كيف تمّ "اختطافنا"؟!
اقتصر التفكير الرسمي الحالي، وراء تعديل قانون الانتخاب في الدورة الاستثنائية، على القائمة الوطنية، بمنحها عشرة مقاعد إضافية. والهدف من ذلك زيادة تمثيل "الأردنيين من أصل فلسطيني"، نظراً لمحدودية مقاعدهم في مجلس النواب الحالي، وكأنّ مشكلة مجلس النواب والإصلاح السياسي تتمثّل فقط في محدودية التمثيل النيابي لهذه الشريحة المعتبرة، وليس أيضاً –وهو الأهم- في نوعية النواب والنخبة السياسية التي تنتج عن هذا القانون!
صحيح أنّ تمثيل "الأردنيين من أصل فلسطيني" (أعتذر لاستخدام هذه التصنيفات من باب الضرورة) ظالم وأقل من النسبة المقبولة، إلاّ أنّ جزءاً أساسياً من المشكلة يكمن في استنكاف نسبة كبيرة من هذه الشريحة عن المشاركة في الانتخابات الماضية، لاحتجاجها ورفضها لقانون الصوت الواحد، ولعدم الشعور بأنّ ما يمكن أن يأتي منه يمكن أن يُحدث فرقاً في المجال السياسي.
للأسف، منطق "المحاصصة السياسية" يسود حالياً لدى النخبة الرسمية، ولأسباب خارجية بدرجة أولى، وليس لدى الشارع الأردني نفسه الذي يفكّر في إصلاح سياسي وطني عام، ينتشلنا من الأزمات السياسية الراهنة، من خلال قانون انتخاب يرد الاعتبار لمجلس النواب، ويشجع الناس على المشاركة، بعد أن يشعروا أنّ مثل هذا القانون يمكن أن ينتج مجلس نواب حقيقيا وفاعلا!
المشكلة الأكثر خطورة المترتبة على الصوت الواحد ليست لدى الحركة الإسلامية، كما تزعم مطابخ القرار، والإخوان مستعدون –وفقاً لمصادر مقرّبة- أن يرسلوا تطمينات بأنّهم لا يسعون إلى أغلبية نيابية، بل بالحسابات السياسية البراغماتية فإنّهم قادرون أن يتعايشوا مع الصوت الواحد وأن يحصلوا على عدد جيد من المقاعد، لأنّ حصتهم الثقيلة في المحافظات الكبرى.
"بعبع الإخوان" كذبة رسمية كبيرة. إنّما من يعاني الأمرّين من هذا القانون المشؤوم، منذ أكثر من عقد، هم أبناء المحافظات والعشائر، أو بعبارة واضحة "الشرق أردنيون". فهذا القانون أضرّ كثيراً بطبيعة النخبة السياسية التي تمثل هذه الشريحة، وأحيا الانتماءات الأولية والاعتبارات العشائرية على حساب الشخصيات السياسية والوطنية، ودفع بطبقة أو نخبة جديدة إلى السطح، ممن تسيء لصورة هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة، وكأنّ المقصود إهانتها بتقزيم ممثليها!
أضرار الصوت الواحد تتجاوز إنتاج طبقة سياسية جديدة، بلا أفق وطني حقيقي أو خبرة سياسية معتبرة، إلاّ من رحم ربي، بل وصلت إلى الجامعات والمجتمع المحلي والاقتصاد ومختلف مناحي الحياة. إذ إنّ استرضاء الحكومات لهذه الطبقة من النواب، والعلاقة غير الصحية المتبادلة بين الطرفين، فتحا أبواباً واسعة من المحسوبية في التعيينات والاختلال في سيادة القانون، ونفخا في الاختلافات الاجتماعية والعشائرية بدلاً من ردمها، وانتهى الأمر إلى انفجار العنف الجامعي والاجتماعي، بعد أن تم استنساخ هذا النموذج العبقري في الجامعات!
في الأثناء؛ تزاوج المنظور الأمني بالصوت الواحد، وأصبحت العلاقة عضوية ووثيقة وتاريخية! وهو ما يفسّر الإصرار الرسمي عليه.
من أجل ذلك، فإنّ المعركة الحالية على الصوت الواحد هي مجرد بداية الطريق نحو استعادة الوطن ومؤسساته ومستقبله، والعودة إلى المسار الصحيح، بعد أن تمّ اختطافنا جميعاً لسنوات طويلة؛ فهي ليست معركة الإخوان أو القوى السياسية، إنما معركتنا جميعاً، لأنّها الخيط الذي يؤدي بنا إلى نخبة سياسية مختلفة، وتصحيح العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإعادة هيكلة قواعد اللعبة السياسية من جديد، أمّا الابقاء على الصوت الواحد فسيبقي القائمة الوطنية أيا كانت جزءاً محدوداً وإصلاحاً شكلياً لا أكثر!