العرب المسيحيون.. الطائفية والمذهبية والفخ الداعشي
د. لبيب قمحاوي
جو 24 : إذا كان العرب هم قلب الاسلام، فإن المسيحيين العرب هم رئة العرب الثقافية ونافذتهم على العالم وهم اليد التي إمتدت لتغرف من حضارات العالم المختلفة لتعيد بناء الحضارة العربية الحديثة. إن الماضي المشرق للاسلام السمح المتسامح العادل يتعرض الآن للتشويه والاغتيال على يد بعض التنظيمات المارقة التي تدعي الانتساب للاسلام والتي تضرب مثالاً على القسوة والدموية والارهاب وظلم ذوي القربى بشكل لم يشهده الاسلام والمسلمون طوال قرون مضت.
التاريخ لا يكذب بينما البشر يكذبون ويزيفون التاريخ بالطريقة التي تناسبهم. التاريخ يؤكد أن العرب المسيحيين هم أساس العرب والعروبة. والآية الكريمة "إنا أنزلناه قرآناً عربياً" تأتي لتؤكد أن العروبة سبقت الاسلام. فالعالم العربي كما نعرفه حالياً هو في أصوله أوطان مسيحية، والمسيحية انطلقت من فلسطين حيث ولد السيد المسيح وعاش. والعرب المسيحيون بذلك ليسوا دخلاء على المنطقة العربية. الاسلام فتح أراضي بلاد الشام المسيحية، ومصر المسيحية وفلسطين المسيحية والعراق المسيحية. ولم يقطع أحد رأس أحد لأنه مسيحياً أو مسلمـاً. وعمر بن الخطاب عندما دخل القدس رفض الصلاة في الكنيسة بل صلى بجانبها خوفاً من أن تتحول تلك الكنيسة إلى جامع. هذا هو الاسلام الحقيقي، فمن أين جاءت داعش وأمثالها بالسيرة الدموية للاسلام؟ ومن يجرؤ على تزوير التاريخ من خلال اعتبار العرب المسيحيين حالة طارئة في المنطقة في حين أنهم هم الأصل. إن محاولة إعادة التاريخ إلى الوراء بهدف إعادة كتابته قد تصطدم بالواقع لتتحول إلى إعصار مدمر لا فائدة ترجى منه سوى الخراب والدمار.
عند الحديث عن داعش والمخططات الخفية المرسومة للمنطقة فإن الشيطان لا يكمن في التفاصيل فقط لأنه على ما يبدو في كل شيء وفي كل مكان. هو في ضمير المستتر وهو أيضاً الهدف الخفي وراء كل هدف مُعلن. الشيء المحزن الذي تعاني منه المنطقة العربية الآن أن الأدوات والتمويل والتدريب اللازمين لتنفيذ كل تلك المخططات الشيطانية يتم بشكل أساسي بأيدٍ عربية سواء طوعاً في حالة الأنظمة الحاكمة أو بالخديعة أو الاكراه في حالة الشعوب.
ما يجري الآن للعرب المسلمين والعرب المسيحيين من ترهيب وتخويف وقتل وتهجير وترحيل طوعي أو قسري أمر يأتي في سياق ماهو مخطط للمنطقة. إن تفريغ الوطن العربي من مواطنيه المسيحيين يصب في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أسس غير وطنية بل طائفية ومذهبية. فخطر داعش وما يماثلها من تنظيمات اسلامية أصوليه على العرب المسلمين يوازي خطرهم على العرب المسيحيين، إن لم يَفـُقـْه بمراحل.
الأصولية تهدف إلى ارجاع البشر إلى الوراء وهذا لا يمكن. والظروف التي سادت العالم قبل أربعة عشر قرناً لم تعد قائمة الآن. أما إذا كان الهدف اطلاق مثل هذه الشعارات للوصول إلى أهـداف أخرى خفية واستعمال الدين بشكله الباطني العنيف كأداة للوصول إلى ذلـك، فـإن هذا ممكن الحدوث. إن السلوك الدموي والأجرامي لا يستهدف العرب المسيحيين فقط بل يمتد ليشمل العرب المسلمين اللذين يرفضوا فكر ومسار ودموية داعش ومثيلاتها من التنظيمات الاسلامية المارقة.
