حتى أننا لم نندهش!
محمد أبو رمان
جو 24 : تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، حول النظام السوري وإلزامية التفاوض مع بشار الأسد، هي بمثابة تأكيد لما أصبح معروفاً بالضرورة لدى أغلب المراقبين والمحللين بشأن جوهر الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية!
والحال أنّ الموقف الأميركي تجاوز كثيراً هذا التصريح المتأخر لكيري، الذي كان شخصياً متحمساً ضد النظام السوري. إذ أصبح هذا الموقف، عملياً، التحالف مع النظام السوري وحليفه الإيراني، ويخوضون سوياً معركة المواجهة مع تنظيم "داعش" في العراق وسورية. وهو ما يعترف به المسؤولون الأميركيون، مع إضافة أنه تعاون غير مباشر، فيبدو ذلك أشبه بقفّاز حريري للالتفاف على المواقف الفعلية الحقيقية!
تصريحات كيري، إذن، لم تكن سوى "استدارة" في الخطاب الدبلوماسي، لكنّها في الواقع لم تصب أيّاً منّا ولو بأدنى دهشة. فالاستدارة الواقعية حدثت فعلياً قبل ذلك بكثير، وهو أمر للأمانة متوقع، لاعتبارين رئيسين؛ الأول، الحوار مع إيران، والتعامل مع النظام السوري بوصفه ملحقاً بهذه الصفقة. والثاني، هو خطر "داعش" الذي يمثّل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
لم تساعد تصريحات نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، من النتائج المترتبة على تصريحات كيري؛ حين أكدت (على حسابها الشخصي في "تويتر") بأنّ السياسة العامة لم تتغير، وتقوم على رحيل الرئيس الأسد. فالسياق الأميركي العام، والبنية الصلبة لرؤية واشنطن لمصالحها في المنطقة العربية، هي التي تحكم في النهاية، وقد عبّر عنها عدد من الخبراء الأميركيين والمسؤولين الأمنيين، قبل تصريحات كيري، وفي مجملها تؤكد على أنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست معنية اليوم برحيل الأسد!
لكن لو عدنا إلى البدايات؛ فمتى كانت الإدارة الأميركية جادّة فعلاً برحيل الأسد؟! الجواب: أبداً. فمنذ اللحظة الأولى، طرح الأميركيون سؤالاً رئيساً عن مخاطر "اليوم التالي.. للأسد"، ولم يكونوا جادّين إلاّ في قضية واحدة هي السلاح الكيماوي وتفكيكه، فقط خوفاً من وقوعه بيد "أصوليين إسلاميين"!
هذا لا يعني أن تصريحات كيري لا تحمل قيمة مضافة وواقعية!
بلى، فأهميتها، بدرجة رئيسة، تكمن اليوم في أنّها تعزز من التشققات في التحالف الدولي والإقليمي الراهن، وتؤكّد على جوهر الخلافات في أوساطه، وتوهن من عضده أكثر فأكثر. وقد بدت علامات ذلك أولاً عبر تصريح المتحدثة باسم الخارجية البريطانية بأنّ "الأسد ليس له مكان في سورية". وثانياً، وهو الأهم، عبر التقارب السعودي-التركي، بعد أن بدأت الدولتان تدركان أنّ الخلافات مع واشنطن أصبحت جلية حول الموقف في سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية.
الأهم من هذا وذاك، وربما الأكثر خطورة، أن تصريحات كيري تعزز وتجذّر مخاوف السُنّة في العراق وسورية من أن تنحرف الحرب الراهنة على "الإرهاب" إلى صراع طائفي إقليمي، المستفيد الأول والأخير منه هو المحور الإيراني.
ذلك يجعل من الانتصار على تنظيم "داعش" سياسياً وعسكرياً مسألة معقّدة وغير محسومة، حتى لو خسر التنظيم بعض المواقع أو أغلبها. فالمشكلة السُنّية هي جوهر الأزمة الراهنة، وهي بالمناسبة ليست قضية طائفية، حتى وإن بدت في ظاهرها كذلك. فأصل هذه الأزمة يتمثل في أنظمة استبدادية تقوم على الإقصاء والتهميش وانعدام دولة القانون والافتقار لنظام العدالة، ونفوذ إقليمي متغول على الاعتبارات الوطنية!
ما يحدث في تكريت حالياً نموذج مهم، ومحك حقيقي لما نتحدث عنه. فما تقوم به المليشيات الشيعية من فظائع هو الذي عزّز من جيوب المقاومة في المدينة، وعطّل من تقدم تلك المليشيات. وهو الذي دفع بفئات ليست من "داعش" للمقاومة، ليس حباً في تنظيم إرهابي، بل دفاعاً عن العرض والمال والبيت والهوية، وهذا أخطر ما قد يؤول إليه الصراع الحالي!
