هل سيكون اجتماع العقبة عقبة في وجه الانتفاضة الثالثة ؟
تستضيف مدينة العقبة اليوم الأحد 26 فبراير/ شباط 2023، اجتماعا أمنيا برعاية أمريكية، يشارك به مسؤولين سياسيين وأمنيين من الأردن وفلسطين وإسرائيل. ويبدو أن الهدف من هذا الاجتماع هو قف الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي بدأت ملامحها بارزة في الضفة الغربية تحت الاحتلال، من خلال ما سمي ب " مجموعات عرين الأسود " القابلة للانتشار في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد جاء تشكيل مجموعات عرين الأسود، ردا على مجازر الإسرائيليين في جنين ونابلس والقدس الشريف. وحينها لم تتحرك الولايات المتحدة الحريصة على التهدئة، لوقف العمليات الإجرامية التي يمارسها نتنياهو وحكومته المتطرفة، إلاّ بعد أن شعرت بأن الجحيم قادم، من خلال انتفاضة فلسطينية قادمة، تقضّ مضاجع أصدقائها الإسرائيليين.
فالانتفاضة أو المقاومة الشعبية، أو حرب العصابات، أو حرب الأنصار، أو حرب الغوار، كلها مسميات تصب في بوتقة واحدة، هي بوتقة مجابهة العدو المحتل أو المستعمر. ويتم اللجوء لهذا النوع من الحرب من قبل دولة ضعيفة، تواجه عدوا محتلا أو مستعمر أقوى منها، بغرض طرده واستعادة سيادتها الوطنية وكرامتها.
والمقاومة هي نشاط عسكري محدود، شرعتها وأجازتها القوانين والأنظمة الدولية، وهي نقيض للإرهاب الذي ينتهك حقوق الإنسان، ويقوّض الأمن والاستقرار في المجتمعات المدنية. ولكن قد تكون النظرة لرجال المقاومة مختلفة بين الجانبين، ففي حين يصفهم المواطنون بِ ( مقاتلو الحرية )، يصفهم المحتلون أو المستعمرون بِ ( الإرهابيون ) وشتان بين الوصفين.
لقد أثبتت أحداث التاريخ، أن الأوطان التي تُنتهك سيادتها، وتستباح أراضيها من قبل قوات أجنبية، لا يمكن لها أن تتحرر وتستعيد سيادتها وكرامتها، إلا من خلال مقاومة جريئة وفعّالة، يمارسها الشعب على أرضه ضد عدو محتل أو مستعمر. وهناك الكثير من الأمثلة لعمليات المقاومة الشعبية في العالم، التي واجهت المحتلين، واستطاعت بتصميمها وشجاعتها أن تحرر أوطانها، وتحقق استقلالها وسيادتها. وفيما يلي نماذج من عمليات المقاومة في العالم :
1. المقاومة الايرلندية ضد الاحتلال البريطاني، الذي هيمن على ايرلندا منذ عام 1919 واستمر حتى حققت البلاد استقلالها بفعل مقاومة الجيش الايرلندي عام 1949.
2. المقاومة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني، الذي خيّم على أمريكا منذ عام 1707، إلى أن حققت استقلالها بقيادة جورج واشنطن عام 1783.
3. المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، عندما اجتاحت القوات النازية فرنسا، وطلب الجنرال بيتان استسلام فرنسا للنازيين. إلاّ أن الجنرال ديغول رفض الاستسلام، وقاد المقاومة الفرنسية من المنفى في بريطانيا، إلى أن تم دحر قوات الاحتلال النازية، وتحقيق استقلال فرنسا في عام 1945.
4. هيمنت القوات الفرنسية على فيتنام عام 1949، إلى أن تمكنت المقاومة الفيتنامية من تحريرها في عام 1954، بعد معركة ديان بيان فو بقيادة الجنرال جياب. ثم حررتها مرة أخرى من احتلال القوات الأمريكية التي هيمنت عليها من عام 1962 إلى عام 1973.
