تأشيرة إسرائيلية !
ماهر أبو طير
جو 24 : زيارة فلسطين وتحديدا المسجد الأقصى تخضع لتناقض كبير في الفتاوى الدينية،إذ أن بعض العلماء يحرمها كليا،وبعض العلماء يسمح بها دون أي اعتراضات،ويأتي فريق ديني ثالث كما حدث مؤخرا في عمان ليسمح بالحصول على تأشيرة اسرائيلية لفئات معينة.
الفريق الثالث سمح للفلسطينيين في العالم أيّا كانت جنسياتهم بزيارة فلسطين عبر تأشيرة اسرائيلية وسمح للعرب والمسلمين ممن يحملون جنسيات أجنبية بالزيارة ايضا.
الفتوى هوجمت من جانب علماء على الرغم من تبرير الفتوى،بكون الفلسطيني لا يحق لأحد حرمانه،ولكون حامل الجواز الاجنبي لا يطبع،باعتبار ان بلده الاجنبي يقيم علاقات دبلوماسية أساسا مع اسرائيل.
لست قادرا على الافتاء،ولست مؤهلا بطبيعة الحال لذلك،غير اننا إذا ذهبنا الى واقع القدس لاكتشفنا ان المدينة مهجورة وعدد الذين يعيشون بها قليل للغاية،أمام موجات التهجير،وأغلب من فيها من العائلات المقدسية،ومعهم عائلات من الخليل تحديدا يكابدون للعيش في ظل ظروف صعبة جدا اقتصاديا.
الفرق بين التطبيع أي الخيانة والاعتراف بإسرائيل،وعدم التطبيع يبدو فعليا في النوايا،وليس في الحصول على تأشيرة اسرائيلية،لأن البعض ممن ُيحرم يقول ان الحصول على تأشيرة اسرائيلية فيه اعتراف بالعدو وإذعان وخضوع لكون اسرائيل هي صاحبة الارض.
والكلام لا يصمد فعليا،أمام حالات اخطر،لأننا اذا طبقنا هذا المعيار،أي الاضطرار للحصول على تأشيرة اسرائيلية على حالات اخرى لأدى ذلك الى تخوين الجميع،فماذا نقول عن أهل الثمانية وأربعين الذي حصلوا على جوازات اسرائيلية،وماذا نقول عن أهل الضفة وغزة والقدس الذين يشتغلون في بناء المستوطنات،ويتلقون مالهم من اسرائيليين،ويعبرون الحواجز الاسرائيلية يوميا،والقصة تمتد في مقارناتها إلى ما لا نهاية؟!.
قد يقول البعض انه لا يصح مقارنة أولئك الذين تحت الاحتلال بمن هم ليسوا تحت الاحتلال،وفي الكلام وجهة نظر مهمة،لا يمكن إنكارها من جهة اخرى،بمعنى ان المقارنة غير جائزة ابدا وفقا لهذا الرأي،وهذه المخالفة لا يمكن الا التوقف عندها.
غير ان ما يقال هنا من ناحية سياسية وليس دينية،ان اسرائيل تكون سعيدة جدا بانفضاض الناس عن القدس تحت القرار الديني،فهي فعليا لا تريد رؤية وجه أحد،لا فلسطيني ولا أردني ولا عربي ولا حتى مسلم أو مسيحي عربي بجنسية أجنبية،وتريد ان تسقط المدينة اجتماعيا واقتصاديا تحت وطأة الفقر وغياب الزوار،الذين من الممكن ان ينعشوا حياة الفلسطينيين فيها،ولا يمكن هنا بأي حال من الاحوال ان نصدع للفكرة التي تقول ان زيارة القدس مجرد سياحة،فهي واجب ديني،يصب باتجاه تثبيت عروبة المدينة.
أنا وغيري كثر نندد بكل اشكال التطبيع مع اسرائيل،ونفضح المطبعين دوما،والارشيف يشهد لنا جميعا،لكننا في حالة القدس والاقصى الذي يواجه حملة تهويد يومية واقتحامات يومية،نرى ان الملف بحاجة الى رؤية شرعية مختلفة،لا تخضع فقط لفقه الرفض،أو فقه السلاطين الذي يجيز كل شيء،وبما اننا نتحدث عن النوايا فإن نية من يزور القدس،إذا كانت خالصة لله،فلا تختلف عن ذاك الفلسطيني الذي اضطر أن يحمل جواز سفر اسرائيل،وهو في أعماقه لا يعترف بها أساسا،ولا يقر بشرعيتها.
