لم تعد ثمة أسئلة وطنية تتطلب الإجابة

 


 مع صدور تقرير المرصد البحثي سيفيكوس والمتعلق بمؤشر الحريات الأساسية في الدول، حيث ظهرت فيه الأردن بمرتبة الدولة القمعية أو القامعة وهي مرتبة لا تفوقها في السوء سوى مرتبة الدولة المغلقة المتمثلة في دول مثل كوريا الشمالية وتركمانستان وسوريا ومثيلاتها من الدول ذات الحكم الاستبدادي التسلطي.

أقول أنه بصدور هذا التقرير فقد تبين صحة ما يتبناه الإعلاميون المهنيون في الأردن ونشطاء حقوق الإنسان الذين واصلوا النضال والصراخ والمطالبة من أجل رفع سقف الحريات الذي أصبح في الحضيض بفضل القوانين المقيدة للحريات والمشبعة بالهواجس والحس الأمني البوليسي.

وكلما امتدت السنين يزداد القمع بشكل أكبر بحيث تصبح أكبر أحلامنا أن نعود لما كنا عليه .

يبدو أن هناك فعلا ما يثبت وجود حكومة / جهة عميقة ولا أعني الدولة العميقة، حكومة/ جهة تعمل ما يطيب لها وتغلفه على أنه مصلحة الدولة العليا، فعندما كان القمع موجها للإعلاميين بأنهم لا يتحرون المعلومة الصادقة والدقيقة أو أنهم يبثون أخبارا زائفة أو مضللة. فجاء من يتبنى ذات النهج لهذا الإعلام من عمق النظام السياسي، لا بل من عمق الجهاز الأمني والعسكري، حيث شاهدنا وقرأنا لكثير منهم يتحدثون بما يتحدث به بعض الإعلاميين المهنيين.

ومع مرور السنوات، وصلنا إلى أن يخرج الوزير أو أحد العاملين الفنيين المختصين في مجالهم ليؤكدوا صحة ما يتناقله الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

لم يعهد في تاريخ الحكومات الأردنية أن يخرج وزير ليصرح بما يناقض ممارسة حكومية على شكل اتفاقية إذعان كما حدث مع وزيري المياه الأسبقين، حيث خرج منذر حدادين ليؤكد أن الأردن تستقر فوق بحر من المياه يكفيها لعشرات وربما مئات السنين، ليعود ويتراجع عن هذا التصريح الناري بعد يومين فقط منه.

أما الوزير معتصم سعيدان فقد أظهر حجم الضغوط التي يتعرض لها الوزير في موقعه بما يخالف ويتجاوز كل الممارسات الإدارية والمالية المقرة بموجب تعليمات وأنظمة وقوانين.

لنصل إلى أن يخرج علينا رؤساء الوزارات السابقون بتصريحات خطيرة تؤكد أن الوضع يكاد يخرج عن السيطرة وأنه لا توجد أية مبشرات مستقبلية. وبتناقض الرؤساء في الآراء ما بين سمير الرفاعي وطاهر المصري وعبد الرؤوف الروابدة وفيصل الفايز وعبد الكريم الكباريتي، كما حدث في معارضة المصري لمفهوم الهوية الوطنية الجامعة حيث اعتبرها أكذوبة والتي وردت في أدبيات اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية. كما هو الحال مع الوزير ممدوح العبادي الذي يعارض مخرجات اللجنة الملكية، وكما يعارض الوزير جواد العناني السياسات الإقتصادية – إن وجدت - .

ناهيك عن كثير من المقالات لسياسيين ومتقاعدين برتب عالية يتناولون فيها الأوضاع ومآلات المستقبل القريب للأردن.
الآن يخرج علينا من تم في غفلة تسليمه حقيبة وزارية وورط الحكومة في معظم إن لم يكن في كافة ممارساته وتصريحاته ومقابلاته المرئية، يريد استكمال الاستغفال لأنه لم يجد من يقول له لا سلمت يداك عما اقترفه بحق البلد، هذا الوزير الغفلة أصبح كاتبا وعلى حلقات يريد تعليمنا أبجديات الوطن ..
لقد كثرت الأسئلة التي لم تعد تنتظر حتى الإجابات عنها، فهي أسئلة تحمل إجاباتها في إداناتها وتأشيراتها ومضامينها.

وعندما تتأخر الإجابات عن الأسئلة، فإنها تجيب عن حالها بشكل ذاتي. عندما لا نحصل على إجابة عمن وراء فساد ما سمي قبل 15 عاما بمشروع تدوير الخبز وقبله بطاقات الألو وريفكو وخسائر شركات سوق عمان المالي لصغار وسذج المساهمين، ماذا عن أكبر شفط لأموال المواطنين عبر ما سمي بالبورصة، وهل نسينا الموكب الأسود لأحد أكبر الشافطين لما تدعى بأموال البورصة، ماذا عن أكبر عمليات بيع الوهم في البترا عبر ما سمي بالتبريك والتعزيم والتي تعود لإسم النصاب الذي شفط أموالا طائلة تحت نظر وسمع الجميع.

أما الأسئلة الوطنية الكبرى فقد أجابت عنها كثيرا من الوقائع التي أثبتت صدق ما تناولناه عنها.

لقد وصلنا لمرحلة حاسمة من عدم البحث عن إجابات وعدم طرح أية أسئلة كبرى جديدة.. لأننا تيقنا أنه كلما تم التأشير على فاسد، كلما شاهدنا أحد الإعلاميين أمام المدعي العام، وكلما شاهدنا ارتقاء الفاسد لمراتب أعلى.

إن إقحام جملة " اغتيال الشخصية " ضمن لوائح العقوبات في قانون الجرائم الإلكترونية، هي الشجرة الوارفة المظللة على كثير من الفاسدين الذين لم يعد بمقدور أحدنا التأشير عليهم.

لقد استهلكنا قبل أن ننتج شيئا من مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ويبدو أنهم سيتورثون بلادا لا أسئلة فيها ، فقط إجابات بلا أية أسئلة.

اللهم احفظ الأمة وأزل الغمة .. أعنيهم جميعا تماما ..