مسؤولية التعقل في الخروج من الوضع الراهن
شاركت يوم الثلاثاء الماضي في ندوة عقدتها جمعية الشؤون الدولية في عمان تحت عنوان «الدولة الاردنية: مقاربات عملية للخروج من الازمة». المتحدثون والمشاركون في الندوة لم يكونوا من الاخوان المسلمين ولا من مجموعات الحراك الشعبي ، غالبيتهم من الذين اشغلوا مواقع عامة في الدولة خلال العقدين الماضيين ، وزراء واعيانا ونوابا سابقين وحاليين ، سفراء وأساتذة جامعات ، ضباطا متقاعدين وممثلي تيارات حزبية وسطية . الهدف المعلن من الندوة كما أوضح رئيس الجمعية دولة عبد السلام المجالي هو تلخيص الآراء والمقترحات المطروحة حول الاصلاح الشامل ورفعها الى المراجع والجهات المختصة.
وجهات النظر التي طرحت والمقترحات التي قدمت حول الاصلاح الشامل وتقييم الوضع الراهن تتوافق على موقف نقدي من قانون الانتخابات بصيغته الاخيرة ، التي كرست نظام الصوت الواحد . واعتقد انه من الأهمية ان يطلع اصحاب القرار على ما طرح من آراء ومقترحات تناولت المحاور التالية: رؤية الوضع الراهن ومعطياته وآفاقه المستقبلية ، المواطنة والهوية ، الحاكمية والديموقراطية ، الاصلاح السياسي والاقتصادي ، ازمة التغيير الاجتماعي وهيبة الدولة وسيادة القانون ، الاصلاح الشامل .
كما قلت في البداية لم يكن المتحدثون من المعارضة انما قادمون من أوساط الحكم وعهوده ولهم قناعاتهم التي يشاركهم فيها الكثير من السياسيين والمثقفين والمستقلين . قناعات ترى ان لها صوتا ورأيا يستحق ان يسمع في الاصلاح وقانونه، وان من الظلم للأردن والأردنيين ان يصور الجدال والتجاذب حول الاصلاحات بانه محصور فقط بين الحكومة وبين المعارضة الاسلامية ، ولقد لمست خلال الأسابيع الاخيرة بان هناك توجهات عند مجموعات واسعة من المستقلين ومن أحزاب لا تنتمي الى المعارضة تهدف الى تجميع الصفوف وإعلان المواقف ، التي تظهر لكل من الحكومة والمعارضة ، بان للأغلبية الصامتة رايا وموقفا يمليه الواجب الوطني وبان يكون لكل مواطن دور في اخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية الراهنة .
العبء الوطني في هذه المرحلة التاريخية الصعبة يجب ان لا يتحمله قائد البلاد وحده ولا هو وجهة نظر مسؤول او حكومة انما مسؤولية الجميع ، ان توسيع دائرة تحمل العبء الوطني يولد العقلانية التي تفرض مسؤوليتها على جميع الاطراف حكومة ومعارضة وحراكات شعبية .انه مسؤولية الفئات الاجتماعية التي تشعر بمخاطر اقدام اي طرف بالاندفاع نحو التصلب او التطرف بهدف تحدي الاخر بالإقصاء او الرفض في زمن اصبحت فيه مثل هذه المواقف من يقود الى الفوضى في ظل مناخ اقليمي يتأصل فيه العنف داخل العقول وفي الشوارع .
مسؤولية التعقل تفرض التفهم والتفاهم على الجميع ، في الحكم و المعارضة ، في الشوارع والبيوت . كما يفرض على القوى الاجتماعية من عشائر وحمايل ان تقوم بواجبها في الوقوف بوجه ما نشهده من عنف في الجامعات ، وان تعمل القوى السياسية بكل أطيافها على لعب دور إيجابي للتفاهم على ماهية الاصلاح التوافقي الذي نريده جميعا والذي يقي الوطن من الانزلاق الى الفوضى والعنف .اصلاح يقوم على الحوار والتفاهم وليس على عادة الرفض او عقلية الاقصاء .
مسؤولية التعقل تفرض على الدولة والقوى السياسية والاجتماعية تهيئة المناخ الصحي لمشاركة الجميع في الانتخابات المقبلة ، لان الاردنيين يلتقون على القناعة بان هذه الدولة لهم جميعا وبان النظام الملكي رمز السيادة وبان الاصلاح المنشود الذي ينال رضا وثقة الناس هو من مصلحة الدولة مثلما انه مصلحة عامة لانه يرسخ ويكرس وحدة الدولة والمجتمع التي تمثل القاعدة الأساس للاصلاح السياسي وللنمو الاقتصادي الذي بدونه لا حل لمشكلة البطالة ولا لمشاكل الفقر وتآكل الاجور .
(الرأي)