الطريق "الجديد" في القضية الفلسطينية!
لا يجتمع إثنان من أصل فلسطيني في أي مكان في العالم؛ إلا ويكون ثالثهما حديث ونقاش حول القضية الفلسطينية لجهة آليات حلها الملائمة، والنفاذ لإنهاء تبعاتها المأساوية.
ويتوارث الفلسطينيون جينات السؤال عن مصيرهم جيلا بعد جيل، سواءً من كان منهم صامدا على أرضه التاريخية، أو مُشردا عنها، إلى حدّ أنّ الأمر لديهم يرتبط بعقدة ذنب جمعيّة، تدفع بكل واحد منهم للإحساس بالتقاعس والعجز؛ ما أستمرت قضيتهم بلا حلّ يحاكي تطلعهم لتقرير المصير، وتحقيق حلم التحرير، وعودة من تمّ إقصاؤه منهم لوطنه المسكون بالغرباء.
والفلسطينيون كذلك، فإنّهم منقسمون: فإمّا أن ينحاز واحدهم لحلّ طاولة التفاوض الخاوية من أية حلول عادلة وجذرية ومنصفة، فحتى وجبات الحلول التي تقدم للمفاوض الفلسطيني على هذه الطاولة لا تطال من حق الشعب الفلسطيني في الحياة حتى كلمة إعتراف أو إقرار.
وينحاز فريق آخر لدّفة المقاومة وإطلاق الإنتفاضة الثالثة، مع إعلان حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، والكفّ عن التعاطي مع مفاوضات استسلاميّة عبثية، في حين يرى فريق ثالث أنّ حلّ القضية الفلسطينية لن يتأتّى إلا من خلال تدفق المسيرات السلمية الضخمة في الشوارع والمدن والقرى؛ إلى حدّ يعجز معه الإحتلال عن التعاطي مع هذا السيل البشري الذي يفضح جرائمه عبر فضائيات ووسائل إعلامية تضع العالم أجمع أمام مسؤولياته وإلتزاماته الإنسانية.
حلول مختلفة وعديدة يطرحها شخوص على نحو فردي، ومنها مقترح لم أجد نفسي متفقا معه وأنا أستمع إليه من صديقي الأمريكي من أصل فلسطيني، ذو معرفة دقيقة ومتابعة حثيثة للقضية الفلسطينية؛ أفضت عن مؤلفات عديدة له حولها، وليخلص لحلّ "الدولة الواحدة" والتي يتشارك بها الجميع وفقا لقاعدة الإنتخاب، فإمّا أن تصدّر لنا صناديق الإقتراع رئيسا فلسطينيا أو صهيونيا!، وبإعتقاده أنّ هذا الحل سيميل لصالح الفلسطينيين لأسباب تتعلق بثقلهم الديمغرافي وغلبتهم العدديّة على أرض فلسطين، ما يجعلهم أغلبية في دولة موحّدة، وكل ذلك على حدّ رأي صديقي ممّن أخالفه كليا.
ورأيي الذي جاء بمثابة إجابة على مقترحه، عقب فروغي من الإستماع إليه : سيتّهمونك لا محالة بالخيانة على مقترحك؛ فيما لن يتقبله الصهاينة ممّن رفضوا حلولا أكثر إشباعا لمطامعهم؛ المبادرة العربية، فكيف يقبلون بطرحك؟!.
وفكرة أخرى اقترحها ذات الصديق، وبعد تعديلها، لقيت قبولا كبيرا لديّ، بما جعلني أقرّر تبنّيها وترويجها، عسى أن تجد مفعولها لجهة تدعيم القضية الفلسطينية؛ وتتمثل بإنشاء مجلس عالمي حقوقي للمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومقاضاة الكيان الصهيوني في كافة المحافل الدولية، ومواصلة السعي لمعاقبته على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وما ارتكبه بحقه من مذابح هي الأبشع في حاضرنا؛ دير ياسين؛ وقبية؛ وصبرا وشاتيلا؛ والحرم الإبراهيمي؛ والدوايمة، ومخيم جنين، والعدوان على غزة، وغيرها من عمليات القتل اليومي والممنهج، وأسر واحتجاز الحريّات، ومصادرة حق شعب أعزل في السلم والأمن، وتشويه معالم أرضه ومقدساته، والتنكيل بأبنائه عبر وسائل تعذيب وأسلحة مجرّمة ومحرّمة دوليا، وما إليها من جرائم تتعدى حدّ الوصف.
والمجلس العالمي المقترح لجهة مساندة الشعب الفلسطيني ومحاسبة الكيان الصهوني، لا بُدّ من تكوين فاعل له يتجانس مع حجم مهامّه الضخمة والكبيرة، وليكن بداية ممثلا بعشرة شخصيات عالميّة إعتبارية؛ تحظى بقبول ورواج على مستوى العمل الإنساني والحقوقي، وليكن – مثلا- في مقدمتهم رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق، ومعه خيرة الرجال من القانونيين العالميين، ممّن يعوّل عليهم في عقد مؤتمر دولي قوامه مائة شخصية من النخب الناشطة عالميا في مجالات ذات صلة بمقاومة الإحتلال ومعالجة جرائمه بالقوانين الدولية.
ولكي تختمر فكرة المجلس المأمول لا بُدّ من التمسّك بصيغته العالميّة، وأن لا يتم حصره في إطار عربي، وبما يهدد بفشله لعدم وجود دولة عربية واحدة تستطيع تبنّيه، في حين لا يوجد شخصية إقتصادية عربية جديرة بتمويله، ذلك أنّ الأمر سيرتبط بتدمير مصالح قُطريّة ضيقة ومكاسب مالية للدول العربية؛ ولإقتصادييها.
ولتذليل عائق التمويل يجب فتح باب التسجيل الشعبي للإنضمام لهذا المجلس برسم سنوي رمزي يُتُّفق عليه، وهذا الاجراء سيجلب آلآف وملايين الأشخاص، كما لا بُدّ من فتح باب التبرع لمن يريد؛ وبأية نسبة مساهمة مالية يجدها المتبرع ملائمة.
وخلاصة القول أنّ المجلس العالمي المقترح لحلّ القضية الفلسطينية، والذي لا نرى فيه ما يلغي حلولا أخرى كالمفاوضات والمقاومة بكافة أشكالها، يمثل فكرة إيجابية وفاعلة لجهة محاسبة العدو الصهيوني المجرم، ممّن سيدرك في نهاية المطاف بأن لا حق يضيع ووراؤه مطالب.