"فرحة العمر".. أحلام غزيين سحقها العدوان
جو 24 : على بقعة صغيرة من هذا العالم الفسيح يعيش مليون ونصف إنسان حياة تفتقر لأدنى مقومات الإنسانية، محرومون من كل شيء إلا "الحلم"، يكبرون ويكبر معهم ليلة وراء ليلة، تسرح أفكارهم وتجول في خواطرهم الكثير من الأمنيات.
تحت ضوء القمر جلس "هو" يطالع النجوم، ونسمات الهواء تداعب وجهه، سرح بفكره بعيداً يفكّر بتفاصيل ليلة زفافه التي انتظرها طويلاً، أما "هي" فقد أغمضت عينيها وتركت العنان لعقلها يرسم لوحة الزفاف بريشة السعادة.
"سأقيم حفلة كبيرة أدعو لها كل أصحابي ونتناول "السماقية" سويّاً، وسأجلس وسط الشباب يزفني جدّي مردّداً "الدحية" وغيرها من الأهازيج التراثية، وسأصنع وليمة غذاء أطعم فيها كل جيراني وأقربائي، ثم سأمضي إلى لقاء رفيقة عمري"، هكذا رسم ذاك الشاب لنفسه حلم "فرحة العمر".
أما هي فقد اختارت الأبيض ليكون ثوباً لها، وانتقت كوافيرة ماهرة لتصفف لها شعرها وتضع لها زينتها. تخيّلت نفسها تسير إلى جوار "فارسها" متأبّطة ذراعه، خطواتها -من شدّة الفرح- تتسارع كمن تقفز، وقلبها يخفق بشدّة وحمرة الخجل تكسو وجهها.
ما سبق ليس بنسج من الخيال أو بكلام أدبي شاعري، بل هي مشاهد حقيقية استعد لها عشرات الشبان والفتيات في قطاع غزة في انتظارهم لـ"فرحة العمر"، قبل أن يتبخر كل شيء وتسحق أحلامهم بواقع الحياة، فلا أحلام ولا أمنيات يمكن أن تتحقق حين تواجه قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ورصاص الحقد.
فلا أحلام ولا أمنيات يمكن أن تتحقق حين تواجه قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ورصاص الحقد.
وداع الحبيب
عشرات الشبان والفتيات الفلسطينيين من سكان قطاع غزة كانوا جهزوا أنفسهم لفرحة العمر خلال الصيف، فحجزوا صالات الأفراح، ووزّعوا دعوات لموعد الزفاف، لكنهم حرموا من كل شيء ودفنت أحلامهم على يد آلة القتل والدمار الإسرائيلية.
فتلك خطيبة الشهيد عبد الرحمن الزاملي، وقفت أمام جثمان خطيبها في ثلاجة الموتى، عبراتها الحرّى تحرق وجنتيها، وقلبها ينفطر ألماً على منظر "الحبيب" المسجّى بدون حراك، في عينيها كل حزن الدنيا، مسحت وجهه بيدها، ثم سألته والدموع تحبس صوتها "أين رحلت وتركتني؟ ماذا سأفعل بأحلامنا التي رسمناها؟ وأي حياة تلك التي سأعيشها بعيدة عنك؟".
فأجابها، في رسالة كان كتبها قبل استشهاده، قائلاً "والله ما عقدتُ عليكِ لأظلمك، ولكنه قيل لي أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، وأردتك أن تكوني رفيقتي في الجنة".
والله ما عقدتُ عليكِ لأظلمك، ولكنه قيل لي أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، وأردتك أن تكوني رفيقتي في الجنة
زفاف تحت القصف
عددٌ من الشبان والفتيات اضطروا -تحت تسارع الأحداث ودمويتها وطول أمد العدوان- إلى هجرة منزل الأهل والانتقال لـ"عش الزوجية" الجديد تحت أصوات القذائف والصواريخ، وآخرون أقاموا حفل زفافهم في "مراكز الإيواء" وسط آلاف المهجّرين والمشردين من بيوتهم التي دمّرتها "غربان الظلام".
