البوابات المنسية
أزور بيوتاً في عمان وخارجها، بيوت الفقراء والأيتام، بيوت تنام على الألم والظلم، استعداداً لنشر حكاياتهم في«الدستور»حاضنة الخير ، فتقرأ في عيون الناس الحرمان الشديد وتسأل نفسك الى متى ننحدر بحياة الناس الى هذا المستوى؟!.
طفلات يتيمات، وجوه ملائكية، امهات مريضات، آباء رحلوا، واليتيم يعيش على متوسط لا يتجاوز النصف دينار يوميا، في احسن الحالات، بيوت اخرى نهشتها الامراض، طفل معوق يتم ربطه بشبّاك المنزل خوفا من عنفه، وعجوز تقرأ على وجهها بؤس الدنيا.
ينحني ظهرك، يشيب شعرك، وتدمع عينك على هؤلاء، وتسأل بألم: هل تكفينا مساعدتهم فقط بطرود المؤونة، وهل تكفيهم الدنانيرالقليلة التي تدخل اليهم، هل يعرف كثيرون عن البوابات التي خلفها «حكايات لا يعرفها أحد» وأين المال والثراء عن هؤلاء؟!.
أليس محزنا جداً ان يكون بيننا مئات آلاف المحرومين في عمان ومعان واربد وعجلون والأغوار، في البوادي والمخيمات، أليس محزنا هذا الفقر الحقيرالذي ينهش الوجوه، ولا يبقي في الوجدان الإنساني أي مساحة للصبر؟!.
يطل علينا رمضان، وكلنا نقع في ذات الخطأ، الفزعة في رمضان، ثم نسيان الناس أحد عشر شهراً، ثم تسأل عن الفرق بين المُسجل فقيراً ويتيماً، وغير المُسجل الذي يعمل موظفاً، فلا تجد فرقاً، فالحرمان بات سمة مشتركة بين الاغلبية.
لا يرحم احد، ولم ُتترك اللقمة للناس، واذ تتأمل اسعار الغذاء والدواء واللباس، نعرف ببساطة ان الاغلبية باتت محرومة، فالبلد ليست فقط تلك التي نراها في مقاهيها وفنادقها، وفي طبقة تتكون من نصف مليون فرد ينفقون وحدهم.
مؤلم جداً، ان تضطر لنشر حكايات هؤلاء، والوعي الذي كان يبيح نشر حالاتهم لمساعدتهم، تأثر بفكرة اخرى، تقول ان كل الدنيا لا تساوي اشهار وجه طفلة يتيمة امام الناس، لاستجداء العطف لها وعليها، غير أنه لا سبيل آخر، اذ منعوا حفظ ماء الوجوه.
هي دعوة لكل الناس، بأن يتذكر القادر منهم، غيره في رمضان، وغير رمضان، الوجوه المحرومة تكاد ان تشق قلبك، وتلاحقك الى بيتك، وتسأل ابنك او ابنتك، عن ذات الحق، حق الدين والدم والقربى، حق الجيرة والاجارة معا؟!.
الفقر ُيعشعش في بيوت الناس، الأم التي تبكي ليل نهار، لأنه لا اسطوانة غاز في منزلها، لأنها باعت اسطوانة المنزل، لإعادة الكهرباء المفصولة، والأب الذي احنى وجهه الى التراب بحثاً عن قبر، هروبا من لمعة الحرمان في عيني ابنته.
الطفل اليتيم الذي يعرف ان والده سافر الى الجنة ليعود، فينتظره ويأتي العيد، فلا يأتي، ولا يأتي العيد ايضاً، ولازواره الكرماء.
لا يريد الله صوم الجياع، لا يريد الله جياعاً في رمضان، يريد منا ان نطرق بوابات اهلنا في كل مكان، نحمل الرحمة في اكفنا، وتكتسي الوجوه بنوره اذ نتفقد اهلنا في كل مكان، الصوم هنا صوم عن الطمع والبخل، وضيق اليد، صوم العارفين، لا صوم الجائعين.
رمضان محطة للتوبة والاستغفار والنجاة، من كل ما فعلته أيدينا، وجوارحنا، والمعروف فيه عظيم، فلا يستصغر احدنا الدينار في جيبه لمساعدة جاره، ولا ينتظر احدنا مليونا حتى ُيثبت كرمه، فالمعروف يكون بالقليل قبل الكثير.
هل تعرفون ان هناك آلاف الطلبة لا يقدرون على اكمال فصلهم الصيفي لأنهم لم يكملوا رسومهم؟!
هل تعرفون ان هناك آلاف الايتام لا يجدون لباساً يستر اجسادهم؟! هل تعرفون ان هناك طفلات بريئات، في عمر الورد، يغمضن عيونهن على الطوى؟!
بعض مالك الذي تنفقه في رمضان على السهرات الرمضانية، والاراجيل، وبعض مالك الذي تنفقه على ما يغضب الله طوال العام، هذا أوان تطهيره، وكم من رحمة ادخلتها الى بيت مسحت ذنبك، وفكت كربك، واشفت ابنك او ابنتك؟!.
وراء البوابات المنسية، حكايات لا يعرفها احد، والقسوة في قلوبنا، على الفقير واليتيم والمحتاج والمظلوم، لعنة ستسلب من ايدينا كل شيء، فكم من نعمة اعطاها الله لأحدنا، ولم تكن له وحده، فتعامى عن الشركاء الذين سماهم القرآن الكريم في ماله، والتعامي مكلف هنا.
للمحروم لعنة، هل اعتقدت أنها لا تصلك؟!
(الدستور)