شاهين: الشاعر كيان مستقل أكبر من الأحزاب
يرى سعدالدين شاهين أن الشاعر كيان مستقل أكبر من الأحزاب والتجمعات بمفهومها العربي السائد، رغم أن الأحزاب كانت قديماً تصنع هالة الشعراء ليصدروا بياناتهم عن طريقه، إلا أن هذا الزمن ولى إلى غير رجعة.
ويقول إن الانسان بآدميته باق والآيديولوجيات مهما تنوعت تندثر والأدلة أمامنا ماثلة، لذلك إنا منحاز كلياً للناس ولحقوقهم المشروعة أينما وجدوا على مد البسيطة.
عن الشعر والشاعر والتجربة، تاليا حوار مع شاهين:
• الغربة حافزٌ لأن يتوهّج الشعر؛ وقد اتكأتَ على أبي ذر،.. وكثيراً ما تستدعي التاريخ!... هل هو استدعاء الساخر أم المتعلق بما بقي له من أثر؟!
نعم فإنّ من يسخر من تاريخه ينفي وجوده، فلا منفصل دون متصل، وأمة بلا تاريخ أمة بلا حاضر ولا مستقبل. أنا أستحضر التاريخ ليس انكفاء، ولكن مستنداً على ما فيه من تشابه حتى في الميثولوجيا والاساطير ثمة مضامين محمولة بداخلها وتطابق أحيانا وكأن التاريخ يعيد نفسه من خلال وقائعها فأنا في تناولي للتاريخ والموروث الديني والشعبي والمثولوجي في قصائدي أفتعل مقابلة بين مثل هذه الصور المتشابهة وأضع المتلقي في ميدان التحريض الأيجابي للتغيير والقفز عما لم يكن مرضياً وأن لا نتعاطى مع نفس المواقف بنفس الروحية.
أحياناً يكون الهدف اتخاذ العبرة وإيصال رسالة ندعو المتلقي من خلالها التزام مسارب إيجابية مشابهة وهذا في اعتقادي رسالة الأدب عموماً والشعر الجميل على وجه الخصوص ودور الشاعر أو الأديب بالتالي ...وإلا ما معنى أن تكون القصيدة خاوية إلا من بعض الإنكسارات والتهويمات والتهافتات فقط؟! وهذا يقودنا إلى ثقافة الشاعر وثقافة منتجه الإبداعي الذي سيحكم عليه الجمهور المتلقي، فأنا مشغول بالقصيدة المثقفة بكسر القاف والمثقفة بفتحها وذات البعد الفلسفي الإنساني، لكن دون إغراق بحيث يصل إلى أكبر شريحة من المتلقين.
أما بالنسبة لغربة الشاعر فالشعراء عموماً محكومون بالغربة لأنهم يضعون الحقيقة الجميلة في الوقت الذي لا يرضي الآخرين كما لا ترضي أي سلطة والتي يحللون بها، الأمور ويستشرفون بها مستقبل الأمة دون مراء أو مهادنة في معاملهم الخاصة مما يجعلهم في جهاد دائم بقلمهم إلا من رحم ربي فهي غربة أما أن الشاعر يصنعها لنفسه ويستحوذ عليها أحيانا وأما أنها تفرض عليه غالباً فرضاً وعلى أية حال، فنحن نعيش غربتين عربة المفاهيم وغربة فيزيائية كغربة أبي ذر الغفاري الذي كان يحاسب في وقت من الأوقات أن قرأ آية من القران الكريم لم توائم هوى الوالي أو الأمير أو الخليفة أحياناً كيف له أذن أن لا يعيش غريباً.
• ما بين (البشرى) مطلع تسعينات القرن الماضي، واليوم، يعد سبع مجموعات شعرية ورواية للكبار نلمح البشرى وكأنها تتناقص في مفردات لاحقة، أو تشكل نقلات نوعية مختلفة في ما كتبت في الرواية والشعر!
أنا أعتز بما أكتب وما كتبت منذ ديواني الأول(ديوان البشرى) عتبة النشر الأولى عندي والتي كعادة الشعراء ينفون هذه العتبة مع أن لي عليها بعد نضوج تجربتي الشعرية بعض الملاحظات لكن هذه بكر قصائدي، وهي من كرسني في ميدان الشعر حتى وصلت مجموعاتي الشعرية الآن سبع مجموعات مطبوعة للكبار، ولكن مشكلتنا هنا أننا لا نقرأ ككتاب وشعراء لبعضنا ولا نستمع لبعضنا في حين يتناولنا الغير عربياً بالنقد والتحليل والقراءة ويفردون فصولاً كاملة في كتبهم النقدية لتجاربنا، ويدعوننا لمهرجاناتهم ومؤتمراتهم الشعرية.
وهذا يدخلنا في متاهة السؤال عن حركة النقد الاردني وتفاعل أساتذة الجامعات الكثيرة جداً في بلدنا والتي أكاد أجزم أن معظمهم لا دخل له بما بولادة شاعر أو أديب أو ديوان شعري أو غيره.