هي دعوة هنا لإعادة النقاش بالموضوع،ضمن رؤية شرعية تراعي الواقع السياسي والاقتصادي،ولا نريد لهذه الرؤية ان تكون جسرا للتطبيع أو للخضوع أو للتسليم بشرعية الاحتلال.
هناك مقارنات مهمة،أقلّها زيارة الواحد فينا للعراق وهو تحت الاحتلال الامريكي إذ لا يمكن ان تكون تلك الزيارة إقرارا بالاحتلال أو بوجوده أو شرعيته.
لأننا نتحدث في السياسة فقط،ولا نفتي فإن التساؤلات يجب ان تتراكم أمامنا عن خسارة اسرائيل وارباحها من إباحة الزيارة بتأشيرة اسرائيلية،فلا يمكن ان نصدق ان اسرائيل ستغضب لفتوى المنع،أو سترضى لو كانت هناك إباحة،وهي بالتأكيد تريد الاستفراد بالمقدسيين اجتماعيا واقتصاديا.
كل ما نخشاه ان تصب فتوى المنع المطلق من حيث لا يعلم أصحابها،أو من حيث يعلموا ولا يجدون مخرجا باتجاه عزل المدينة ومكوّنها عن العرب والمسلمين،وتركهم أسارى للاحتلال يفعل بهم ما يشاء،وهذا ما تريده اسرائيل.
هذا مجرد رأي سياسي،لا يختلف في اتجاهه المعاكس عن أولئك الغاضبين الذين يرفضون الزيارة لاعتبارات دينية وطنية،فاعتباراتنا كلنا واحدة،غير ان الاختلاف فقط يتعلق بطريقة تنفيذ هذ الاعتبارات وتحويلها الى واقع ملموس.
والملف يخضع للنقاش من جانب أصحاب العلم الشرعي المستنير،ثم من حسنت نواياهم،ولا يريدون تسخير الواقع لغايات جرنا باتجاه تكريس اسرائيل محتلا شرعيا.
maherabutair@gmail.com
(الدستور)
الفريق الثالث سمح للفلسطينيين في العالم أيّا كانت جنسياتهم بزيارة فلسطين عبر تأشيرة اسرائيلية وسمح للعرب والمسلمين ممن يحملون جنسيات أجنبية بالزيارة ايضا.
الفتوى هوجمت من جانب علماء على الرغم من تبرير الفتوى،بكون الفلسطيني لا يحق لأحد حرمانه،ولكون حامل الجواز الاجنبي لا يطبع،باعتبار ان بلده الاجنبي يقيم علاقات دبلوماسية أساسا مع اسرائيل.
لست قادرا على الافتاء،ولست مؤهلا بطبيعة الحال لذلك،غير اننا إذا ذهبنا الى واقع القدس لاكتشفنا ان المدينة مهجورة وعدد الذين يعيشون بها قليل للغاية،أمام موجات التهجير،وأغلب من فيها من العائلات المقدسية،ومعهم عائلات من الخليل تحديدا يكابدون للعيش في ظل ظروف صعبة جدا اقتصاديا.
الفرق بين التطبيع أي الخيانة والاعتراف بإسرائيل،وعدم التطبيع يبدو فعليا في النوايا،وليس في الحصول على تأشيرة اسرائيلية،لأن البعض ممن ُيحرم يقول ان الحصول على تأشيرة اسرائيلية فيه اعتراف بالعدو وإذعان وخضوع لكون اسرائيل هي صاحبة الارض.
والكلام لا يصمد فعليا،أمام حالات اخطر،لأننا اذا طبقنا هذا المعيار،أي الاضطرار للحصول على تأشيرة اسرائيلية على حالات اخرى لأدى ذلك الى تخوين الجميع،فماذا نقول عن أهل الثمانية وأربعين الذي حصلوا على جوازات اسرائيلية،وماذا نقول عن أهل الضفة وغزة والقدس الذين يشتغلون في بناء المستوطنات،ويتلقون مالهم من اسرائيليين،ويعبرون الحواجز الاسرائيلية يوميا،والقصة تمتد في مقارناتها إلى ما لا نهاية؟!.
