كيف ننقذ الانتخابات؟!
رغم أنّ مشروع قانون الانتخاب المعدّل قطع ثلثي الطريق (مرّة أخرى) بعد إقرار مجلس الأعيان له، إلاّ أنّ أوساط النخبة السياسية لا تُسلِّم بعد بسيناريو إجراء الانتخابات القادمة وفق المواعيد المقرّرة، على هذا القانون!.
الأسباب، التي تدفع إلى التشكيك بهذا السيناريو، هي ذاتها التي سبقت التوقعات بتعديل القانون في المرّة السابقة، بل ترتفع وتيرتها وتزداد قوتها وحجيّتها الآن، مع إعلان جماعة الإخوان المسلمين المقاطعة، مع الجبهة الوطنية للإصلاح، وقوى الحراك الشعبي والسياسي، وانتقاد الجبهة الأردنية الموحدة بقيادة أمجد المجالي له.
ذلك يتزامن مع عودة الزخم الشعبي إلى الشارع في الجمعة الماضية غداة إقرار الأعيان للقانون، مع استقرار "السقف المرتفع للهتافات"، وصعود لغة التصريحات الرافضة للقانون من قيادات سياسية، بوزن د. عون خصاونة وأحمد عبيدات.
ولعلّ أكثر ما جذب اهتمام المراقبين خلال الأسبوع الماضي موقف طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان، ورجل الإصلاح في النظام اليوم، إذ غاب عن جلسات مجلس الأعيان التي أقرّت القانون، بداعي السفر للعلاج، مع أنه كان خلال الأيام الماضية في البلاد، بينما تتداول الأوساط السياسية أخباراً عن حجم الاختلاف بينه وبين رئيس الحكومة حول القانون.
ينضم عامل آخر إلى جملة العوامل الأخرى، التي تدفع إلى التشكيك بنجاح "قانون الطراونة"، وهو انتقاد الديبلوماسيين الغربيين، وسفارات كبرى، بوضوح إصرار الطراونة على هذا القانون الذي سيعيد تكرار سيناريو انتخابات 2010، في أحسن الأحوال، إذ تبدو الظروف الراهنة أكثر صعوبة وحساسية من تلك المرحلة.
هذه "القراءة" دفعت بالأوساط السياسية لاجتراح سيناريوهات بديلة متوقعة، في مقدمتها تأجيل الانتخابات، وهو سيناريو مستبعد، لأنه يحمل في طياته تشكيكاً جوهرياً في مصداقية الوعود الرسمية الجازمة بانتخابات في آخر العام، ولا يمثّل حلاًّ، وإنما هروب إلى أمام من استحقاق مواجهة التعنت الرسمي في "الصوت الواحد".
السيناريو الآخر، هو تكرار لما حدث مؤخراً، برد قانون الانتخاب المعدّل إلى مجلس الأمة، وإدراجه على الدورة الاستثنائية القادمة، لاستبدال الصوت الواحد بالصوتين، وهو ما يمكن أن يكسر مناخ المقاطعة المتنامي الحالي. لكن يبدو أن هذا السيناريو مزعج! إذ يمحو تماماً المساحة التي تحتلها المؤسسة التشريعية، ويكشف بسفور عن حجم تبعيتها (ظاهراً وباطناً) للسلطة التنفيذية، إلاّ أنّه ما يزال السيناريو الأسهل دستورياً وسياسياً!
السيناريو الأخير هو رحيل الحكومة الحالية، وحل البرلمان، وإصدار قانون انتخابات معدّل يحل الصوتين على مستوى المحافظة محل الصوت، بالإضافة إلى القائمة الوطنية (27 مقعداً)، وهو سيناريو يستبطن انتصاراً نوعياً لتيار الإصلاح وهزيمة للحرس القديم وأنصاره بضربة قاسية!
يُطلق على هذا السيناريو في أوساط النخبة (الخطة ب)، ويقف في وجهه التعديلات الدستورية، التي تحدد صلاحيات السلطة التنفيذية في إصدار القوانين المؤقتة. غير أنّ صديقنا مبارك أبو يامين، النائب السابق والمتخصص في القانون، قدّم فتوى دستورية بجواز ذلك، استناداً إلى المادة 124 (حالة الطوارئ)، وهي مرحلة ما قبل "إعلان الأحكام العرفية" (مادة 125).
سألت الخبير القانوني سفيان عبيدات، عن "تماسك" منطق هذه الفتوى، فأجابني أنّ هنالك بالضرورة محاذير في التعامل مع هذه المادة، وستجد من يختلف معها، لكن في ظل الظرف الاستثنائي الحالي (تمرير قوانين إصلاحية مع مجلس معارض للإصلاح)، فإنّ التفكير السياسي لا بد أن يتم إعماله في "النصوص الدستورية" للخروج من المأزق الراهن.
مهما كان الجدل في دستورية مثل هذا السيناريو؛ فإنّه بالتأكيد سيقابل بترحيب شعبي كبير، طالما أنّ الهدف هو الإصلاح وإنهاء الصوت الواحد، الذي أصبح رحيله محكّاً أساسياً في "مصداقية" الدولة في الإصلاح!