5. أما في إفريقيا، فقد استعمرت فرنسا الجزائر وهيمنت قواتها على البلاد عام 1830، وتم تحريرها من قبل المقاومة الجزائرية عام 1962، بعد أن قدمت مليون شهيد.
6. وهناك أيضا المقاومة الصينية ضد القوات اليابانية المحتلة، من عام 1937 وحتى عام 1945 حققت بعدها الصين استقلالها.
وبعد استعراض موجز لعمليات المقاومة الشعبية، التي وقعت في بعض دول العالم المحتلة أو المستعمرة، وحررت أراضيها واستعادة سيادتها، سأعود لأذكّر بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، منذ عام 1948 وحتى الآن فأقول :
لقد جرّب العرب ثلاثة حروب رئيسية مع الإسرائيليين لتحرير الأراضي المحتلة لكنهم حصدوا الفشل الذريع وخسروا المزيد من أراضيهم. ثم جرّبوا – ومن بينهم الفلسطينيون – الحلول والاتفاقات السلمية مع المحتلين الإسرائيليين، لأكثر من 30 عاما، ولكنهم حصدوا الفشل مرة أخرى.
ولكن هذا المرة كان الفشل متوّجا بصفقة القرن البغيضة، التي أفقدت الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في العودة لوطنهم، وكرّست القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ومن المؤسف أن بعض المسؤولين العرب شاركوا بصناعة هذا الوضع المحزن.
وهكذا تكون عملية السلام والاتفاقيات السياسية قد وصلت إلى طريق مسدود، ولم يعد أمام الفلسطينيين إلا لجوئهم إلى خيارهم الاستراتيجي الوحيد، وهو الاعتماد على النفس، والسماح بإشعال فتيل الانتفاضة والمقاومة الشعبية غير المخترقة، لتأخذ دورها المقدّس ضد العدو المحتل، وتحرير أراضيهم واستعادة سيادتهم عليها.
يلخص ماو تسي تونج – الأب الروحي لحرب العصابات والمقاومة الشعبية – استراتيجيته في هذه الحرب بالعبارات التالية : "على رجل العصابات أن يكون صلباً كالفولاذ، قاطعاً كالسيف، بطّاشاً كالنمر، هارباً كالأرنب، ومراوغاً كالثعلب. متحدثا لبقا يستطيع أن يتحدث عن قضيته بلباقةٍ تكسبه الأنصار والمؤيدين ".
ومن الجدير بالذكر أن العصابات اليهودية ( الأرجون ، شتيرن، البلماخ، والهاجاناه ) استخدمت هذه الأساليب في قتالها مع العرب، خلال النصف الأول من القرن الماضي في تأسيس دولتهم عام 1948. ثم تحولت تلك العصابات بعد إعلان استقلال الدولة إلى جيش نظامي تحت مسمى " جيش الدفاع الإسرائيلي".
لقد سبق للشباب الفلسطينيين أن طبقوا بالبديهة، معظم شروط حرب العصابات، خلال انتفاضاتهم ضد الإسرائيليين في عقد الثمانينات الماضي. تلك الانتفاضات التي أقضّت أنهكت القوات الإسرائيلية، وكبدتهم الكثير من الخسائر في الأرواح البشرية. الأمر الذي جعل أصواتا من داخل إسرائيل تنادي بالسلام مع الفلسطينيين، إلى أن جاء المنع والقمع من السلطة الفلسطينية، والتوجه إلى المقاومة السلمية لأكثر من ثلاثة عقود، لكنها لم تحقق ألأماني المرجوة.
واليوم على الشباب الفلسطيني في " مجموعات عرين الأسود "، الذين يتدفقون شجاعة ووطنية، إلاّ أن يشهروا انتفاضتهم الثالثة، دفاعا عن أرضهم وقدسهم وكرامتهم، وأن لا يكون " اجتماع العقبة " هذا اليوم، عقبة في طريقهم النبيل يصدهم عن المقاومة، بل الاعتماد يعتمدون على أنفسهم وعدالة قضيتهم، وإيمانهم بأن النصر من عند الله، مصداقا لقوله تعالى :
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).