في الرد على العياصرة .. كمائن النخب لن تزيف الوعي والخطاب التعبوي افضل من الخطاب التيئيسي والانهزامي



كتب باسل العكور - ترددت كثيرا قبل أن أهُمّ بكتابة هذه السطور، لأنني أعرف جيدا أن ما سأقوله لن يفهم على أنه دعوة للمراجعة، أو رغبة في التصويب والتذكير.

كما أنني لست مفتونا بالسجالات والردّ على الآخرين واستعداء الاصدقاء والخصوم، فلست بحاجة لتقديم المزيد من الأسباب للمتربصين والمتصيدين، ولكنني بنفس الوقت ملزم بتقديم الجانب الآخر للصورة، وخاصة أن هناك ندرة في بلادنا في عرض الرأي الآخر في هذه الوقت الحرج والحساس.

لذلك قررت أن أردّ بهدوء على ما جاء في مداخلة النائب السابق عمر العياصرة، متمنيّا أن يتسع صدره لما سأقول..

في تراثنا الفلاحي يقال إن: "الفيلة لمن فالها"، و"قوم بلا جهّال ضاعت حقوقها وقوم بلا عقّال راحو قطايع" بمعنى أننا بحاجة للفريقين معا، وبغير ذلك تضيع الحقوق وتنتهك الحُرمات.. هذان نموذجان بسيطان لأمثال شعبية تربينا عليها على مستوى العائلات التي تنشد العزة والكرامة بين اقرانها من العشائر والحمايل، فما بالك عندما يتعلق الأمر بالوطن والمقدسات والدفاع عن الأشقاء.. وهنا أظن أن النائب السابق عمر العياصرة -وهو من عشيرة أردنية عُرف عن شبابها الفروسية والبأس الشديد- يعرف هذا جيدا وقد تشرّبه منذ نعومة اظفاره ، وأنا شخصيا أعرف في أيّ بيت ربى ..

لا نريد أن نعود إلى جذورنا العربية الأصيلة وإرثهم في البطولة والاقدام وملاحم مواجهاتهم وما كُتب عنها من شعر وأدب ما زال يدرّس حتى يومنا هذا ، لنتذكر -على سبيل المثال لا الحصر- ما قاله زهير ابن ابي سلمى في معلقته المعروفة :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه .. يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

أم عن الاسلام وتعاليمه في السلم والحرب فلا أظن أنني أعلم بها من النائب العياصرة الذي تتلمذ في مدرسة جماعة الإخوان المسلمين قبل ان يتموضع وينحاز لمقاربات أخرى..

أخي عمر: تعرف جيدا انه عندما يعلو صوت الرصاص، لا مجال لفذلكات التعقل وصوت الحكمة والرشد، والمراجعات والتقييم ودراسة الموقف وموازين القوى، فإما ان نلتحق بأقراننا الذين اعتلوا صهوة الدفاع عن الشرف والعرض والأرض والمقدسات، وإما أن نسكت .. إما أن ندعمهم فعلا وقولا تعبويا أو غير تعبوي أو أن نلوذ بالصمت المعيب والمخجل ... فهي معركة إما أن ننتصر بها أو نموت دونها ..

هذه ابجديات تعرفها جيدا وتدرك مدى حاجتنا لها في هذه الازمة الكاشفة..

أخي عمر : عندما كنتَ ضيفا دائما على قناة الجزيرة وانتصرت في مداخلاتك شبه اليومية للأشقاء في قطر في أزمة جرى فيها استهداف قلعة صحفية عربية عظيمة، وهنا اتحدث عن قناة الجزيرة، لم يخرج من أبناء جلدتك من يجلدك ويصف خطابك بالمنحاز والتعبوي، فما الذي يدفعك اليوم للغمز من قناة قامة عسكرية واستراتيجية أردنية بحجم اللواء فايز الدويري الذي برع في تحليل مجريات القتال وكان الأدق في توصيف الأحداث و المتغيرات وملابسات الحرب  ؟!!!