ولكن لماذا يتم إستهداف العرب المسيحيين من قبل تنظيم إسلامي مثل داعش؟ لا بد وأن يكون هنالك أسباب لذلك .
الأسباب الحقيقية وراء خلق تنظيم "داعش" وتدريب منتسبيه الأوائل وتمكينه بسرعة غير مسبوقه من الاستيلاء على الأسلحة والأموال وتسهيل احتلاله لأراض ٍ واسعه في كل من العراق وسوريا كان يهدف إلى تمهيد الأرضية لإعادة تشكيل المنطقة ورسم حدود جديدة لدول جديدة تحل محل الدول القائمة . هذا الأمر كان يتطلب خلق قواسم مشتركة جديده تربط بين الناس وتستعمل كأساس لأعادة تشكيل الأوطان .
من المعروف أن العروبة هي في النهاية فكرة جامعة. وبغض النظر عن ما جرى من مآسي على يد الدول الوطنية والأحزاب القومية واليسارية والدينية التي حكمت، فإن الناس إستمروا في التصرف بشكل مستمر وعفوي باعتبارهم عرباً. وحتى الأداب والفنون والغناء يفهمها جميع العرب ويطربوا لها بغض النظر عن هويتم الوطنية أو الدينية أو المذهبية. إذ لا يوجد هنالك طرب أو غناء عربي اسلامي أو طرب أو غناء عربي مسيحي. كما لا يوجد طرب سني أو طرب شيعي. فأم كلثوم أو عبد الوهاب أو فيروز مثلاً يغنوا للجميع لأن الجميع عرباً قبل أن يكونوا أي شئ آخر. كما لا يوجد قرآن سنى وقرآن شيعي بل قرآناً عربياً واحداً لجميع المسلمين. اذا كان هذا هو واقع الحال، فما هو الشئ الذي يبرر خروج عفريت الطائفية والمذهبية من قمقمه؟
باستئناء لبنان، لم تكن الطائفية أو المذهبية أساساً للنظام السياسي أو للصراع السياسي في العالم العربي الحديث. ومع ذلك فإن الانتماء الوطني اللبناني كان دائماً جامعاً لكل الأطراف بالرغم من الخلافات الطائفية والمذهبية باستثناء التطورات التي أعقبت نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي.
إن ما يجري الآن في العالم العربي يهدف إلى تغيير أسس الصراع في المنطقة من صراع سياسي وطني كما هو الحال في صراعنا مع اسرائيل وتحويله إلى صراع طائفي ومن ثم مذهبي. والهدف بالطبع هو اخراج اسرائيل من دائرة الصراع من جهة وإلغاء الأنتماء الوطني والقومي وتحويله إلى إنتماء طائفي ومذهبي من جهة أخرى. وهذا الهدف لا ينسجم والأنتماء الطائفي للعرب المسيحيين. فالمشروع الخفي لا يشمل إنشاء دولة مسيحية بل يركز على تحويل الدول العربية المعنية إلى مجموعة من الدول الصغيرة المذهبية.
إن النقاء المذهبي سوف يكون أساس التقسيم المقبل لدول المنطقة. وهكذا يصبح الموضوع الطائفي بالتالي أمراً غير مطلوب بل ويشكل عثرة فيما هو مخطط للمنطقة.
وهكذا، فإن الأولوية هي لمذهبية الصراع كونه الطريق الأمثل لاعادة تقسيم المنطقة. ووجود واضح للعرب المسيحيين في هذه الدولة أو تلك سوف يخل بالميزان المذهبي ويُبقى الصيغة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين هي السائدة طبقاً لمنظور القوى التي تقف خلف داعش، في حين أن المطلوب لخدمة أهداف مخطط تقسيم المنطقة هو وجود الخلاف المذهبي بين أبناء الطائفة الواحدة حصراً.
وفي هذا السياق، فإن النقاء المذهبي للدول الجديدة التي سترث دول سايكس- بيكو ودول عربية أخرى، يتطلب تركيز تلك الأغلبيات المذهبية في مناطق وجودها أصلاً وتنقيتها من الطوائف الأخرى من خلال اما التهجير القسري أو تبادل السكان أو الغزو العسكري.