فها هي الفتاة "آمال سلامة" (25 عاماً) من شمال قطاع غزة، زفّت بصمت إلى زوجها "هيثم" في جنوب القطاع خلال فترة التهدئة.
وكتبت سلامة (25 عاماً) في منشور لها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أكيد كان حلمي حلم بسيط مثلي مثل أي بنت ألبس فستاني الأبيض، وأعزم كل حبايبي وعيلتي وجيراني والكل يشاركني فرحتي، لكن الظروف اللي مرينا فيها خلّتني أعرف إنه روح الإنسان والإحساس بالناس أهم بكثير من الفستان الأبيض والصالة، وإنه السعادة الزوجية ما فينا نرهنها بشكليات حلوة اعتدنا عليها، لهالسبب اخترت يكون زواجي بدون هالشكليات وتزوجت وإن شاء الله ربنا ببارك لي في زواجي".
وأضافت "ربنا يرحم جميع الشهداء ويعافي جميع الجرحى ويعوض المكلومين كل الخير ويعم علينا بالراحة والأمان والانتصار".
أما الفتاة "هبة فياض" فلم يخطر في بالها -حتى في أسوأ أحلامها- أن تقضي ليلة فرحها داخل فصل مدرسي في مركز إيواء مدرسة بنات بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
يقول والدها "عقدت قران ابنتي البكر بهذه الطريقة رغبة في استمرار الحياة التي لن تتوقف عند قصف بيت، أو تشريد عائلة".
وأضاف "يجب أن نفرح رغم الدمار وارتقاء الشهداء وسقوط الجرحى، رغم العسر سنذكر اليسر، ورغم الظلام سنذكر النور، ورغم الحزن سنذكر الفرح، ويجب أن تستمر الحياة بالأفراح".
أحلام بسيطة "سُحقت"، وأمنيات بغدٍ جميل مع شريك العمر "نُسفت"، وسط تجاهل وتغافل دولي، لا شيء إلا لأن الجلاد هو "إسرائيلي" ولأن الضحية "فلسطيني" يسكن في شريط ضيّق من هذا العالم الفسيح اسمه "قطاع غزة". فلسطين الان
تحت ضوء القمر جلس "هو" يطالع النجوم، ونسمات الهواء تداعب وجهه، سرح بفكره بعيداً يفكّر بتفاصيل ليلة زفافه التي انتظرها طويلاً، أما "هي" فقد أغمضت عينيها وتركت العنان لعقلها يرسم لوحة الزفاف بريشة السعادة.
"سأقيم حفلة كبيرة أدعو لها كل أصحابي ونتناول "السماقية" سويّاً، وسأجلس وسط الشباب يزفني جدّي مردّداً "الدحية" وغيرها من الأهازيج التراثية، وسأصنع وليمة غذاء أطعم فيها كل جيراني وأقربائي، ثم سأمضي إلى لقاء رفيقة عمري"، هكذا رسم ذاك الشاب لنفسه حلم "فرحة العمر".
أما هي فقد اختارت الأبيض ليكون ثوباً لها، وانتقت كوافيرة ماهرة لتصفف لها شعرها وتضع لها زينتها. تخيّلت نفسها تسير إلى جوار "فارسها" متأبّطة ذراعه، خطواتها -من شدّة الفرح- تتسارع كمن تقفز، وقلبها يخفق بشدّة وحمرة الخجل تكسو وجهها.
ما سبق ليس بنسج من الخيال أو بكلام أدبي شاعري، بل هي مشاهد حقيقية استعد لها عشرات الشبان والفتيات في قطاع غزة في انتظارهم لـ"فرحة العمر"، قبل أن يتبخر كل شيء وتسحق أحلامهم بواقع الحياة، فلا أحلام ولا أمنيات يمكن أن تتحقق حين تواجه قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ورصاص الحقد.
فلا أحلام ولا أمنيات يمكن أن تتحقق حين تواجه قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ورصاص الحقد.
