وماذا بعد؟
سالم الفلاحات
جو 24 : انتظر الاردنيون طويلاً، استفرغوا جهدهم في الصبر والحكمة وحددوا مطالبهم بقاعدتين ذهبيتين في سبيل تحقيق الاصلاح الشامل الذي بحثوا عنه منذ ما يقرب من قرن كامل.
القاعدة الاولى: الهدف هو اصلاح النظام السياسي، وهذا هو سقفه بخلاف شعوب عربية كثيرة.
والثانية: اعتماد المنهج السلمي لتحقيق الاصلاح، وعدم العدول عنه مهما كانت الاساءات، واستخدام اللسان والعقل والمنطق والحجة.
علماً أن لهم تاريخاً طويلاً قديماً في المطالبة بتحقيق مبدأ «الشعب مصدر السلطات»، حيث عقدوا مؤتمراً شعبياً في عام 1928 لهذه الغاية، واستمروا في فترات لاحقة على هذا النهج.
وهم شعبٌ اردنيٌ عروبيٌ اسلاميٌ مثقف ثقافة عالية على الرغم من محاولات التجهيل والتشويش الثقافي والتلاعب بثقافة الشعب، وتشهد الاحصاءات الرسمية أن نسبة الأمية فيه من اقل النسب في البلدان العربية.
وقد تمكن هذا الشعب من تشكيل حكومة برلمانية منتخبة منتصف القرن الماضي، وكان الشعب يتمتع بثقافة حزبية متنوعة بين اسلامية وقومية ويسارية منذ ما يزيد على ستين عاماً، وكان لديه دستور متقدم جداً عن هذا الدستور الحالي، لكن المسيرة الديمقراطية في بلدنا تسير بخطى سريعة، ولكن إلى الوراء!! ولربما تكون مصالح العم «سام» وزبانيته الثابت الاكبر في اعاقة تقدمه وحياته الكريمة.
هذا الشعب العروبي الاسلامي على الرغم من ضعف امكاناته لم يتخلف عن قضية عربية او اسلامية، او حتى انسانية يمد لها يد العون وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؛ حيثُ روَّت دماء شبابه ثرى القدس الطهور وباب الواد وصور باهر واللطرون وجنين وسائر فلسطين الحبيبة.
هذا الشعب المثقف المضياف الواعي الذي تشكلت دولته، وأسهم في بنائها اضافة الى الاردنيين المسلمون والعرب من القوقاز، وحتى الشام والحجاز والعراق وموريتانيا وفلسطين واستوعبتهم جميعاً بتكاملية نادرة.
وبعد 1989 ظن الأردنيون أنهم استأنفوا مسيرتهم الديمقراطية بعد توقف الحكم العرفي والدكتاتورية، ولكن يا للأسف فكل شيء ينمو في بلادنا إلا الديمقراطية والحرية والكرامة وحقوق الشعب حتى تجد التحسر الدائم على أيام زمان.
وبعد هجاء مقذع وحلفٍ بالطلاق في مؤتمرات وحوارات رسمية وشعبية منذ عشرين عاما، بعدم العودة الى القانون الدخيل الذي مزق الاردنيين وحرمهم من حياة كريمة ديمقراطية (قانون الصوت الواحد المجزوء) الذي فُصّل تفصيلاً خاصاً؛ لإبقاء الحياة السياسية مقزمة أو متآكلة.
وبعد «الربيع العربي» سمع الاردنيون والاردنيات وعوداً قاطعة لتحقيق الاصلاح المنشود، وجعل قانون الانتخاب المذكور خلف الظهور، وأنه اصبح من الماضي المؤسف، ولكن يا هول المفاجأة فجائزة الشعب الاردني على سلمية حراكه وعقلانيته، وأن سقفه محكوم بإصلاح النظام فقط، فقد تم استخراج القانون المقبور الذي بقي على سطح الارض ولم يكرّم بدفنهِ، إنما جاء برائحته الكريهة وبكفنه الرث بعد محاولة تجميله وتسويقه، على أنه كائن مقبول ولربما ملك جمال القوانين الانتخابية في الدنيا.
