو من الانتخابات لم يحلم بها نظام مبارك في حياته، صحواً كان أم نائماً.
فماذا تنتظر قوى الثورة، فالوقت عامل حاسم، ومن الضروري الاتفاق على نقاط برنامج توحيدي لإنقاذ الثورة وإكمالها، من دون أوهام السلطة وأحلامها.
العرب اليوم