السلط: من يكسِّر من؟!
محمد أبو رمان
جو 24 : الاجتماع العاصف لمواطنين من السلط في مجمع النقابات المهنية في المحافظة (أول من أمس) يعكس حجم التوتر والاحتقان الذي يسود في أوساط الشباب هناك، ليس فقط أبناء التيار السلفي، بل حتى شريحة واسعة منهم، ممن خاضوا مواجهات مع الدرك خلال الأعوام الماضية.
الاجتماع جاء احتجاجاً شديداً على ما نسبه أهالٍ من المدينة لانتهاكات وقعت بحق أبنائهم الذين اعتقلوا على خلفية أحداث الشغب الأخيرة، والتي كانت تطالب بإطلاق سراح المحكوم محمد جميل عربيات (دين باغتيال فولي قبل مدة طويلة). ذوو المعتقلين -وبعضهم ما يزالون أحداثاً- يتحدثون عن اتهامات بأفعال وقعت بحق أبنائهم من جهاز الدرك!
مشاهد الفيديو والصور للفتى-الحدَث ليث قلالوة، وحديث والده المؤلم عما وقع بحق الابن، هزّت الرأي العام بالأمس، فيما جاء بيان الأمن العام –كالعادة- هزيلاً متهاوياً، لا يكاد من صاغه يقتنع به. أمّا ما نُسِب من حديث عن اعتداءات "جنسية" على لسان بعض الآباء، فإنّه مؤشر على أنّنا نسير في طريق خطرة جداً، كمن يدخل إلى بيت الأفاعي ويتباهى بالرقص فيه!
المقلق أنّ هذه الاتهامات ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبقتها شهادات مماثلة عن انتهاكات بحق معتقلي الدوار الرابع، وقبل ذلك شهادات أكثر خطورة وإيلاماً عن معتقلي تيار السلفية الجهادية، على خلفية أحداث الزرقاء (منتصف نيسان 2011).
بالضرورة، لا أحد يقبل بالاعتداء على الممتلكات العامة، ولا على رجال الأمن، ولا حرق الإطارات في الشوارع، ولا إغلاق الطرق، ولا إهانة الدولة، فهذا ما لا يمكن تبريره أو تجميله! لكن الجواب عن ذلك لا يأتي عبر الإفراط في استخدام القوة والتعذيب، وتجاوز القانون، والاستهتار بكرامة الإنسان وشرفه، فهذه –إن وقعت- بمثابة جريمة أخطر بكثير من جريمة الشغب، لأنّها تكسير للأسس الأخلاقية في العلاقة بين الدولة والمواطن!
ما حدث يولّد تراكمات مقلقة. والخروج من هذا المناخ المسموم يكمن فقط في تدخل مباشر من رئيس الوزراء ليشكل لجنة تحقيق مستقلة من المركز الوطني لحقوق الإنسان والنقابات وبعض القضاة. وإذا لم يفعل ذلك، فهو يؤكّد –ضمنياً- إدعاءات الأهالي، ما يرسّخ صورة جديدة وعلاقة مختلفة بين الدولة والمجتمع.
حالة السلط لا يمكن النظر إليها بصورة منفصلة عن السياق العام في البلاد؛ ففي اليوم نفسه حدث اعتداء جديد على مقر جماعة الإخوان المسلمين في حي النزهة، وكتابة عبارات مسيئة للجماعة، مع التأكيد على الولاء للنظام. وكالمعتاد، فمن المتوقع أن يتم تسجيل الحادث ضد مجهول!
في الأثناء، تتكرر أعمال البلطجة والاعتداء على المظاهرات السلمية، ويستمر العنف الجامعي ويدخل مرحلة خطرة. والجديد أنّ جزءاً كبيراً من العنف يتحول اليوم من مشاجرة عشائرية أو احتجاج على انقطاع الماء أو على الواجهات العشائرية، إلى عنف ضد الدولة نفسها!
جوهر الأزمة أنّ المواطنين لا يرون مسطرة واحدة تطبق على الجميع عنوانها "دولة القانون"، فهنالك تعاطف رسمي مع عنف واعتداء على ناشطين من الأمن أو "متطوعين"، وسكوت عن عنف آخر، وضرب بيد من حديد احتجاجات أخرى، وكأننا نُحكم بعشرين قانونا، ونتعامل مع قارة متنوعة الأديان والأعراق والإثنيات، لا مع دولة صغيرة لا تحتاج إلى كل هذا التعقيد والارتباك!