إن كان لا بد من كلمة للنظام فإن الاردنيين يستحقون غير هذا الاستغباء والتطنيش.
هل يمكن الاستمرار في المعاندة وتجاهل اصوات الاردنيين والاردنيات خلال عام ونصف، التي كظمت الغيظ مرة تلو الاخرى وصبرت واحتسبت انتظاراً لحياة سياسية متقدمة.
وقد اصبح واضحاً للعيان ان العديد من الاحزاب السياسية والحركات الشعبية والتجمعات العشائرية والنقابية والشخصيات الوطنية أعلنت موقفها بوضوح أنها لن تشترك في هذه الزفة البدائية المسماة الانتخابات النيابية، ولن تكون شريكاً في قتل طموحات الاردنيين بالحرية والكرامة وسلطة الشعب كاملة على مختلف شؤونها.
لقد قال العلماء والفقهاء والساسة والشعراء والكتّاب والقصّاص والمغنون والحكواتيون والطيور والحيتان في البحار وحتى أم كلثوم «انما للصبر حدود»، وكظمُ الغيظ لا يعني ذهابه إنما تغطيته وتحييده انتظاراً للفرج، فماذا بعد الحكمة والصبر المتطاول، والحجة والمنطق والوطنية والانتماء والغيرة والثبات على المنهج السليم،
ان الذين يؤجلون الاصلاح بقروض ربوية من «الوعود العرقوبية» والمعاذير والفزاعات الكاذبة، والتخويف والترهيب، يثقلون كاهل الوطن ويضيعون فرصة الاستفادة من تجارب الغير المحيط بنا، وهم يعلمون علم اليقين ان الاصلاح حتميٌ واستحقاقٌ لا يمكن الوقوف في وجهه طويلاً، وان من استعصى عليه وعانده جرفه التيار الهادر بغير وعي.
الكرة في ملعبكم، وماذا بعد؟
Salem.falahat@hotmail.com
(السبيل)
القاعدة الاولى: الهدف هو اصلاح النظام السياسي، وهذا هو سقفه بخلاف شعوب عربية كثيرة.
والثانية: اعتماد المنهج السلمي لتحقيق الاصلاح، وعدم العدول عنه مهما كانت الاساءات، واستخدام اللسان والعقل والمنطق والحجة.
علماً أن لهم تاريخاً طويلاً قديماً في المطالبة بتحقيق مبدأ «الشعب مصدر السلطات»، حيث عقدوا مؤتمراً شعبياً في عام 1928 لهذه الغاية، واستمروا في فترات لاحقة على هذا النهج.
وهم شعبٌ اردنيٌ عروبيٌ اسلاميٌ مثقف ثقافة عالية على الرغم من محاولات التجهيل والتشويش الثقافي والتلاعب بثقافة الشعب، وتشهد الاحصاءات الرسمية أن نسبة الأمية فيه من اقل النسب في البلدان العربية.
وقد تمكن هذا الشعب من تشكيل حكومة برلمانية منتخبة منتصف القرن الماضي، وكان الشعب يتمتع بثقافة حزبية متنوعة بين اسلامية وقومية ويسارية منذ ما يزيد على ستين عاماً، وكان لديه دستور متقدم جداً عن هذا الدستور الحالي، لكن المسيرة الديمقراطية في بلدنا تسير بخطى سريعة، ولكن إلى الوراء!! ولربما تكون مصالح العم «سام» وزبانيته الثابت الاكبر في اعاقة تقدمه وحياته الكريمة.
هذا الشعب العروبي الاسلامي على الرغم من ضعف امكاناته لم يتخلف عن قضية عربية او اسلامية، او حتى انسانية يمد لها يد العون وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؛ حيثُ روَّت دماء شبابه ثرى القدس الطهور وباب الواد وصور باهر واللطرون وجنين وسائر فلسطين الحبيبة.