إن المشكلة ليست بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، ولكنها بين العرب المسيحيين والمسلمين من جهة وداعش وأمثالها من المنظمات المارقة من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يجب أن يكون واضحاً أن الهدف من الدموية والاجرام والقتل ليس العرب المسيحيين حصراً بل العرب المسلمين كذلك. وما يحصل للعرب المسيحيين الأن يشابه ماحصل للفلسطينيين في مذبحة دير ياسين عام 1948 وهو التخويف والتهجير من خلال الذبح والقتل والأرهاب إلى الحد الذي أرغم البشر الخائفة على الهرب وترك أوطانها .
الحديث في موضوع العرب المسيحيين باعتبارهم مسيحيين وليسوا عرباً هو أمر يدمي قلب الأمة ويعكس حالة الانهيار الذي وصلنا إليه و البؤس وانعدام الخلق الذي نعيشه. المسيحي العربي هو عربي أولاً تماماً كما أن المسلم العربي هو عربي أولاً. والمعارك الدائرة الآن بتخطيط أمريكا وتنفيذ داعش هي بالضبط ضد هذا المفهوم. فالداعشيه الأمريكية لا تريد عرباً بل مسلمين ومسيحيين، ولا تريد مسلمين بل سنيين وشيعيين، وهكذا إلى يتم تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية صغيرة.
إن هذه الرؤيا لا تتطلب تقسيماً طائفياً لأن ذلك سيجعل من المسلمين بمذاهبهم المختلفة وحدة واحدة. ومن هنا كان من الضروري اخراج العرب المسيحيين من المعادلة حتى يتم اختزال كل العرب المسلمين إلى مذاهبهم الصغيره ومن تم ترجمتها بدول صغيره .
هنالك حالة من الخوف المشروع بين أوساط إخوتنا من المواطنين العرب المسيحيين على مستقبلهم في المنطقة بعد أن شاهدوا الاجرام والظلم الداعشي ضد العرب المسلمين والعرب المسيحيين والزوار الأجانب خصوصاً في العراق المرشح الأول للتقسيم والمرشح الأول لخسارة المكون المسيحي في مجتمعه والذي ساهم مساهمة فعـﱠالة في بناء العراق الحديث.
والعرب المسيحيين في تخوفاتهم وتساؤلاتهم تلك ينطلقوا من المجهول الذي أخذ يعصف بالمنطقة إلى الحد الذي أفقد الجميع الرؤيا. واستفحل هذا الخوف إلى الحد الذي بدأ فيه البعض ببيع موجوداتهم بصمت وهدوء خوفاً من الأمتداد الداعشي وأن يحصل لهم ما حصل لأخوتنا العرب المسيحيين في العراق.
وفـي ظل هذا الوضع البائس ، ما العمل هنالك الكثير مما يمكن عمله ، ولكن الأهم هو الأنتباه إلى ثلاث نقاط تشكل الأساس والمرتكز لأي جهد يهدف إلى وضع حد لهذا المنزلق الذي يسير فيه العرب الآن سواء عن وعي أو بدون وعي :-
أولاً: على جميع العرب ، مسلمين ومسيحيين، التوقف عن اعتبار داعش ومثيلاتها كمشكلة اسلامية تهم العرب المسلمين أو تتعلق بهم فقط. فالموضوع وطني وليس ديني. وداعش ومَنْ وراءَها يستعملون الدين كغطاء ووسيلة لتدمير الوطن. ومن هنا فإن المشكلة ليست دينية بل سياسية ووطنية مما يستوجب من جميع المواطنين التصدى لها بغض النظر عن انتماءهم الديني.
ثانياً: على جميع العرب المسيحيين أن يخلعوا ثوب الخوف والرهبة ، والتوقف عن النظر إلى أنفسهم كأقلية في وطنهم ومجتمعهم . فهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
ثالثاً: على كافة المواطنين، مسلمين ومسيحيين، التعاون في التصدى لتلك التنظيمات المارقة واتباع كل السبل ودعم كل الجهود التي تهدف إلى وضع حد لتلك التنظيمات. وعليهم العمل على تهدئة النفوس والأبتعاد عن الخوف وتخويف بعضهم البعض.
