هذا ما يحدث في "العمق" : اكتشاف الذات والدفاع عنها
إذا سألتني: ما الذي يحدث في عالمنا العربي ( وفي بلدنا أيضا ) منذ سنوات وحتى الآن ، سأجيبك بأنه "محاولة اكتشاف"، فالإنسان العربي( المواطن إن شئت) الذي ظل يبحث عن ذاته ويريد أن يعرف ما حوله، وأن يفهم ما جرى له وما يجري، اكتشف في لحظة "المفتاح" الذي توهم أنه أضاعه، وحين فتح الباب وقف مشدوداً أمام ما رآه، فبدأ يفتح عينيه، ويدقق في الصور، ويحاول أن "يتكيف" مع الواقع الجديد ويحاول أن يغيره أيضا ..
سؤالان اثنان ظلا يطاردان هذا الإنسان العربي ، وفي كل مرة يحاول الإجابة عنهما، يكتشف أن الإجابة كانت خاطئة، أو غير مكتملة على الأقل، سؤال من نحن؟.. وسؤال من انتم؟ تحت: من نحن؟ تناسلت أسئلة كثيرة: سؤال الهوية، وسؤال الهدف والمصير، وسؤال الحرية والكرامة.. وسؤال الدين والوطنية، أما الإجابات فما زالت مخاضاتها مستمرة في كل أنحاء وطننا العربي، خذ مثلاً الاشتباكات الحاضرة بين الإسلامي والعلماني، بين الديني والمدني، بين الديمقراطي وغير الديمقراطي.. وهكذا، هذه - بالطبع - مسألة طبيعية ما دمنا نتحدث عن مرحلة اكتشاف الذات أو التعرف عليها، وسنحتاج لسنوات - ربما تطول - حتى نحسم الإجابات عليها.. تماما كما نحتاج لسنوات لنحسم إجابات أسئلة أخرى معلقة، مثل سؤال الدين والعلم والتحضر والدولة والمرأة والديمقراطية..الخ.
وإذا كان سؤال: من نحن؟ قد انطلق هذه المرة - وهي سابقة في تاريخنا - من عمق الوعي الشعبي، فإن سؤال : من هم ..؟ أيضا انطلق من ذات الأرضية والمكان، لكنه توجه نحو كل من كان يشكل علامة "استفهام" بالنسبة للشعوب، توجه نحو النخب الحاكمة والنخب الحارسة، نحو المؤسسات الوطنية وهياكلها، والأهم نحو "الآخر" الأجنبي، كان - بالطبع - سؤالاً مزلزلاً، ومليئاً بهواجس البحث عن تركة الماضي الثقيل والحاضر القائم والمستقبل الذي لم يعد غامضاً.. من أنتم أيها النخب، ومن انتم أيها القائمون على شأننا، ومن انتم أيها "الممسكون" بقرارنا وحياتنا.. ومن انتم أيها الخارجون من بلادنا والعائدون إليها بلا استئذان؟
الذين رددوا هذين السؤالين كان أغلبهم من جيل "الشباب" هؤلاء الذين فتحوا أعينهم على "الآباء" المهزومين، والبلاد المنهوبة، والحرية الغائبة التي "تلمع" في ما وراء البحار، وهؤلاء الذين لم يكن أمامهم سوى الانتساب لحزبي "الطرب" أو "اللعب" أو الجلوس خلف شاشات "الانترنت" للبحث عن التسلية والترفيه أو الهروب من الواقع البائس إلى العالم الافتراضي الجميل، هؤلاء الشباب - هم - من فجّروا سؤاليّ: من نحن؟ ومن أنتم؟، وحين عجزوا عن انتزاع الإجابة عنهما من أفواه "أصحاب" السلطة الأبوية لم يكن أمامهم من طريق سوى كسر عصا الطاعة، والبحث عن أمل جديد.
ما نشهده من فوضى في مجتمعاتنا الآن قد يبدو صادما ، لكنه في الحقيقة طبيعي رغم ما يرافقه من آلام ومخاوف ، فقد تنبه الإنسان العربي إلى " المفتاح" الذي سيمكنه من الدخول إلى بيته "الوطني" الذي خرج أو اخرج منه ، ليعيد تأثيثه من جديد ، اعرف بالطبع أننا ما نزال في مرحلة " البحث" عن مشتركات وطنية ( دولة وهوية جامعة إن شئت) نستطيع أن نتوافق عليها " لتأثيث " هذا البيت من جديد ، ونستطيع ان ندافع عنها بعيدا عن الصراعات في "بازارات" السياسة وتجاذبات الغنائم ومحاصصات " الفرز" وهجمات الإقصاء ، لكن ما أعرفه - أيضا - حدّ اليقين أن الشعوب العربية بدأت تتلمس طريق "الكشف" عن ذاتها وحريتها وكرامتها، وأنها لن تعود للوراء..