ثم ماذا كنت تتوقع من محلل عسكري عربي أن يقول؟! هل كان عليه أن يتجاهل بطولة المقاومين وبسالتهم وتضحياتهم الجسام؟ هل كان عليه أن يغضّ الطرف عن منجزاتهم العسكرية الميدانية وصمودهم الاسطوري؟!! هل كان عليه ان يمجّد بطولات جيش الاحتلال المزعومة ومنجزاته الاجرامية في قتل المدنيين العزّل وتدمير غزة وتسويتها بالأرض، هل كان عليه ان يحتفي بثبات جيشهم المهزوم وتماسك مجتمعهم المفكك كما فعلت في مداخلتك؟!!

أخي عمر : كيف يصبح ثبات الأشقاء المقاومين في غزة مساهمة في ما وصفته بالخطاب التعبوي ؟!! هذا ربط لم أدرك كنهه أبدا مهما حاولت أن اقرأ سطورك أو ما بينها !! الثبات قد يولّد الأمل، قد يولد العزيمة قد يستجلب موجبات النصر، هذا منطقي، ولكن أن يكون سببا في خطاب تعبوي -والمقصود هنا مضلل وغير واقعي- هذا ما لم أفهمه أبدا !!!

أخي عمر: لا أعرف محللا عسكريا واحدا عربيا أو غربيا أو حتى صهيونيا أشاد بثبات الاسرائيليين في هذه الحرب التي يلقي بها جيشهم الانكشاري -عن بعد - آلاف الأطنان من القنابل على بيوت وخيام المدنيين العزّل، ويستخدم فيها سلاح التجويع والتعطيش ومنع دخول المساعدات كأداة لإيذاء الخصم واضعافه ودفعه للاستسلام، ويقوم فيها بقصف وجرف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والجامعات ومراكز الإيواء والصحفيين وعمال الإغاثة ..

أخي عمر: هل يمكننا ان نقول  ان المجتمع الاسرائيلي قد تصالح مع  فكرة قبول سقوط قتلى من صفوف جيشه في هذه الحرب ؟ ماذا عن الخلافات التي نتابع يوميا بين قادته السياسيين والعسكريين ومئات المظاهرات الاحتجاجية التي تطالبهم بوقف الحرب لارتفاع كلفها البشرية ورغبتهم بعودة الأسرى بأي ثمن؟ 
- أما عن سؤال الناس عن الجيوش العربية ، فهذا سؤال مشروع في الحالتين اللتين أوردتهما بمداخلتك..

أخي عمر: اسألك عن ماهية المراجعات والتقييمات التي طالبت بها، بعد هذا "الثبات الملحمي لجيش الاحتلال" وبعد الأضرار التي خلفها جيش الاحتلال في الأرواح والبنى التحتية؟! هل يتضمن هذا السؤال دعوة لاستسلام المقاومة وقبولها بالشروط الاسرائيلية دون قيد أو شرط كما فعلت اليابان في الحرب العالمية الثانية؟!! هل نولّي الادبار لهذا العدو المجرم الجبان بعد كل ما ارتكبه من جرائم وابادة وتهجير وتنكيل؟َ!

وأخيرا، صحيح أننا جميعا في ورطة، والسؤال الذي يفترض أن نجيب عليه هو: كيف علينا أن نتصرف في الأردن، لندرأ هذا الخطر المحدق، ونوقف تدحرج هذه الأزمة إلينا؟

وتاليا تفريغ لمداخلة النائب السابق عمر العياصرة :


قال العياصرة في مقابلة متلفزة مايلي :

مرات بتطلع ع اسرائيل، في عزّ الحرب بختلفوا، احنا بنختلفش، بنطبطب على بعضنا شوي، وبما أننا في قاعة مكيّفة، الخطاب التعبوي تبع الدويري بدنا نتجاوزه شوي. نحكي بعقل بارد، ونختلف، نختلف أو نتفق مش مهم، بس بالأخير ما نخوّن بعضنا ونحاول نقرأ المشهد كما هو. يعني هذه واحدة من الأشياء اللي يجب أن يتبنّاها المسيسين والمثقفين والقارئين.