الاستسلام للخوف سوف يؤدي إلى ضياع الوطن. وقهر الخوف الناتج عن الارهاب الدموي هو نصف النصر. وباقي النصر يأتي بأن نعمل جميعاً من منطلق أن "الدين لله والوطن للجميع".
* مفكر ومحلل سياسي
التاريخ لا يكذب بينما البشر يكذبون ويزيفون التاريخ بالطريقة التي تناسبهم. التاريخ يؤكد أن العرب المسيحيين هم أساس العرب والعروبة. والآية الكريمة "إنا أنزلناه قرآناً عربياً" تأتي لتؤكد أن العروبة سبقت الاسلام. فالعالم العربي كما نعرفه حالياً هو في أصوله أوطان مسيحية، والمسيحية انطلقت من فلسطين حيث ولد السيد المسيح وعاش. والعرب المسيحيون بذلك ليسوا دخلاء على المنطقة العربية. الاسلام فتح أراضي بلاد الشام المسيحية، ومصر المسيحية وفلسطين المسيحية والعراق المسيحية. ولم يقطع أحد رأس أحد لأنه مسيحياً أو مسلمـاً. وعمر بن الخطاب عندما دخل القدس رفض الصلاة في الكنيسة بل صلى بجانبها خوفاً من أن تتحول تلك الكنيسة إلى جامع. هذا هو الاسلام الحقيقي، فمن أين جاءت داعش وأمثالها بالسيرة الدموية للاسلام؟ ومن يجرؤ على تزوير التاريخ من خلال اعتبار العرب المسيحيين حالة طارئة في المنطقة في حين أنهم هم الأصل. إن محاولة إعادة التاريخ إلى الوراء بهدف إعادة كتابته قد تصطدم بالواقع لتتحول إلى إعصار مدمر لا فائدة ترجى منه سوى الخراب والدمار.
عند الحديث عن داعش والمخططات الخفية المرسومة للمنطقة فإن الشيطان لا يكمن في التفاصيل فقط لأنه على ما يبدو في كل شيء وفي كل مكان. هو في ضمير المستتر وهو أيضاً الهدف الخفي وراء كل هدف مُعلن. الشيء المحزن الذي تعاني منه المنطقة العربية الآن أن الأدوات والتمويل والتدريب اللازمين لتنفيذ كل تلك المخططات الشيطانية يتم بشكل أساسي بأيدٍ عربية سواء طوعاً في حالة الأنظمة الحاكمة أو بالخديعة أو الاكراه في حالة الشعوب.
ما يجري الآن للعرب المسلمين والعرب المسيحيين من ترهيب وتخويف وقتل وتهجير وترحيل طوعي أو قسري أمر يأتي في سياق ماهو مخطط للمنطقة. إن تفريغ الوطن العربي من مواطنيه المسيحيين يصب في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أسس غير وطنية بل طائفية ومذهبية. فخطر داعش وما يماثلها من تنظيمات اسلامية أصوليه على العرب المسلمين يوازي خطرهم على العرب المسيحيين، إن لم يَفـُقـْه بمراحل.
الأصولية تهدف إلى ارجاع البشر إلى الوراء وهذا لا يمكن. والظروف التي سادت العالم قبل أربعة عشر قرناً لم تعد قائمة الآن. أما إذا كان الهدف اطلاق مثل هذه الشعارات للوصول إلى أهـداف أخرى خفية واستعمال الدين بشكله الباطني العنيف كأداة للوصول إلى ذلـك، فـإن هذا ممكن الحدوث. إن السلوك الدموي والأجرامي لا يستهدف العرب المسيحيين فقط بل يمتد ليشمل العرب المسلمين اللذين يرفضوا فكر ومسار ودموية داعش ومثيلاتها من التنظيمات الاسلامية المارقة.
ولكن لماذا يتم إستهداف العرب المسيحيين من قبل تنظيم إسلامي مثل داعش؟ لا بد وأن يكون هنالك أسباب لذلك .
