jo24_banner
jo24_banner

"حربنا الداخلية" الطاحنة!

محمد أبو رمان
جو 24 :

نحو 140 شخصاً هاجموا المفاعل النووي البحثي (يعني لأغراض علمية لأبنائنا) في جامعة العلوم والتكنولوجيا، واقتحموه، ومحوه بالكامل، بعد أن دمّروا محتوياته كافة، وأحرقوا أوراقه! يتزامن ذلك مع قيام عشرات من الطلبة الملثمين بإحراق مرافق جامعة مؤتة، وكأنّنا فقدنا تماماً توازننا الأخلاقي والروحي، ونعاقب أنفسنا بتدمير ممتلكاتنا، ومستقبلنا!
كيف نقرأ دلالة ذلك؟
في مقابلته مع مجلة "الإيكونوميست" غداة استقالته، وصف رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة، المشهد السياسي المحلي بأنّه كان على "شفا حرب أهلية"، حين قبل بمهمة الرئاسة. وهو تعبير استفزّ كثيرا من السياسيين والإعلاميين حينها. وأحسب أنّ هذا الوصف لم يكن مقصودا بحرفيته، بل بمضمونه؛ إذ لا نبالغ في القول إنّ الأردن يمر حالياً بأخطر هزّة سياسية منذ عقود، تتمثّل بفقدان بوصلة الدولة، وإهدار قيمها وتقاليدها التي بنتها خلال عقود عديدة، وفقدان الحكمة السياسية في إدارة البلاد.
ثمة خطأ فادح باختزال القصة، اليوم، بموضوع صفقة أو مقايضة مع جماعة الإخوان المسلمين لإقناعهم بالمشاركة؛ ولن تحل الأزمة بأسرها عبر مساعدات خارجية تطفئ عجز الموازنة، ولا العين الحمراء في مواجهة العصيان والشغب والاعتداء على الممتلكات العامة، أو السجن في مواجهة اختراق السقوف في الشعارات السياسية.. فهذه التوصيفات تسخيفٌ لأزمة حقيقية جوهرية تضرب صميم علاقة الدولة بالمواطنين.
الخطوة الأولى في مسار العلاج من السرطان الذي ينهش مستقبلنا ويصيب الأمن الاجتماعي اليومي للمواطنين، تتمثل ابتداءً، وقبل أي شيء، في تغيير المناخ السياسي في البلاد، وإنهاء المرحلة الحالية الرمادية السيئة، وبث شعور لدى الجميع بأننا على أعتاب مرحلة جديدة تتأسس على مفهوم الإصلاح وضرورته، بوصفه الأفق الذي يمكن أن يعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، وينزع القلق من قلوب العباد، ويؤدي إلى الخروج من حالة الفوضى والشغب والبلطجة والعنف والاستقواء والاسترضاء، وجميع الظواهر المرتبطة بانهيار قيم الدولة والقانون والمواطنة في أعين الناس.
كان يُفترض أن تكون الانتخابات النيابية بوابة العبور للتغيير والإصلاح المنشود، وإنقاذ البلاد من براثن هذه المرحلة، وصولا إلى تأسيس جديد للدولة على قواعد دستورية وقانونية صلبة، تتأسس على توازن السلطات والحريات العامة وحقوق الإنسان، وتتكيّف مع التطورات الداخلية والإقليمية، لتقودنا إلى المستقبل.
على النقيض من ذلك، فإنّ النهج الإقصائي القائم اليوم، والعناد والإصرار على العبور بهذا القانون، سيؤديان إلى التأزيم وتجذير الاستقطابات الداخلية، والانتقال نحو مرحلة أكثر خطورة من الفوضى والانفلات العام، ولن يستطيع أي جهاز أمن مهما كانت قوته أن يواجه استحقاقات أزمات سياسية واقتصادية مركّبة، فسيحمل أعباء فوق طاقته بكثير!
رهاننا على الانتخابات القادمة، والأهمية الحقيقية لها تتمثل في تجديد النخبة السياسية وتصحيح المسارات المضطربة التي اختلّت بسبب قانون الصوت الواحد، الذي لم يؤدّ فقط إلى تغول السلطة التنفيذية (هي دائما متغولة)، بل، وأخطر من ذلك، إلى تصعيد نخبة واسعة من الشخصيات غير المؤهلة للعمل العام والسياسي، ولا المؤتمنة عليه، جاءت بحسابات مختلفة، وعبر دعم الدولة، فأصبحت هذه الشخصيات عبئا على الدولة عبر الاسترضاء والابتزاز، ودفعت إلى تشويه العلاقة المطلوبة بين المؤسسات وبين الدولة والشارع، فضربت شرعية العملية السياسية في الصميم!
زبدة القول: إنّ من يصرّون على إضاعة فرصة الانتخابات وإنكار الأزمة، هم من يقفزون بنا إلى المجهول، في براثن أزمة مركّبة وطاحنة، تأخرنا كثيرا في علاجها وتضاعفت تداعياتها، وانتشرت إلى مختلف الأجزاء والوظائف، فأصبح الاختلال عاما وخطرا، وآخر بركاتها أننا بدأنا نحرق جامعاتنا بأيدينا!

m.aburumman@alghad.jo


(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير