2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

معركة داعش ومعركة مجلس الأمة

فريق ركن متقاعد موسى العدوان
جو 24 : من المفارقات العجيبة في هذا البلد أننا ابتلينا بمجالس أمة اعتقدنا انها ستجسّد إرادة الشعب وتحافظ على مصالح الأمة . ولكن من خلال تجاربنا مع المجالس السابقة منذ مجلس عام 1989 وحتى الآن أصابنا الإحباط ، نتيجة لأدائها الضعيف وممارساتها المشخصنة ، بعيدا عن الديمقراطية التي نتطلع إليها ورعاية مصالح الشعب.
ومن المؤسف أنه في الوقت الذي كانت تخوض به العراق وأمريكا معركة شرسة ضد داعش على الأراضي العراقية خلال الأسبوع الماضي ، كان مجلس الأمة الأردني يخوض معركة من طراز آخر ، هي معركة الرواتب والتقاعد لأعضائه في تحد صارخ لمشاعر المواطنين .
لقد سنّ مجلس الأمة تشريعا جديدا يسمح بموجبه لعضو مجلس الأمة ، ممن أمضى خدمة سبع سنوات فقط في مؤسسات الدولة ، تقاضي راتبا تقاعديا مساو لراتب الوزير مدى الحياة ، وبأثر رجعي يمتد إلى أربع سنوات سابقة . هذا بالإضافة إلى جواز الجمع بين راتبين خلال عضويته في المجلس . لا أعرف بأي حق يبدد السادة أعضاء المجلس أموال الدولة على أعضائه ، وكأننا في دولة نفطية لديها فائض من الأموال ، لا دولة فقير ترزح تحت مديونية فلكية .
الموظف المدني أو العسكري عليه أن يمضي 18 عاما على الأقل في الخدمة العامة مقرونة بالعمر لكي يستحق الراتب التقاعدي ، على أن يكون قد أكمل اشتراكه في صندوق التقاعد المختص طيلة تلك الفترة . فكيف يُمنح عضو مجلس الأمة راتبا تقاعديا طالما أنه لم يُمضِ نصف الحد الأدنى لفترة التقاعد المفروضة لقرينه في مؤسسات الدولة ؟ ولم يقدم اشتراكاته المالية لصندوق التقاعد ؟ أمر غريب من نوعه يشكل سابقة لم تحدث في أي دولة متخلفة أو متقدمة من دول العام . وهذا يشير بأن أعضاء مجلس الأمة يعيشون في عالم آخر غير عالم الأردنيين .
لو أجرينا مقارنة بين عضو مجلس الأمة ذو خدمة ال 7 سنوات في ظروف مريحة ، فيحصل بعدها على راتب تقاعدي يتجاوز 4000 دينار ، وضابط ميداني برتبة لواء أمضى ما يزيد على 30 عاما في خدمة القوات المسلحة ، وفي ظروف عسيرة كان خلالها معرضا للخطر في كل لحظة ، إضافة لدفعه جميع اشتراكاته في صندوق التقاعد ، سنجد أنه يتقاضى راتبا تقاعديا لا يزيد عن 1400 دينار .
وهنا يتجلى الظلم الكبير الذي يحيق بالعسكري مقارنة بعضو مجلس الأمة ، من حيث طول مدة الخدمة وظروفها القاسية والمردود المادي الذي يحصل عليه ، إذا حالفه الحظ ولم يكن مصابا أو مشوها خلال أدائه لواجباته العسكرية . ولابد هنا من التذكير بالمعارضة القوية التي أبداها أعضاء المجلس تجاه مطالب المعلمين ممن تقترب رواتبهم لخط الفقر .
نتذكر بالإجلال والتقدير أعضاء مجلس الأمة في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، والذين لم يتجاوز عددهم 80 عضوا ، فكانوا يتقاضون مكافأة شهرية تتوقف عنهم بتوقف دورات المجلس ، ولا يتقاضون بعدها أية مكافآت مالية أو رواتب تقاعدية . وقد رفضوا أن تحمل لوحات سياراتهم الخاصة عبارة مجلس الأعيان أو مجلس النواب ، باعتبارها تمييزا لهم عن بقية أفراد الشعب احتراما منهم لناخبيهم .