الروايات عن الانتهاكات والإفراط في استخدام القوة، ما صحّ منها، لا يكسر شوكة الشغب أو التمرد أو يبعث برسالة بأنّ للدولة أنياباً، بل هو قبل كل شيء تكسير لصورة الدولة ونزع لجذور احترامها وتقزيم لقيمها، وتفخيخ لعلاقتها مع الشارع بأسره! الغد
الاجتماع جاء احتجاجاً شديداً على ما نسبه أهالٍ من المدينة لانتهاكات وقعت بحق أبنائهم الذين اعتقلوا على خلفية أحداث الشغب الأخيرة، والتي كانت تطالب بإطلاق سراح المحكوم محمد جميل عربيات (دين باغتيال فولي قبل مدة طويلة). ذوو المعتقلين -وبعضهم ما يزالون أحداثاً- يتحدثون عن اتهامات بأفعال وقعت بحق أبنائهم من جهاز الدرك!
مشاهد الفيديو والصور للفتى-الحدَث ليث قلالوة، وحديث والده المؤلم عما وقع بحق الابن، هزّت الرأي العام بالأمس، فيما جاء بيان الأمن العام –كالعادة- هزيلاً متهاوياً، لا يكاد من صاغه يقتنع به. أمّا ما نُسِب من حديث عن اعتداءات "جنسية" على لسان بعض الآباء، فإنّه مؤشر على أنّنا نسير في طريق خطرة جداً، كمن يدخل إلى بيت الأفاعي ويتباهى بالرقص فيه!
المقلق أنّ هذه الاتهامات ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبقتها شهادات مماثلة عن انتهاكات بحق معتقلي الدوار الرابع، وقبل ذلك شهادات أكثر خطورة وإيلاماً عن معتقلي تيار السلفية الجهادية، على خلفية أحداث الزرقاء (منتصف نيسان 2011).
بالضرورة، لا أحد يقبل بالاعتداء على الممتلكات العامة، ولا على رجال الأمن، ولا حرق الإطارات في الشوارع، ولا إغلاق الطرق، ولا إهانة الدولة، فهذا ما لا يمكن تبريره أو تجميله! لكن الجواب عن ذلك لا يأتي عبر الإفراط في استخدام القوة والتعذيب، وتجاوز القانون، والاستهتار بكرامة الإنسان وشرفه، فهذه –إن وقعت- بمثابة جريمة أخطر بكثير من جريمة الشغب، لأنّها تكسير للأسس الأخلاقية في العلاقة بين الدولة والمواطن!
ما حدث يولّد تراكمات مقلقة. والخروج من هذا المناخ المسموم يكمن فقط في تدخل مباشر من رئيس الوزراء ليشكل لجنة تحقيق مستقلة من المركز الوطني لحقوق الإنسان والنقابات وبعض القضاة. وإذا لم يفعل ذلك، فهو يؤكّد –ضمنياً- إدعاءات الأهالي، ما يرسّخ صورة جديدة وعلاقة مختلفة بين الدولة والمجتمع.
حالة السلط لا يمكن النظر إليها بصورة منفصلة عن السياق العام في البلاد؛ ففي اليوم نفسه حدث اعتداء جديد على مقر جماعة الإخوان المسلمين في حي النزهة، وكتابة عبارات مسيئة للجماعة، مع التأكيد على الولاء للنظام. وكالمعتاد، فمن المتوقع أن يتم تسجيل الحادث ضد مجهول!
في الأثناء، تتكرر أعمال البلطجة والاعتداء على المظاهرات السلمية، ويستمر العنف الجامعي ويدخل مرحلة خطرة. والجديد أنّ جزءاً كبيراً من العنف يتحول اليوم من مشاجرة عشائرية أو احتجاج على انقطاع الماء أو على الواجهات العشائرية، إلى عنف ضد الدولة نفسها!
جوهر الأزمة أنّ المواطنين لا يرون مسطرة واحدة تطبق على الجميع عنوانها "دولة القانون"، فهنالك تعاطف رسمي مع عنف واعتداء على ناشطين من الأمن أو "متطوعين"، وسكوت عن عنف آخر، وضرب بيد من حديد احتجاجات أخرى، وكأننا نُحكم بعشرين قانونا، ونتعامل مع قارة متنوعة الأديان والأعراق والإثنيات، لا مع دولة صغيرة لا تحتاج إلى كل هذا التعقيد والارتباك!
الروايات عن الانتهاكات والإفراط في استخدام القوة، ما صحّ منها، لا يكسر شوكة الشغب أو التمرد أو يبعث برسالة بأنّ للدولة أنياباً، بل هو قبل كل شيء تكسير لصورة الدولة ونزع لجذور احترامها وتقزيم لقيمها، وتفخيخ لعلاقتها مع الشارع بأسره! الغد