الأسباب الحقيقية وراء خلق تنظيم "داعش" وتدريب منتسبيه الأوائل وتمكينه بسرعة غير مسبوقه من الاستيلاء على الأسلحة والأموال وتسهيل احتلاله لأراض ٍ واسعه في كل من العراق وسوريا كان يهدف إلى تمهيد الأرضية لإعادة تشكيل المنطقة ورسم حدود جديدة لدول جديدة تحل محل الدول القائمة . هذا الأمر كان يتطلب خلق قواسم مشتركة جديده تربط بين الناس وتستعمل كأساس لأعادة تشكيل الأوطان .
من المعروف أن العروبة هي في النهاية فكرة جامعة. وبغض النظر عن ما جرى من مآسي على يد الدول الوطنية والأحزاب القومية واليسارية والدينية التي حكمت، فإن الناس إستمروا في التصرف بشكل مستمر وعفوي باعتبارهم عرباً. وحتى الأداب والفنون والغناء يفهمها جميع العرب ويطربوا لها بغض النظر عن هويتم الوطنية أو الدينية أو المذهبية. إذ لا يوجد هنالك طرب أو غناء عربي اسلامي أو طرب أو غناء عربي مسيحي. كما لا يوجد طرب سني أو طرب شيعي. فأم كلثوم أو عبد الوهاب أو فيروز مثلاً يغنوا للجميع لأن الجميع عرباً قبل أن يكونوا أي شئ آخر. كما لا يوجد قرآن سنى وقرآن شيعي بل قرآناً عربياً واحداً لجميع المسلمين. اذا كان هذا هو واقع الحال، فما هو الشئ الذي يبرر خروج عفريت الطائفية والمذهبية من قمقمه؟
باستئناء لبنان، لم تكن الطائفية أو المذهبية أساساً للنظام السياسي أو للصراع السياسي في العالم العربي الحديث. ومع ذلك فإن الانتماء الوطني اللبناني كان دائماً جامعاً لكل الأطراف بالرغم من الخلافات الطائفية والمذهبية باستثناء التطورات التي أعقبت نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي.
إن ما يجري الآن في العالم العربي يهدف إلى تغيير أسس الصراع في المنطقة من صراع سياسي وطني كما هو الحال في صراعنا مع اسرائيل وتحويله إلى صراع طائفي ومن ثم مذهبي. والهدف بالطبع هو اخراج اسرائيل من دائرة الصراع من جهة وإلغاء الأنتماء الوطني والقومي وتحويله إلى إنتماء طائفي ومذهبي من جهة أخرى. وهذا الهدف لا ينسجم والأنتماء الطائفي للعرب المسيحيين. فالمشروع الخفي لا يشمل إنشاء دولة مسيحية بل يركز على تحويل الدول العربية المعنية إلى مجموعة من الدول الصغيرة المذهبية.
إن النقاء المذهبي سوف يكون أساس التقسيم المقبل لدول المنطقة. وهكذا يصبح الموضوع الطائفي بالتالي أمراً غير مطلوب بل ويشكل عثرة فيما هو مخطط للمنطقة.
وهكذا، فإن الأولوية هي لمذهبية الصراع كونه الطريق الأمثل لاعادة تقسيم المنطقة. ووجود واضح للعرب المسيحيين في هذه الدولة أو تلك سوف يخل بالميزان المذهبي ويُبقى الصيغة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين هي السائدة طبقاً لمنظور القوى التي تقف خلف داعش، في حين أن المطلوب لخدمة أهداف مخطط تقسيم المنطقة هو وجود الخلاف المذهبي بين أبناء الطائفة الواحدة حصراً.
وفي هذا السياق، فإن النقاء المذهبي للدول الجديدة التي سترث دول سايكس- بيكو ودول عربية أخرى، يتطلب تركيز تلك الأغلبيات المذهبية في مناطق وجودها أصلاً وتنقيتها من الطوائف الأخرى من خلال اما التهجير القسري أو تبادل السكان أو الغزو العسكري.
إن المشكلة ليست بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، ولكنها بين العرب المسيحيين والمسلمين من جهة وداعش وأمثالها من المنظمات المارقة من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يجب أن يكون واضحاً أن الهدف من الدموية والاجرام والقتل ليس العرب المسيحيين حصراً بل العرب المسلمين كذلك. وما يحصل للعرب المسيحيين الأن يشابه ماحصل للفلسطينيين في مذبحة دير ياسين عام 1948 وهو التخويف والتهجير من خلال الذبح والقتل والأرهاب إلى الحد الذي أرغم البشر الخائفة على الهرب وترك أوطانها .
