jo24_banner
jo24_banner

الاردن وحده يدافع عن المقدسات

حلمي الأسمر
جو 24 : جرت بالأمس مناقشة بيني وبين ابنتي التي تدرس الإنجليزية، وحدثتني عن مدرسها البريطاني، وسر تمسكه بالوجود في الأردن، وكانت تبدو مستغربة خاصة وإن ثمة شبابا كثيرين يتوقون للسفر خارج البلاد، وربما الهجرة، وهذا المدرس البريطاني يمكث منذ ثلاث سنوات هنا، ويريد أن يعيش في الأردن، ويحب الناس والنخاعات والروس والمنسف، والفلافل!
كانت ابنتي في حيرة من أمرها، إلى أن سألته عن «سره» فقال لها، إنه عاش في بريطانيا، وعمل هناك، كما عمل في الخليج، ولبنان، لكنه لم يشعر بالشعور الذي يوفره له الأردن، بأهله ومجتمعه، من حيث الدفء الإنساني، والتعامل الراقي معه من قبل البشر، والمجتمع المتسامح، وخاصة التسامح الديني، فضلا عن رقي أهله، ومضت ابنتي تحدثني عن «غزل» مدرسها البريطاني، الذي وجد في الأردن ما لم يجده لا في بلده ولا في لبنان، ولا في الخليج، بالمناسبة هو ترك الخليج لأن راتبه كان يزيد عن راتب مدرس أردني، فقط لأنه هو بريطاني وذاك أردني، فلم يستطع أن يتعايش مع هذا التمييز العنصري(!)، أما في لبنان، فشعر بغياب التسامح الديني، وفي بريطانيا ثمة مجتمع بارد بلا علاقات إنسانية، وتشييء للبني آدم، أما في الأردن فالدنيا «غير» وهو يستمتع بالحديث وفق لهجتنا المحلية، ويعرف البلد أكثر منا نحن أهله!
ابنتي شأنها شأن معظم شباب وبنات الأردن، بل وربما غالبية الأردنيين، ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس، وربما لأنهم لم يزوروا بعد بلاد العالم، خاصة العربي، ولا يعرفون إلا الأردن، يُهيأ لهم أننا أسوا بلد في الدنيا، وأن الكل أحسن منا، طبعا هم مخطئون تماما، ولكننا لسنا أحسن بلد، ولدينا من الهموم والمشكلات ما يكفي ويزيد، وقائمة مؤاخذات رسمية وشعبية بطول كيلو مترين، وحينما نبدأ بِعدّ مساوئنا ربما يستغرق الأمر وقتا طويلا، إذْ ثمة وقت طويل أيضا يلزم لعد المحاسن، لكننا عادة لا نتحدث فيها، وحينما تُذكّر الناس بها، يهبّ البعض في وجهك باعتبارك «تدافع» عن الحكومة(!) لأنهم يختزلون البلد كلها بالحكومة، وإذا وسعنا دائرة الرؤية، سنجد أن البلاد العربية تعيش في حالة غير مسبوقة من التشرذم والانكفاء الداخلي، والتمزق، ولا أحد يفكر بمشاكل الآخر، والأردن شأنه شأن غيره لديه مشاكله الخاصة، وأهمها في هذا الوقت القدس، فضلا عن المشكل الاقتصادي المزمن، ما أعرفه بالنسبة للقدس والأقصى ومحاولات المتطرفين الصهاينة لتدنيسه والمس بمسألة الولاية الأردنية، أن البلد فعل ما «بوسعه» أن يفعل، وإن كنا ننتظر المزيد والمزيد، وما لا يعرفه كثيرون، ولم تنشره وسائل الإعلام، أن العلاقة بين الأردن وإسرائيل وصلت حدا حرجا، والعالمون ببواطن الأمور يعلمون أن اتخاذ مواقف «أسخن» مما اتخذ لا تحتمله البلد، المتروكة وحدها تواجه قضية الأقصى والقدس، ولا أريد أن أوضح هنا بقدر ما أريد أن أذكّر القارىء بأن أحدا من الأنظمة العربية لم يستوقفه ما يهدد الأقصى، فلم يهتم أحد على سبيل الجد، بل لم تكلف وسائل إعلام النظام العربي الرسمي نفسها بنشر أخباره، إلا كما تهتم بزلزال في نيكارغوا، أو انهبار مبنى في بنغلاديش!
من حق الناس أن تطمح للمزيد، وأن ترى الأردن يقف بصلابة في وجه اليهود، ومن حقها أن تتوقف عند النقائص والسلبيات، والإخفاقات، وتطالب بمحاسبة المقصرين والفاسدين، ومن حقها أن تنتقد أزمة المياه، والمواصلات، وارتفاع سعر تنكة الزيت، وعدم رفع رسوم الجامعات، ولكن من حق بلدهم أيضا أن يذكروا محاسنها وهم على أرضها، لأنني متأكد أن أي مواطن يسافر خارج الأردن سيشعر بالحنين له، وسيعرف معنى المثل القائل: ما بتعرف خيري إلا لما تجرب غيري.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news