jo24_banner
jo24_banner

احذروا "دولة الإخوان"!

محمد أبو رمان
جو 24 :

ثمة مخاوف وهواجس مبالغ فيها لدى نخب اجتماعية ليبرالية ومسيحية من وصول الإسلاميين إلى السلطة في دول عربية عدة؛ إذ يتم تصوير الأمر وكأنّ الإسلاميين سيحكمون الناس باسم الدين بالحديد والنار، ولسان حالهم "احذروا دولة الإخوان"!


بالضرورة، ثمة مبررات مشروعة لهذه الهواجس من نماذج إسلامية حاضرة في طهران وأفغانستان-طالبان، وحتى بعض الممارسات في غزة، وفي السعودية، تُظهر تناقضاً جوهرياً بين الحكم الإسلامي والقيم الديمقراطية، وبصورة أساسية الحريات الفردية وحقوق الإنسان.. إلخ.


إلاّ أنّ إسقاط هذه "النماذج" على التجربة الجديدة في الربيع العربي بمثابة تجاهل وتجاوز للشروط الموضوعية المختلفة التي أنتجت صعود الإسلاميين حالياً، والتي تشكّل بحد ذاتها قيداً مهماً وضمانة صلبة للمسار الديمقراطي الجديد.


في الربيع العربي، نحن لا نتحدث عن دولة الإخوان أو دولة الإسلاميين التي جاءت بثورة أيديولوجية أو بصراع عسكري، بل عن دولة ديمقراطية بثورة ديمقراطية قام بها الناس، وما يزالون يدافعون عنها، والإخوان هم فقط حزب سياسي من بين الأحزاب المتنافسة، يمتلكون اليوم الأغلبية، وغداً في المعارضة!


المفارقة أنّ أصحابنا ما يزالون يطرحون أسئلة بدائية عن التزام الإسلاميين بالديمقراطية تم تجاوزها حتى لدى الباحثين الغربيين، الذين كانوا أول من طرحها، مثل: هل يلتزم الإسلاميون باللعبة الديمقراطية في حال وصلوا إلى السلطة؟ وهو تحصيل حاصل، فهم يعلنون التزاماً كاملاً بمضامين اللعبة السياسية وبالتعددية وتداول السلطة، فضلاً عن أنّ الشارع هو من يحدد اليوم من سيأتي ومن سيغادر؛ فصندوق الاقتراع هو الحكم، وليست الانقلابات العسكرية أو الصراعات الدموية!


ما هو أهم من ذلك أن ندرك حجم التحولات الفكرية- الضمنية لدى الإخوان وأشقائهم من الإسلاميين. ويظهر ذلك في خطابهم السياسي؛ إذ لم يعودوا يتحدثون عن إقامة دولة إسلامية- كما هي الحال في أفكار سيد قطب والمودودي والنبهاني وغيرهم، بل عن دولة ديمقراطية مدنية، واحترام الدستورية والتعددية السياسية وتداول السلطة وحقوق الإنسان والحريات العامة، وهي مفاهيم كانت قبل عقد من الزمن موضوعاً جدلياً داخل الإخوان، وأصبحت حالياً أشبه بالمسلّمات لدى جيل الشباب والقيادات الجديدة، باستثناء بعض القيادات القديمة المحافظة.


يمكن ملاحظة حجم التخويف والأوهام التي تنسج حول الإخوان من تصريحات د. محمد مرسي، إذ تحدث الرجل بمنطق المواطنة ودولة القانون والمؤسسات والعلاقة الوطيدة مع الأقباط، واحترام حقوق الإنسان. وهو خطاب شد انتباه المراقبين والمعنيين، بما حمله من ضمانات ولغة تصالحية وطنية واضحة تجاه الجميع، بخلاف محاولات الشيطنة والتخويف التي بذلها المركز البيروقراطي الأمني من الجماعة خلال التحضير لجولة الإعادة!


المشروع السياسي للإخوان في مصر وتونس والمغرب اليوم بات مختلفاً عن العقود الماضية؛ فهم تحوّلوا – عملياً- إلى أحزاب سياسية برامجية، على غرار الأحزاب المحافظة في الغرب، وهم في طريقهم إلى تكريس ذلك فكرياً وأيديولوجياً، كما حدث في تجربة "العدالة والتنمية" التركي، بعد أن يستقر المسار الديمقراطي!


في المحصلة، الخشية مستقبلاً ليست من المشروع السياسي للإسلاميين، فهم جزء من النسيج الاجتماعي، وفي أغلب الدول العربية تعكس الأحزاب الإسلامية الديمقراطية اتجاهات في الطبقة الوسطى المحافظة ومصالحها السياسية والاقتصادية.


الخشية الحقيقية هي من "المعسكر البيروقراطي الأمني"، الذي استخدم سابقاً فزّاعة الإسلاميين لفرملة المسار الإصلاحي، ويريد اليوم الاستمرار في العزف على الأسطوانة المشروخة نفسها، لكن بعد أن ملّت الناس من سماع هذا اللحن المزعج، فهم ما يزالون يحلمون بإيقاف حركة التغيير، واغتيال الحلم الديمقراطي في الشارع العربي!

m.aburumman@alghad.jo

(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير