تمارين روسية سورية لمسرحة السياسة والحرب
بينما كانت ردود الفعل لاتزال ساخنة على مجزرة التريمسة التي ارتكبها النظام السوري خرج وزير الخارجية الروسي بتصريح قال فيه « ببساطة الاسد لن يرحل عن السلطة لان جزءا كبيرا من الشعب السوري يؤيده «، عندما نشر هذا الخبر على احد المواقع، علق احد القراء بسخرية: لافروف يهتف « بشار حافظ الاسد الى الابد « وهذا الهتاف مستنسخ من عهد الاسد الاب الذي تم تعميمه على المدن السورية على مدى عقود، تبني لافروف للأبدية وكذلك تعليق القارئ يرسم مشهدا متخيلا لتمارين مسرحية للسياسة الروسية من الازمة يبدو فيه الممثل لافروف يقف فوق جثث ضحايا التريمسة ويرفع بيديه يافطة كتب عليها بشار حافظ الاسد الى الابد. هذا التمرين المتخيل لتصريحاته يمسرح سياسة موسكو فضحايا النظام لا يثيرون الفجيعة في نفسه وانما يعتبرهم مناسبة للاحتفاء بأفعال الطاغية وابتهال التمنيات ببقائه الى الابد، هذا المشهد عجز خيال تشيخوف عن تجسيده في التراجيديا.
مشهد آخر، من نماذج التمارين السورية لمسرحة الحرب وفي نفس اليوم الذي خرج فيه لافروف بتصريحه بث التلفزيون السوري مقابلات ميدانية على مداخل حي الميدان في العاصمة دمشق، أوقف المذيع سيارة فيها نساء وأطفال خارجون من الميدان وسأل السيدة التي يدل مظهرها على انها من هذا الحي المعروف بتقاليده المحافظة: كيف الأوضاع هل صحيح ان هناك قصفا وضربا كما تروج اجهزة الاعلام المعادية لسوريا، السيدة التي حاولت إخفاء مشاعر الخوف لانها كانت هاربة بأطفالها مثل غيرها التي أشارت الأنباء الى نزوحهم من الميدان أجابت: لا ما في شي الحمد لله هدوء وأمان، وفيما استدار المذيع نحو الكاميرا ليعلق (على أكاذيب الاعلام الخارجي) كان مايكروفونه ينقل أصوات الاسلحة تدوي في الحي. هذه الحبكة الفاشلة من مسرحة الحرب التي يصر عليها اعلام النظام منذ بداية الثورة هي الوجه الاخر لدور لافروف في التراجيديا السورية.
يقال ان العالم خشبة مسرح، لكن الشعوب هي التي تحكم على ما يجري على هذه الخشبة وعلى أدوار الممثلين، واذا كان طاغية الشام لا يحس بالواقع ويرى في تزايد اعداد الضحايا كل يوم تمجيداً لذاته ويعتبر نفسه بطلا لانه يعيش حالة مرضية أصابت كل الطغاة من قبله، فان دور لافروف خدمة الطاغية والتلاعب بأرواح ومصائر الشعب السوري. لقد بررت روسيا بوتين موقفها المنحاز للأسد، منذ البداية، بالادعاء انها تمنع انزلاق سوريا الى حرب أهلية، والواقع ان هذه السياسة هي التي منحت النظام الوقت للوصول الى هذه النقطة وهي الحرب الاهلية، هذه كانت استراتيجية النظام منذ البداية لتجنب النهاية الحتمية له سواء على الطريقة الليبية او اليمنية، ومن تابع استراتيجية الاسد الاب منذ عام ١٩٨٠، بعد احداث حماة وحلب وتدمر، في اعادة بناء الجيش وتوزيع عناصر القوة في النظام على أسس طائفية يعرف الهدف الرئيس الذي يسعى اليه بشار وهو تقسيم سوريا ان كان البديل رحيله وعائلته عن الحكم تشبثا بالشعار المعيب والمهين للشعب (الاسد الى الابد).
التمارين على مسرحة السياسة موجودة أيضاً على الجانب الآخر من مواقف المجتمع الدولي تجاه ما يجري في سوريا، واشنطن تسعى بدورها لكسب الوقت، فاللهجة المتشددة التي تتحدث بها كلينتون ضد النظام او في نقد الموقف الروسي لا تعكس الجدية في العمل على وقف المذابح، وبين ثنايا هذا التشدد هناك تردد وانتظار، ويعلل ذلك من باب النوايا الحسنة انه بسبب قرب الانتخابات الرئاسية الامريكية، اما من باب التحليلات والمعلومات فان إطالة الازمة السورية تخدم في المحصلة اسرائيل لانه كلما توسعت دوائر العنف والتدمير فان سوريا الثورة ستظل رهينة انشغالها بإعادة البناء لعدة عقود مقبلة.
لا جدية في المواقف الدولية ولا في المواقف العربية، الجميع في حالة مسرحة مواقفه، والكل يضع اللوم على الكل في العجز عن مساعدة ومناصرة الشعب السوري وحان الوقت للتوقف عن المعارك الدبلوماسية الفاشلة في مجلس الأمن والتوجه الى الثورة السورية وشعبها بإمدادات المال والقوة للصمود.
(الرأي)