أما بالنسبة للتناقض إذا سلمت جدلاً بهذه المقولة ووجدت فهي ليس تناقضاً هو نقلات نوعية سواء في المضمون أم في استعمال الصورة وهذا امر طبيعي. إذ كيف يمكن لشاعر لا يطور أدواته أن يستمر خاصة أن الجمهور الأردني لا يرضيه الفليل لذلك على الشاعر أن يظل في حقل الريادة، فاللغة ثابتة ييلاغتها وانزياحاتها وصورها ومنحوتاتها اللغوية يبقى السؤال كيف يتعامل الشاعر مع كل ذلك ليحسن منتجه الابداعي ويخلق الدهشة دون المساس بالمضمون في ظل عصر سريع الايقاع سريع التغير يعج بمصادر المعلومات ومناهلها وتناقضاتها أحياناً فما كان لا يصلك قبل عشرين سنة هو الآن (شبيك لبيك) في ثوان معدودة وبمجرد كبسة زر، أما المفاهيم فهي إن لم تكن مبادئ فهي نواتج لتفاعلات الزمن والحالات، وهذه يتعامل الشاعر معها من خلال المواءمة بين العقل والمنطق لاستنباط رؤية استشرافية تنسب للشاعر من خلال ما يكتب ولكنه لا يكون مسؤولا عن نتائجها من هنا قد يكون ما لمحت له من تطور الفكرة وليس على سبيل التناقض فالشاعر دائما ابن عصره.
• هل كفاك (بيان الرابطة) التغني بالجرح المجاور شاعراً؟!.. أم..؟!
إذا كنت تقصد الأحداث العربية في الدول المجاورة دون تحديد مروراً بتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا و.السودان ...الخ، والحبل على الجرار، فإن ما يحدث الآن لا يستطيع عقل فك رموزه وطلاسمه ومغاليقه سوى أنني وصلت إلى إيجابية أن الشعوب أصبح لها كلمة وأن الفرد أصبح لا يفتح فمه فقط عند طبيب الأسنان...صحيح
أن الشاعر في اعتقادي ليس زماراً ولا طبالاً وراء أحد.
الشاعر كيان مستقل أكبر من الأحزاب والتجمعات بمفهومها العربي السائد، مع احترامنا لدورها وأهميتها كمؤسسات مجتمع مدني تسهم في صياغة حاضر ومستقبل الأمة رغم أن الأحزاب كانت قديماً تصنع هالة الشعراء ليصدروا بياناتهم عن طريقه، إلا أن هذا الزمن ولى إلى غير رجعة، لكنني أجزم أن الشاعر يظل حزباً بوحده أولى أولوياته الإنسان وإنسانيته، وتشغله إنسانية المواقف أولا أكثر من المواقف الآيديولوجية ذاتها لأن الانسان بآدميته باق والآيديولوجيات مهما تنوعت تندثر والأدلة أمامنا ماثلة، لذلك إما منحاز كلياً للناس ولحقوقهم المشروعة أينما وجدوا على مد البسيطة، قد يلامس ذلك موقف جهة ما لكنه ليس اصطفافاً ولا تخندقاً مع فريق ضد آخر، لكنني في نفس الوقت أقف بحزم أمام الاستقواء بالغريب، مهما كان لاستباحة سمائنا وأراضينا وحرماتنا فأنا من جيل عانى الكثير من ذل الاحتلالات لبلادنا العربية بشتى الصور والذرائع، فإن شوكنا الذي نبت في حقولنا لا تقلعه سوى أظافرنا نحن.
•ماذا يلوح بين عينيك في الشعر؟!.. هل يمكن أن تسرقك الرواية أو ..؟!
الذي يلوح بين عيني هو استقطار الشعر حتى النفس الاخير وحتى أبحث بين الشعراء فلا أجد شاعراً عربياً يبحث عن كرامة أمته وشعبه وإنسانيته، فأبحث عن عابر حدود فلا أجد حاجزاً يوقفني أو يمعن كثيراً في التلفت إلى شكلي كمتهم عليه أن يثبت براءته دائماً ...سأكتب الشعر حتى ترتسم الأغنيات في أسارير الأطفال العرب الذين ارتووا من رضاعة ويلات الحروب والظلم والفقر.
أما الرواية فمع أنني كنبت رواية الموت لا يأتي دائما (التعفب )، ولدي مشروع الجزء الثاني منها، ورغم أن الرواية فن جميل يستوعب الفيضانات الإبداعية، لكني أنا مع سبق الإصرار أحب أن أظل عشاباً في حقل الشعر أكتب للكبار ولدي 7 مجموعات مطبوعة كما أكتب للأطفال ولدي عدة أعمال شعرية وعدة مسرحيات كما أكتب الأغنية الوطنية ولدي العديد من الأعمال المسجلة والمتداولة. لكن يظل عالم الشعر هاجسي وميدان أحلامي. الراي