(الغد)
والحال أنّ الموقف الأميركي تجاوز كثيراً هذا التصريح المتأخر لكيري، الذي كان شخصياً متحمساً ضد النظام السوري. إذ أصبح هذا الموقف، عملياً، التحالف مع النظام السوري وحليفه الإيراني، ويخوضون سوياً معركة المواجهة مع تنظيم "داعش" في العراق وسورية. وهو ما يعترف به المسؤولون الأميركيون، مع إضافة أنه تعاون غير مباشر، فيبدو ذلك أشبه بقفّاز حريري للالتفاف على المواقف الفعلية الحقيقية!
تصريحات كيري، إذن، لم تكن سوى "استدارة" في الخطاب الدبلوماسي، لكنّها في الواقع لم تصب أيّاً منّا ولو بأدنى دهشة. فالاستدارة الواقعية حدثت فعلياً قبل ذلك بكثير، وهو أمر للأمانة متوقع، لاعتبارين رئيسين؛ الأول، الحوار مع إيران، والتعامل مع النظام السوري بوصفه ملحقاً بهذه الصفقة. والثاني، هو خطر "داعش" الذي يمثّل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
لم تساعد تصريحات نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، من النتائج المترتبة على تصريحات كيري؛ حين أكدت (على حسابها الشخصي في "تويتر") بأنّ السياسة العامة لم تتغير، وتقوم على رحيل الرئيس الأسد. فالسياق الأميركي العام، والبنية الصلبة لرؤية واشنطن لمصالحها في المنطقة العربية، هي التي تحكم في النهاية، وقد عبّر عنها عدد من الخبراء الأميركيين والمسؤولين الأمنيين، قبل تصريحات كيري، وفي مجملها تؤكد على أنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست معنية اليوم برحيل الأسد!
لكن لو عدنا إلى البدايات؛ فمتى كانت الإدارة الأميركية جادّة فعلاً برحيل الأسد؟! الجواب: أبداً. فمنذ اللحظة الأولى، طرح الأميركيون سؤالاً رئيساً عن مخاطر "اليوم التالي.. للأسد"، ولم يكونوا جادّين إلاّ في قضية واحدة هي السلاح الكيماوي وتفكيكه، فقط خوفاً من وقوعه بيد "أصوليين إسلاميين"!
هذا لا يعني أن تصريحات كيري لا تحمل قيمة مضافة وواقعية!
بلى، فأهميتها، بدرجة رئيسة، تكمن اليوم في أنّها تعزز من التشققات في التحالف الدولي والإقليمي الراهن، وتؤكّد على جوهر الخلافات في أوساطه، وتوهن من عضده أكثر فأكثر. وقد بدت علامات ذلك أولاً عبر تصريح المتحدثة باسم الخارجية البريطانية بأنّ "الأسد ليس له مكان في سورية". وثانياً، وهو الأهم، عبر التقارب السعودي-التركي، بعد أن بدأت الدولتان تدركان أنّ الخلافات مع واشنطن أصبحت جلية حول الموقف في سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية.
الأهم من هذا وذاك، وربما الأكثر خطورة، أن تصريحات كيري تعزز وتجذّر مخاوف السُنّة في العراق وسورية من أن تنحرف الحرب الراهنة على "الإرهاب" إلى صراع طائفي إقليمي، المستفيد الأول والأخير منه هو المحور الإيراني.
ذلك يجعل من الانتصار على تنظيم "داعش" سياسياً وعسكرياً مسألة معقّدة وغير محسومة، حتى لو خسر التنظيم بعض المواقع أو أغلبها. فالمشكلة السُنّية هي جوهر الأزمة الراهنة، وهي بالمناسبة ليست قضية طائفية، حتى وإن بدت في ظاهرها كذلك. فأصل هذه الأزمة يتمثل في أنظمة استبدادية تقوم على الإقصاء والتهميش وانعدام دولة القانون والافتقار لنظام العدالة، ونفوذ إقليمي متغول على الاعتبارات الوطنية!
ما يحدث في تكريت حالياً نموذج مهم، ومحك حقيقي لما نتحدث عنه. فما تقوم به المليشيات الشيعية من فظائع هو الذي عزّز من جيوب المقاومة في المدينة، وعطّل من تقدم تلك المليشيات. وهو الذي دفع بفئات ليست من "داعش" للمقاومة، ليس حباً في تنظيم إرهابي، بل دفاعاً عن العرض والمال والبيت والهوية، وهذا أخطر ما قد يؤول إليه الصراع الحالي!
(الغد)