ولكن مجلسنا الموقر يتفنن في استنباط المكاسب الشخصية لأعضائه الذين يبلغ عددهم 225 عضوا ، دون مراعاة لتحميل موازنة الدولة أعباء إضافية . وليس من المستبعد أن يسن المجلس تشريعا جديدا يسمح لأعضائه بالسفر إلى سطح القمر بحثا عن منافع جديدة لهم .
إن مهمة مجلس الأمة كما هو معروف تتلخص في ناحيتين هامتين : هما التشريع والمراقبة . فالأولى استغلها المجلس لمصلحة أعضائه أبشع استغلال . وأما الثانية فهي غائبة ولا تثار إلا في قضايا استعراضية أمام المواطنين . وبهذه المناسبة نستذكر جلالة الملك حسين رحمه الله ، الذي كان عند ملاحظته لخروج المجلس عن جادة الصواب ، يستدعيه ويوجهه إلى الطريق القويم بصورة حازمة .
أما اليوم فنلاحظ أن مجلس الأمة يُصاب بالشطط ويقوم بتصرفات بعيدة عن الحكمة ، فيوزع الهبات المالية على أعضائه وعلى مدراء مكاتبهم دون مبرر ، ويرسل وفود الترضية النيابية في زيارات خارجية لمختلف أصقاع الأرض دون أي فائدة تذكر ، ويشرّعون لأنفسهم بما يحرّمونه على غيرهم . ومع هذا لا نجد من يردعهم عن ممارساتهم غير المنطقية .
القاعدة التي تقول : " بأن العدل أساس الحكم " أصبحت بوجود هذا المجلس غائبة تماما ، وهو المجلس الذي يفترض به أن يكون قدوة حسنة للمواطنين ، في سلوكه وفي محافظته على مصالح الدولة ، ومكافحة الفساد ، والسعي لتحقيق العدل بين الناس في مختلف مواقعهم . وهكذا فقد اختلت موازين العدالة ، وساد الفقر ، وانتشرت البطالة ، وازدادت الرشوات والسرقات في مختلف مفاصل الدولة ، وفقد الناس الأمل بتحسن احوالهم المعيشية ، الأمر الذي يدفعهم إلى التطرف وارتكاب الجريمة .
داعش هي حزام ناري يحيط بنا من الشمال والشرق ، وتتبني أيديولوجية متطرّفة ، تدعو إلى إقامة دولة خلافة إسلامية تحقق العدل وتحارب الفقر والبطالة بين الناس حسب ادعائها . وهذه أفكار عابرة للحدود تلاقي صداها لدى الفقراء ومن يشعرون بالتهميش وفقدان العدل ، فقد تدفعهم بالتعاون مع خلايا نائمة إذا وجدت لتشكيل ( داعش الداخل ) إذا ساءت الظروف لا سمح الله .
وإن كانت القوات المسلحة قادرة على التصدي ( لداعش الخارج ) ، فإن أعضاء مجلس الأمة ( أصحاب التقاعد الوزاري ) غير قادرين على التصدي ( لداعش الداخل ) إذا لم تعالج أسباب الشكوى من جذورها ، ويتحقق العدل والمساواة بين الجميع . ويجب أن نتذكر في هذا السياق بأن الرصاص لا يقتل الفكر الذي يتسرب إلى الناس ، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية .
المخلصون في هذا الوطن يقدمون نصائحهم قولا وكتابة بصورة متواصلة ، ولكن الحكومات تصم آذانها وتغمض عيونها ، لأنها لا تريد أن تسمع أو تقرأ فتلجأ إلى أسلوب النعامة تاركة الحبل على الغارب . ولكل رئيس إقطاعيته يصول ويجول فيها كما يشاء دون حسيب أو رقيب .
إن الأمل معقود على جلالة الملك في أن يرد هذا التشريع المُكْلف على خزينة الدولة ، كما رده في مناسبة سابقة ، لا سيما وأن أعضاء المجلس سيتزايدون سنة بعد أخرى .
كلمة أخيرة أختم بها فأقول : إن الأرض خصبة ومهيأة لتقبل البذور الخبيثة ، التي قد تنبت على سطحها في أية لحظة . وكل ما أخشاه أن يأتي يوم علينا نواجه به شريحة من المواطنين ، يحملون سلاحهم ويجهرون بأصواتهم قائلين : " أهلا داعش على أرض الرباط والجهاد " . وعندها لن ينفع الندم . . !
تابعو الأردن 24 على google news