طاهر المصري بين طائرتين
لا تجد مثل هذا المشهد في حياتك، اذ ان غالبية المسؤولين يتوارون عن الانظار، ولا يردون على الهواتف، امام قصة قانون الانتخاب وهل سيمر بصيغته الجديدة المعدلة، ام سيعاد مجددا الى مجلس النواب لتعديل اخر؟!.
لان الصورة غير واضحة لدى البعض، فان هؤلاء فضلوا الابتعاد حتى يتم حسم الصورة النهائية، فلا يتورطون في موقف هنا او هناك، وهكذا يشترك المواطن والمسؤول، كلاهما ولاول مرة، في عدم القدرة على قراءة المستقبل، والانتظار فقط، حتى نهاية الاسبوع ومطلع رمضان.
هذا تخبط عز نظيره، والاشاعات تنهمر على عمان كالمطر، بأن قانون الانتخاب قد يتم تعديله مجدداً، والدليل وفقا لما يقولون ان الارادة الملكية لم تصدر حتى الان لتوشيح التعديل الذي جرى، على الرغم من ان التأخير يأتي لاسباب فنية، فقد خرج القانون من مجلس الاعيان ظهر الاحد باتجاه الحكومة التي بحاجة الى يومين، حتى ترسله الى الديوان الملكي، للبت فيه، وعندها سنرى هل سيتم تعديل القانون مجددا ام سيبقى كما هو؟!.
في قصة المسؤولين، باتت لدينا مؤشرات مثيرة، وعلى سبيل المثال فان طاهر المصري رئيس مجلس الاعيان، كان في عمان ولم يحضر جلسة الاعيان التي كان مقررا عبرها اقرار زيادة عشرة مقاعد على القائمة الوطنية، ولانه غير راض؛ فقد تسرب انه مسافر، على الرغم من وجوده في البلد فعليا يومها، ولم يكن مسافرا، واغلاقه ايضا لهواتفه، فلا تفهم كيف يكون معترضا، وهو ذاته اقر القانون بصيغته الاولى، اي الصيغة الاكثر سوءا، فيأتي الاعتراض بشكل مفاجئ، بعد زيادة المقاعد؟!.
عاد المصري وسافر الى بريطانيا، وهو اليوم غير موجود في عمان، وانت تسأل نفسك هل بات كبار المسؤولين بحاجة الى ارسال الرسائل لمطبخ الدولة على طريقة الحمام الزاجل، اي عبر رسائل الاعتراض المبطن، خصوصا، انه من المفترض ان لهؤلاء قنوات اتصال مباشرة مع مركز القرار، وبامكانهم عبرها التعبير عن رأيهم السلبي ازاء اي قضية، ام انهم يتحدثون فلا احد يستمع اليهم، وهذا ترجيح اخر، له قوته.
في قصة مثل قصة طاهر المصري فان الاعتراض قد لا يكون على ان المقاعد زيدت، لكن على شكل ادارة الموقف برمته، وعدم اكتمال الغاية من التعديل، الذي له كلفة محسوبة على المؤسسة العامة، ولربما كان يريد الرجل تعديلات اوسع، بدلا مما جرى.
كل عمان تتحدث اليوم تارة عن تأجيل الانتخابات النيابية، وتارة عن رد جديد للقانون، وتعديله، فتسأل ايضا: ألم يكن متوقعا بشكل مسبق ان يجري الاحتجاج على الابقاء على الصوت الواحد وزيادة عشرة مقاعد فقط، والذين صاغوا التعديل ضمن هذا الحد كانوا يعرفون مسبقا ان الضجة ستقوم لاحقا، ولهذا يصير السؤال منطقيا حول جدوى التفاصيل امام الاستنتاج الاخطر الذي يقول لك ان لا رؤية واضحة، لما يريده البلد بعد مرور عام ونصف على حكايات الاصلاح، والتعديل مجددا قد لا يعني مرونة وتجاوبا، بقدر ما يعني تخبطا وترددا وادارة يومية للبلد.
الاسئلة ليس لها نهاية، ونتحدى ان كان احد يعرف الاجابات النهائية عما هو مقبل وآت، فيصير الاستبصار السياسي على طريقة قارئة الفنجان، حلا وحيدا في ظل التناقضات، واختباء الجميع ايضا، في ظلال المشهد.
(الدستور)