وداع الحبيب
عشرات الشبان والفتيات الفلسطينيين من سكان قطاع غزة كانوا جهزوا أنفسهم لفرحة العمر خلال الصيف، فحجزوا صالات الأفراح، ووزّعوا دعوات لموعد الزفاف، لكنهم حرموا من كل شيء ودفنت أحلامهم على يد آلة القتل والدمار الإسرائيلية.
فتلك خطيبة الشهيد عبد الرحمن الزاملي، وقفت أمام جثمان خطيبها في ثلاجة الموتى، عبراتها الحرّى تحرق وجنتيها، وقلبها ينفطر ألماً على منظر "الحبيب" المسجّى بدون حراك، في عينيها كل حزن الدنيا، مسحت وجهه بيدها، ثم سألته والدموع تحبس صوتها "أين رحلت وتركتني؟ ماذا سأفعل بأحلامنا التي رسمناها؟ وأي حياة تلك التي سأعيشها بعيدة عنك؟".
فأجابها، في رسالة كان كتبها قبل استشهاده، قائلاً "والله ما عقدتُ عليكِ لأظلمك، ولكنه قيل لي أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، وأردتك أن تكوني رفيقتي في الجنة".
والله ما عقدتُ عليكِ لأظلمك، ولكنه قيل لي أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، وأردتك أن تكوني رفيقتي في الجنة
زفاف تحت القصف
عددٌ من الشبان والفتيات اضطروا -تحت تسارع الأحداث ودمويتها وطول أمد العدوان- إلى هجرة منزل الأهل والانتقال لـ"عش الزوجية" الجديد تحت أصوات القذائف والصواريخ، وآخرون أقاموا حفل زفافهم في "مراكز الإيواء" وسط آلاف المهجّرين والمشردين من بيوتهم التي دمّرتها "غربان الظلام".
فها هي الفتاة "آمال سلامة" (25 عاماً) من شمال قطاع غزة، زفّت بصمت إلى زوجها "هيثم" في جنوب القطاع خلال فترة التهدئة.
وكتبت سلامة (25 عاماً) في منشور لها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أكيد كان حلمي حلم بسيط مثلي مثل أي بنت ألبس فستاني الأبيض، وأعزم كل حبايبي وعيلتي وجيراني والكل يشاركني فرحتي، لكن الظروف اللي مرينا فيها خلّتني أعرف إنه روح الإنسان والإحساس بالناس أهم بكثير من الفستان الأبيض والصالة، وإنه السعادة الزوجية ما فينا نرهنها بشكليات حلوة اعتدنا عليها، لهالسبب اخترت يكون زواجي بدون هالشكليات وتزوجت وإن شاء الله ربنا ببارك لي في زواجي".
وأضافت "ربنا يرحم جميع الشهداء ويعافي جميع الجرحى ويعوض المكلومين كل الخير ويعم علينا بالراحة والأمان والانتصار".
أما الفتاة "هبة فياض" فلم يخطر في بالها -حتى في أسوأ أحلامها- أن تقضي ليلة فرحها داخل فصل مدرسي في مركز إيواء مدرسة بنات بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
يقول والدها "عقدت قران ابنتي البكر بهذه الطريقة رغبة في استمرار الحياة التي لن تتوقف عند قصف بيت، أو تشريد عائلة".
وأضاف "يجب أن نفرح رغم الدمار وارتقاء الشهداء وسقوط الجرحى، رغم العسر سنذكر اليسر، ورغم الظلام سنذكر النور، ورغم الحزن سنذكر الفرح، ويجب أن تستمر الحياة بالأفراح".
أحلام بسيطة "سُحقت"، وأمنيات بغدٍ جميل مع شريك العمر "نُسفت"، وسط تجاهل وتغافل دولي، لا شيء إلا لأن الجلاد هو "إسرائيلي" ولأن الضحية "فلسطيني" يسكن في شريط ضيّق من هذا العالم الفسيح اسمه "قطاع غزة". فلسطين الان