من نصّبكم أوصياء علينا؟!
في جلسة أول من أمس، قرّر مجلس الوزراء أن يكون التنسيب للإرادة الملكية مقتصراً على القائمة الوطنية (مادة 8-ج) فقط، وهو ما يحدّد دور مجلس النواب في مناقشتها، بدون القدرة على مناقشة المادة كاملة، بما في ذلك قانون الصوت الواحد!
ثمة آراء أخرى، قانونية، تتمثّل في أنّ روح الدستور تجيز لمجلس النواب أن يناقش البنود الأخرى من المادة إذا تمّ فتحها؛ إذ تترابط الأجزاء معاً ولا تنفصل، ومن الواضح أنّ هذا الرأي القانوني ستتجاهله الحكومة والنواب.
لا أعرف سرّ قتال رئيس الوزراء لحماية الصوت الواحد، وكأنّه "البقرة المقدّسة"! وهو ما يبدو جلياً في مقابلة الزميلة "الرأي" معه أمس؛ فهو مصرّ على أنّ المطلوب فقط زيادة 10 مقاعد على القائمة الوطنية، بدون المساس بالصوت الواحد.
ثم يؤكّد الرئيس أنّ تعديل القانون، بعد إقراره فوراً، ليس مرتبطاً لا بمطالبات داخلية ولا بمتغيرات إقليمية. إذن؛ بماذا؟! وهو جواب يختزل حجم المكابرة والإصرار على عدم الاعتراف بالمأزق الكبير الذي كادوا (وما يزالون مصرّين) أن يطيحوا بنا فيه!
أغرب ما في مقابلة الرئيس قوله "لن نعدّل القانون لأنّ أحدهم زمجر هنا أو هناك". وفي واقع الأمر لا أعرف، حقّاً، وأتمنى أن يرشدني أحد إلى الطريقة التي يمكن أن يدرك بها الرئيس حجم الاعتراض على القانون!
المعارضة للقانون انتقلت من خارج "السيستم" إلى داخله، حتى إلى وزراء في الحكومة نفسها، إلى رجال الدولة وقيادات سياسية، إلى الشارع والإعلام والقوى الاجتماعية والسياسية، باستثناء الحرس القديم! باختصار؛ "الصوت الواحد" هو وصفة قديمة انتهت صلاحيتها، لكن هنالك من يريد فرضها على البلاد والعباد، وما قضية "الحقوق المكتسبة" إلاّ كذبة كبيرة، فبركها القوم وصدقوها، فما نسمعه اليوم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب هو مناشدات للملك للتدخل والتخلص من "عار الصوت الواحد"!
وإذا كان تيار "الصوت الواحد" مصرّاً على قصة "الحقوق الوهمية المكتسبة"، فالحَكَم بين الجميع هو الاستفتاء الشعبي، فأنا أدعو إلى العودة إلى الناس (على الأقل من باب المعرفة الملزمة أدبياً لا دستورياً) لتحكم ما هو القانون الذي تريد، وإذا اختاروا الصوت الواحد، سنضرب سلاماً حارّاً للرئيس ونقرّ بديمقراطيته وقبوله لرأي الأغلبية.
للمرّة المليون؛ الصوت الواحد هو ضرب بمخرجات الحوار الوطني عرض الحائط، حتى في المبادئ الحاكمة لقانون الانتخاب، وأهمها "دفن الصوت الواحد"، ومخالف لمشروع حكومة د.معروف البخيت، وأقل حتى من مشروع عون الخصاونة- الصوتان، الذي جاء أقل بكثير من طموحات الشارع، فهل الجميع مخطئون ومن يتمترس بالصوت الواحد هو فقط المؤتمن على الدولة ومصالحها الوطنية واستقرارها؟!
أخشى أنّ ثمة موقفاً سافراً وراء الإصرار على الصوت الواحد من الديمقراطية نفسها؛ فما نسمعه من كواليس القرار أنّ لدينا تياراً شرساً في الدولة، مدعوما من الحرس القديم، يؤمن بأنّ الديمقراطية الحقيقية بمثابة إلقاء للبلاد في الهاوية، ويعتقد هذا التيار أنّ وجود قانون يتجاوز الصوت الواحد هو تسليم للبلاد للمجهول. ويشعر أصحاب هذا الموقف، المتنفذون اليوم، أنّهم وحدهم الأوصياء على الوطن والدولة، أمّا غيرهم فإمّا حالمون ونظريون، أو أنّهم يحملون أجندات ضد الدولة!
نضم صوتنا إلى النائب والسياسي المخضرم د.عبدالله النسور، بدعوة صانع القرار إلى أن ينقذ الموقف قبل أن نعود مرّة أخرى إلى المأزق ذاته؛ فالإصرار على "الصوت الواحد"، والاكتفاء بالقائمة الوطنية، لن يحل المشكلة أبداً، بل ربما يفاقمها، فلا يجوز التعامل مع الشارع بمنطق الاستعلاء في وقت نحتاج كثيراً للإنصات إليه!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)