الحديث في موضوع العرب المسيحيين باعتبارهم مسيحيين وليسوا عرباً هو أمر يدمي قلب الأمة ويعكس حالة الانهيار الذي وصلنا إليه و البؤس وانعدام الخلق الذي نعيشه. المسيحي العربي هو عربي أولاً تماماً كما أن المسلم العربي هو عربي أولاً. والمعارك الدائرة الآن بتخطيط أمريكا وتنفيذ داعش هي بالضبط ضد هذا المفهوم. فالداعشيه الأمريكية لا تريد عرباً بل مسلمين ومسيحيين، ولا تريد مسلمين بل سنيين وشيعيين، وهكذا إلى يتم تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية صغيرة.
إن هذه الرؤيا لا تتطلب تقسيماً طائفياً لأن ذلك سيجعل من المسلمين بمذاهبهم المختلفة وحدة واحدة. ومن هنا كان من الضروري اخراج العرب المسيحيين من المعادلة حتى يتم اختزال كل العرب المسلمين إلى مذاهبهم الصغيره ومن تم ترجمتها بدول صغيره .
هنالك حالة من الخوف المشروع بين أوساط إخوتنا من المواطنين العرب المسيحيين على مستقبلهم في المنطقة بعد أن شاهدوا الاجرام والظلم الداعشي ضد العرب المسلمين والعرب المسيحيين والزوار الأجانب خصوصاً في العراق المرشح الأول للتقسيم والمرشح الأول لخسارة المكون المسيحي في مجتمعه والذي ساهم مساهمة فعـﱠالة في بناء العراق الحديث.
والعرب المسيحيين في تخوفاتهم وتساؤلاتهم تلك ينطلقوا من المجهول الذي أخذ يعصف بالمنطقة إلى الحد الذي أفقد الجميع الرؤيا. واستفحل هذا الخوف إلى الحد الذي بدأ فيه البعض ببيع موجوداتهم بصمت وهدوء خوفاً من الأمتداد الداعشي وأن يحصل لهم ما حصل لأخوتنا العرب المسيحيين في العراق.
وفـي ظل هذا الوضع البائس ، ما العمل هنالك الكثير مما يمكن عمله ، ولكن الأهم هو الأنتباه إلى ثلاث نقاط تشكل الأساس والمرتكز لأي جهد يهدف إلى وضع حد لهذا المنزلق الذي يسير فيه العرب الآن سواء عن وعي أو بدون وعي :-
أولاً: على جميع العرب ، مسلمين ومسيحيين، التوقف عن اعتبار داعش ومثيلاتها كمشكلة اسلامية تهم العرب المسلمين أو تتعلق بهم فقط. فالموضوع وطني وليس ديني. وداعش ومَنْ وراءَها يستعملون الدين كغطاء ووسيلة لتدمير الوطن. ومن هنا فإن المشكلة ليست دينية بل سياسية ووطنية مما يستوجب من جميع المواطنين التصدى لها بغض النظر عن انتماءهم الديني.
ثانياً: على جميع العرب المسيحيين أن يخلعوا ثوب الخوف والرهبة ، والتوقف عن النظر إلى أنفسهم كأقلية في وطنهم ومجتمعهم . فهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
ثالثاً: على كافة المواطنين، مسلمين ومسيحيين، التعاون في التصدى لتلك التنظيمات المارقة واتباع كل السبل ودعم كل الجهود التي تهدف إلى وضع حد لتلك التنظيمات. وعليهم العمل على تهدئة النفوس والأبتعاد عن الخوف وتخويف بعضهم البعض.
الاستسلام للخوف سوف يؤدي إلى ضياع الوطن. وقهر الخوف الناتج عن الارهاب الدموي هو نصف النصر. وباقي النصر يأتي بأن نعمل جميعاً من منطلق أن "الدين لله والوطن للجميع".
* مفكر ومحلل سياسي