قد يقول البعض انه لا يصح مقارنة أولئك الذين تحت الاحتلال بمن هم ليسوا تحت الاحتلال،وفي الكلام وجهة نظر مهمة،لا يمكن إنكارها من جهة اخرى،بمعنى ان المقارنة غير جائزة ابدا وفقا لهذا الرأي،وهذه المخالفة لا يمكن الا التوقف عندها.
غير ان ما يقال هنا من ناحية سياسية وليس دينية،ان اسرائيل تكون سعيدة جدا بانفضاض الناس عن القدس تحت القرار الديني،فهي فعليا لا تريد رؤية وجه أحد،لا فلسطيني ولا أردني ولا عربي ولا حتى مسلم أو مسيحي عربي بجنسية أجنبية،وتريد ان تسقط المدينة اجتماعيا واقتصاديا تحت وطأة الفقر وغياب الزوار،الذين من الممكن ان ينعشوا حياة الفلسطينيين فيها،ولا يمكن هنا بأي حال من الاحوال ان نصدع للفكرة التي تقول ان زيارة القدس مجرد سياحة،فهي واجب ديني،يصب باتجاه تثبيت عروبة المدينة.
أنا وغيري كثر نندد بكل اشكال التطبيع مع اسرائيل،ونفضح المطبعين دوما،والارشيف يشهد لنا جميعا،لكننا في حالة القدس والاقصى الذي يواجه حملة تهويد يومية واقتحامات يومية،نرى ان الملف بحاجة الى رؤية شرعية مختلفة،لا تخضع فقط لفقه الرفض،أو فقه السلاطين الذي يجيز كل شيء،وبما اننا نتحدث عن النوايا فإن نية من يزور القدس،إذا كانت خالصة لله،فلا تختلف عن ذاك الفلسطيني الذي اضطر أن يحمل جواز سفر اسرائيل،وهو في أعماقه لا يعترف بها أساسا،ولا يقر بشرعيتها.
هي دعوة هنا لإعادة النقاش بالموضوع،ضمن رؤية شرعية تراعي الواقع السياسي والاقتصادي،ولا نريد لهذه الرؤية ان تكون جسرا للتطبيع أو للخضوع أو للتسليم بشرعية الاحتلال.
هناك مقارنات مهمة،أقلّها زيارة الواحد فينا للعراق وهو تحت الاحتلال الامريكي إذ لا يمكن ان تكون تلك الزيارة إقرارا بالاحتلال أو بوجوده أو شرعيته.
لأننا نتحدث في السياسة فقط،ولا نفتي فإن التساؤلات يجب ان تتراكم أمامنا عن خسارة اسرائيل وارباحها من إباحة الزيارة بتأشيرة اسرائيلية،فلا يمكن ان نصدق ان اسرائيل ستغضب لفتوى المنع،أو سترضى لو كانت هناك إباحة،وهي بالتأكيد تريد الاستفراد بالمقدسيين اجتماعيا واقتصاديا.
كل ما نخشاه ان تصب فتوى المنع المطلق من حيث لا يعلم أصحابها،أو من حيث يعلموا ولا يجدون مخرجا باتجاه عزل المدينة ومكوّنها عن العرب والمسلمين،وتركهم أسارى للاحتلال يفعل بهم ما يشاء،وهذا ما تريده اسرائيل.
هذا مجرد رأي سياسي،لا يختلف في اتجاهه المعاكس عن أولئك الغاضبين الذين يرفضون الزيارة لاعتبارات دينية وطنية،فاعتباراتنا كلنا واحدة،غير ان الاختلاف فقط يتعلق بطريقة تنفيذ هذ الاعتبارات وتحويلها الى واقع ملموس.
والملف يخضع للنقاش من جانب أصحاب العلم الشرعي المستنير،ثم من حسنت نواياهم،ولا يريدون تسخير الواقع لغايات جرنا باتجاه تكريس اسرائيل محتلا شرعيا.
maherabutair@gmail.com
(الدستور)