jo24_banner
jo24_banner

ظاهرة (التفلت) الاجتماعي والسياسي

طاهر العدوان
جو 24 :

العبارة بين القوسين في العنوان كلمة يطلقها الاردنيون على الشخص الذي يندفع للاشتباك مع شخص اخر فيما يمسك به الحجازون قائلين ( بتفلت عليه ) ، هذه الظاهرة كانت ولا تزال فردية ومنحصرة بالمشاجرات لكنها ومنذ الربيع العربي اصبحت ظاهرة اجتماعية تستفحل يوما بعد اخر تراها في الشوارع والأسواق واحيانا امام المؤسسات والوزارات .
اذا كنت تقود سيارتك في العديد من شوارع العاصمة الرئيسية وغيرها في رمضان او قبله تجد نفسك وسط ازدحام مروري شديد عند نقاط معينة دون غيرها بسبب الوقوف المزدوج لسيارات المتسوقين الذين يتسببون بإغلاق جزئي للمرور من اجل شراء حلويات او ساندوتشات واحيانا للتسوق او التحدث في المحلات المحيطة ، والأمر نفسه يتكرر امام بسطات الخضار التي يفرشها أصحابها على الرصيف وعلى جزء من الشارع العام فيأتي من يقف بسيارته امام البسطة ليساوم على العنب والبطيخ . فتكون المحصلة اما ( هوشه) يتم تبادل السباب فيها بين هذا وذاك لفتح الطريق واذا كنت عالقا في الوسط فما عليك الا التذرع بالصبر المصحوب بارتفاع الضغط.
تقييم هذه الظواهر السلوكية في المجتمع ان بعض الافراد اصبحوا يميلون الى تجاهل القانون وعدم احترام قواعد السلوك المتعارف عليها في الاماكن العامة والأسواق ، فالاشخاص الذين يتصرفون بهذه الطريقة تجدهم يتعمدون القيام بها مع انهم يشاهدون رجل الأمن يقف غير بعيد عنهم يحاول تسهيل المرور ومنع الوقوف ، كان هؤلاء الاشخاص في حالة نفسية من ( التفلت ) على القانون والحط من هيبته !.
وتتكرر الظاهرة بشكل اخر امام المؤسسات والوزارات والدواوير والساحات التي تشهد اعتصامات لأسباب مطلبية تعبر عن وجود ضغوطات نفسية كبيرة على أصحابها في اماكن العمل او في البيوت نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة والإحساس بغياب العدالة . وقد تكون هذه المطالب عادلة في معظمها ، لكننا نرى البعض يجد في المشاركة بمثل هذه الاعتصامات مناسبة لتعطيل العمل ووقف الانتاج لأيام طويلة مع علمهم ان الشركة والمؤسسة التي يعملون بها خاسرة ، تعاني من العجز ومن الحمولة الزائدة في الوظائف ، على سبيل المثال يوجه النقد بشدة للنواب على منحهم الثقة للحكومات لكن لا احد يتطرق الى دورهم على مدى سنوات طويلة في (الواسطة) وتحميل الدوائر والمؤسسات بأكثر من طاقتها أضعاف أضعاف حتى وصل الامر الى هذا الاكتظاظ الوظيفي في القطاع العام ليترجم الى عجز في توفير الاموال وعجز في الانتاج وتقديم الخدمات للمواطنين .
من حق المواطن ان يرفع صوته مطالبا بحقوق مالية او سياسية لكن بدون ازدراء للقانون والتعمد بالنيل من هيبة الدولة ، فالدولة هي الشعب والوطن ان ضعفت يضعف الجميع ، ولا يمكن لأي شعب ان يحقق مطالبه وينعم بالأمن والاستقرار والرفاه وبالحرية والديموقراطية في ظل دولة ضعيفة ، الدولة هي الأردن وهي ليست ملكا لجماعة او عشيرة . ولقد أثبتت انها كذلك خلال اكثر من عام ونصف من عمر الربيع الاردني بتمسكها الحضاري بحق المواطن في التعبير السلمي عن مطالبه وحمايته ، ان هذا دليل على تمسكها بالقانون ورفضها التسلط .
لنحافظ جميعا على هيبة الدولة والقانون ، وهذا لايقلل من عدالة اي مطلب بل يزيده تفهما واحتراما ، ولان البديل لسيادة القانون عودة الناس الى حال الفطرة من التفلت ( وحارات كل من ايده اله ) . وحولنا من الأمثلة ما يكفي لوصف فظاعات هذا الحال التي نزلت بشعوب وجدت نفسها بدون دولة .


(الرأي)

تابعو الأردن 24 على google news