العنف الرسمي: النظام يريد إسقاط النظام
إبراهيم قبيلات - المنطقة العربية تضج بالعنف، وتفيض بالدماء منذ أن قدح محمد بوعزيزي النيران في جسده. في البدء كانت تونس، فسقط بن علي، فمصر، ثم ليبيا فقتل القذافي، قبل أن يحكم على حسني مبارك بالمؤبد ليدخل في غياهب المرض، وفي تلك الأثناء كان يسقط الكثير من القتلى في اليمن السعيد، ويحرق علي عبدالله صالح قبل أن ينزع من الحكم نزعاً.
في المنطقة تنزف دماء لم ترتوِ الارض العربية بها منذ هجمات المغول، فهل أخافت الدماء والاشلاء والعويل العامة من الناس في بلاد الربيع العربي؟ أم أن هذه الدماء جعلت نفسها وقودا لمزيد من غضب البسطاء؟ هو سؤال قومي.. حوّله البعض الى فرضية في السياق الوطني الأردني بعد ملاحظة زيادة منسوب العنف الرسمي تجاه الحراك المنادي بالاصلاح.
ما زال خطاب الرئيس المصري المخلوع، في ليلة موقعة الجمل يتردد أصداؤه في أذهان الكثيرين، آنذاك كاد الثوار أن يعودوا الى بيوتهم بعد ان انفض من حولهم المواطنون؛ تعاطفا مع "الريس"، في تلك الليلة جرت نقاشات جادة بين القوى المعتصمة في ميدان التحرير، خلص بعضها إلى فض الاعتصام والعودة إلى المنازل.
"لكنها ثورة محروسة".. قال قادة الميدان، أما كيف جرت حراستها وحمايتها من نفسها، ومن أعدائها، ففي الدماء.. نعم الدماء.. الدماء هي ما حَمى الثورة وشكل لها ضمانة لبقائها حتى النصر، أما كيف؟ فقد هجم البلطجية بجمالهم وأحصنتهم وحجارتهم وسيوفهم على المعتصمين في الميدان، فانسحب التعاطف وظهر الغضب على وجوه الناس.. "ان الريّس يكذب" .. قال الناس في الصباح، وبدأ هنا العد العكسي لمقولة: "قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية..".
لكن المصريين ليسوا استثناء، فهناك سورية وهناك اليمن وليبيا. وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي يصطف خلفها قوميون ويساريون كثر، ألم تكن البداية من درعا؟ ماذا لو استقبل محافظ درعا فيصل كلثوم ومدير الأمن السياسي فيها العقيد عاطف نجيب – ابن خالة الرئيس السوري بشار- وفدا من أهالي الأطفال بما يليق بكرامتهم، ماذا لو لم يقل لهم المحافظ أن ينسوهم بل وانه مستعد لمساعدة نسائهم على إنجاب أطفال بدلا منهم إذا لم يكونوا قادرين على الإنجاب.
الرد كان شرارة الثورة الأولى، وكان كلما زاد النظام من بطشه زاد الناس في غضبهم، الى أن فقد النظام السوري السيطرة على معظم مناطق البلاد، وأصبح سقوطه مجرد مسألة وقت.
تلك صور يركّبها عميد الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال الصهيوني الاعلامي المحرر سلطان العجلوني وهو يقول: نماذج العنف الأمني والعسكري المصري، والسوري، كما اليمني، وما تلاهم من عنف ومجازر ودمار وتفكيك للدولة والمجتمع، رسائل واضحة، لأي نظام عليه أن يعيها جيدا.. وعليه ايضا أن يعي انه ليس الفاعل الوحيد في الدولة.. وإن عدم الاستجابة للشارع هو انتحار.
لدى العجلوني الذي قضى في سجون الاحتلال قرابة العقدين من الزمن تفسير لحالة القمع العربي، يقول: "عاشت الانظمة العربية وهي تظن ان القمع، هو الضمانة الوحيدة لبقائها". هنا الرجل ينصح: "السعيد من اتعظ بغيره".
العجلوني يجيب على سؤال jo24، حول ما لديه من نصيحة يضعها على طاولة رأس النظام بالتالي: "شعبك يريدك ملك قلوب، والحاشية تريدك ملك رقاب، وعليك أن تختار".
العناوين المرتبطة بالعنف العربي الرسمي تجد طريقها في ذاكرة الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني منير حمارنة عبر "موقعة الجمل" التي سيكتبها التاريخ بأحرف من حرية.. الواقعة التي أريد منها أن تخيف الناس فزادت من عزائمهم..
حمارنة لا يريد أن يرى موقعة جمل تلوح بالأفق في الاردن، لكنه يتفحص خروج الحراك عن سلميته اليوم، إن بقي النظام مصراً على تراجعه عن الإصلاح، خاصة أن منسوب العنف الامني الرسمي قد ارتفع وارتفعت معه شعارات الحراكات المطلبية.
المدهش في الدرس الاردني انه يقول التالي: الحراك الشعبي يتغذى على العثرات الحكومية المتواصلة، سواء فيما يتعلق بملف الإصلاح السياسي أو الاقتصادي، ووفق حمارنة فإن حريق العنف الرسمي لا يطفئ الحراك، بل ما يطفئه الاستجابة الحقيقية لمطالب الشارع.
اللواء الطبيب المتقاعد، د. روحي شحالتوغ، الذي يرى ان النظام الأردني تمنى عدم نجاح الثورات العربية، وما زال يمني نفسه بسيطرة النظام السوري على مقاليد الأمور. يقول : "على النظام الأردني تغيير سلوكه القمعي شاء أم أبى".
ويرى شحالتوغ أن ازدياد الضغوطات على النظام، لتقديم إصلاحات حقيقية، يقابل بورقة تجميلية لإصلاح القوانين الناظمة للحياة العامة او الاقتصادية؛ وهو ما يجعل الثورة تكبر وتتمدد والنظام يضعف ويهزل.
في الأردن، يبدو أن استراتيجية العنف بدأت بالناعم، وهي اليوم في طريقها إلى الخشن، وكذلك الحال، فإن حرق الإطارات وإغلاق الطرق ورفع شعارات "نارية"، لم تعد تطفئ غضب الناشطين، الذين باتوا "يسخنون" لما هو أكثر من ذلك.
والملاحظ، هو رفع منسوب العنف الامني الرسمي تجاه الحراك الشعبي الاردني.. هو رفع يراد له أن يكون ذكيا، بتعامله مع زيادات منسوب العنف بحذر.. لكن هل سينطبق علينا المثل القائل: من مأمنه يؤتى الحذر؟