هذا الشعب المثقف المضياف الواعي الذي تشكلت دولته، وأسهم في بنائها اضافة الى الاردنيين المسلمون والعرب من القوقاز، وحتى الشام والحجاز والعراق وموريتانيا وفلسطين واستوعبتهم جميعاً بتكاملية نادرة.
وبعد 1989 ظن الأردنيون أنهم استأنفوا مسيرتهم الديمقراطية بعد توقف الحكم العرفي والدكتاتورية، ولكن يا للأسف فكل شيء ينمو في بلادنا إلا الديمقراطية والحرية والكرامة وحقوق الشعب حتى تجد التحسر الدائم على أيام زمان.
وبعد هجاء مقذع وحلفٍ بالطلاق في مؤتمرات وحوارات رسمية وشعبية منذ عشرين عاما، بعدم العودة الى القانون الدخيل الذي مزق الاردنيين وحرمهم من حياة كريمة ديمقراطية (قانون الصوت الواحد المجزوء) الذي فُصّل تفصيلاً خاصاً؛ لإبقاء الحياة السياسية مقزمة أو متآكلة.
وبعد «الربيع العربي» سمع الاردنيون والاردنيات وعوداً قاطعة لتحقيق الاصلاح المنشود، وجعل قانون الانتخاب المذكور خلف الظهور، وأنه اصبح من الماضي المؤسف، ولكن يا هول المفاجأة فجائزة الشعب الاردني على سلمية حراكه وعقلانيته، وأن سقفه محكوم بإصلاح النظام فقط، فقد تم استخراج القانون المقبور الذي بقي على سطح الارض ولم يكرّم بدفنهِ، إنما جاء برائحته الكريهة وبكفنه الرث بعد محاولة تجميله وتسويقه، على أنه كائن مقبول ولربما ملك جمال القوانين الانتخابية في الدنيا.
إن كان لا بد من كلمة للنظام فإن الاردنيين يستحقون غير هذا الاستغباء والتطنيش.
هل يمكن الاستمرار في المعاندة وتجاهل اصوات الاردنيين والاردنيات خلال عام ونصف، التي كظمت الغيظ مرة تلو الاخرى وصبرت واحتسبت انتظاراً لحياة سياسية متقدمة.
وقد اصبح واضحاً للعيان ان العديد من الاحزاب السياسية والحركات الشعبية والتجمعات العشائرية والنقابية والشخصيات الوطنية أعلنت موقفها بوضوح أنها لن تشترك في هذه الزفة البدائية المسماة الانتخابات النيابية، ولن تكون شريكاً في قتل طموحات الاردنيين بالحرية والكرامة وسلطة الشعب كاملة على مختلف شؤونها.
لقد قال العلماء والفقهاء والساسة والشعراء والكتّاب والقصّاص والمغنون والحكواتيون والطيور والحيتان في البحار وحتى أم كلثوم «انما للصبر حدود»، وكظمُ الغيظ لا يعني ذهابه إنما تغطيته وتحييده انتظاراً للفرج، فماذا بعد الحكمة والصبر المتطاول، والحجة والمنطق والوطنية والانتماء والغيرة والثبات على المنهج السليم،
ان الذين يؤجلون الاصلاح بقروض ربوية من «الوعود العرقوبية» والمعاذير والفزاعات الكاذبة، والتخويف والترهيب، يثقلون كاهل الوطن ويضيعون فرصة الاستفادة من تجارب الغير المحيط بنا، وهم يعلمون علم اليقين ان الاصلاح حتميٌ واستحقاقٌ لا يمكن الوقوف في وجهه طويلاً، وان من استعصى عليه وعانده جرفه التيار الهادر بغير وعي.
الكرة في ملعبكم، وماذا بعد؟
Salem.falahat@hotmail.com
(السبيل)