بعد تونس ومصر ( ليبيا تنتخب )
ظهر هذا الشعار لأول مرة في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس بعد الثورة ( تونس تنتخب ) وكان يظهر في خلفية المؤتمرات الصحفية للهيئة المشرفة على الانتخابات ، كما ظهر بنفس الصورة اثناء الانتخابات التشريعية في مصر بعد سقوط مبارك ( مصر تنتخب ) ، هذا الاسبوع رفع الشعار نفسه في ليبيا ( ليبيا تنتخب ) ، هذا العنوان لانتخابات الربيع العربي يعبر عن الثقة الشعبية بنزاهة الانتخابات بعد عقود طويلة من تزوير إرادة الشعوب ، انها انتخابات للوطن وليس للحاكم المعصوم عن الخطأ او للحزب القائد .
مرة اخرى تظهر الشعوب العربية تعطشها للكرامة والحرية وبأنها لا تختلف عن الشعوب الحرة في هذا العالم بأهليتها وجدارتها في ممارسة الديمقراطية ، وهو امر أنكرته عليها النظم الديكتاتورية التي زعمت بان شعوبها غير مؤهلة وقد تم الترويج لهذه النظرة الاستشراقية العنصرية في الأشهر الاخيرة كلما وقعت حوادث عنف في ليبيا وفي مصر ، كثيرون راهنوا على وقوع فوضى شاملة في ليبيا في يوم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لكن الشعب الليبي اثبت بانه جدير بالحرية وبنظام سياسي يحترم إنسانيته وحقوقه ودوره في المشاركة العادلة في الحياة السياسية ، وما وقع من احداث محدودة اثناء الانتخابات لا تغير من الصورة المشرقة التي سجلها الليبيون في اول ممارسة ديموقراطية لهم في التاريخ الحديث .
لقد وضع الليبيون أقدامهم على اول الطريق الصحيح وسوف تكون هناك احداث وخضات في المستقبل لكنها ستكون ضريبة التعلم والتجربة ، فالثقافة والممارسة الديمقراطية ليست قراءات لكتب روسو وتوكفيل فهذه متروكة للنخب السياسية انما هي ممارسة عملية وجزء من الحياة اليومية وكما يقول المثل لا يمكن لاحد ان يتعلم السباحة وهو خارج الماء ، حتى يسبح يلزمه النزول الى الماء . و اعادة الأمن الكامل الى ليبيا لا يكون بمواجهة الثوار ونزع سلاحهم بالقوة انما بإنجاز الخطوات الضرورية للتحول الديمقراطي وهم ( اي الثوار ) عندما يذهبون الى صناديق الاقتراع يبدأون بتعلم ان قوة الصوت الانتخابي أقوى بكثير من قوة السلاح واكثر أمنا للمجتمع ولمن يحمل هذا السلاح .
ويعود لشخصية رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل الأثر الكبير في قيادة المركب الليبي الى بر الأمان ، لقد التقيت به اثناء الثورة وقبل سقوط القذافي ،ان حلمه واتساع صدره وتواضعه الجم على النقيض تماماً من أخلاق الديكتاتور الذي يكاد وهو يمشي ان يقول يا ارض اشتدي ما عليكي قدي ، وفي مرات كثيرة تابعت لقاءات ومؤتمرات عبد الجليل الصحفية وكان يعلق على احداث العنف التي تحدث في بلاده بكل هدوء وصبر وبمشاعر وطنية وإنسانية تحرص على زرع الأمل في قلوب الليبيين بالمستقبل والقيم التي من اجلها ثاروا وقدموا عشرات الآلاف من الضحايا .
مع ذلك اتمنى ان يعتزل عبد الجليل الرئاسة عند اول انتخابات رئاسية في بلاده ، فالثورات في الربيع العربي لا راس لها ولا زعيم ، لتترك الشعوب تتعلم الاختيار في اطار التعددية البرلمانية والتناوب الرئاسي والحكومي ، لان ( مداحين القمر) من اعلاميين وسياسيين يغرون الزعماء بالانتقال الى نادي الاستبداد اذا طالت فترة حكمهم .
(الرأي)