قصة التعبئة احنا متفقين عليها، لازم نحكي خطاب تعبوي على الشاشات على أساس إنه ثبات الاخوان في غزة ساهم فيه هذا الخطاب التعبوي بشكل كبير، ناهيك عن بطولتهم. ولكن أيضا هناك ثبات غير مسبوق لإسرائيل، من كان منّا يعرف في العلم العسكريتاريا أن اسرائيل ستحارب كلّ هذه المدة الطويلة وبهذا الشكل، من كان منّا يتوقع أن اسرائيل مجتمعا وساسة وجيشا سيتصالحون مع قتلاهم؟ هذا الكمّ الكبير من القتلى.

بتتذكروا أول بداية الحرب البرية؟ لما ضربوا الميركفاه المقاومة في أول يوم وكان هناك (11) قتيلا اسرائيليا، وفي معارك أخرى قد تتوقف هذه المعركة، بمعنى أن علينا أن نقرأ الأمور بطريقة صحيحة.

أنا بتقديري أن 7 اكتوبر له ما له وعليه ما عليه، وجردة الحساب هذه يجب أن يكون معي فيها أولا الفلسطيني والمقاومة بدرجة كبيرة، ولا بدّ أن تكون محدّثة بشكل يومي "ابديتد" لأن القرارات رح تكون مرتبطة بهذا التقييم الموضوعي، وهم أدرى بحجم الضرر على البعد العسكريتاري.

المعركة ليست كلّها كمائن، جانب من جوانب المعركة حالة الكمائن، لكن هناك بنية تحتية دُمّرت، حاضنة اجتماعية دُمّرت، عنا (2) مليون اليوم يهيمون على وجوههم، قبلت أم لم تقبل، رفضت أم لم ترفض، فإننا نقدّم خطابا مزدوجا، إذا ضربت الميركفاه قلنا هذا الجيش الذي ضربها خير من كلّ الجيوش العربية وين الجيوش العربية؟، وإذا هُدمت عمارة قلنا أين الجيوش العربية الخائنة الخائرة؟ أيضا هذا الخطاب بحاجة إلى تظهير؛ حتى نفهمه كيف ولماذا؟ كلّ هذه الأسئلة يجب أن تُطرح على الذهنية.

أنا برأيي أن 7 اكتوبر أدخلت كلّ الأطراف في ورطة بلا استثناء، كلّهم متورطون، انساك الساعة 9 الصبح كيف شعرنا بالنشوة وكيف لطمنا اسرائيل على مناخرها، بالأخير اسرائيل في ورطة، وتعيش ورطة الخيارات وكيف تعمل ولا تزال تعيش قصة فورة الدم بطريقة أو أخرى، واسرائيل لن تذهب إلى هدنة ما دامت لم تقرر اليوم التالي أو المشروع السياسي، حتى العسكريتاري تبعها "الجيش" بشكو أنه اليوم أنا بشتغل بدون مشروع سياسي ولا أدرى إذا كان المشروع السياسي تحت الطاولة أم فوق الطاولة كامل، لكن عليك أن تدرك أن الجميع في ورطة، مصر في ورطة نحن في ورطة، فلسطين في ورطة، الولايات المتحدة في ورطة، ايران وحزب الله في ورطة، المقاومة في ورطة، وليس معنى ذلك أنني أرى الورطة لها تقييم سلبي، قد تكون ايجابية، قبل 7 اكتوبر كنا في حالة لا حرب ولا سلام، واليوم يقتل الفلسطيني وقصة الاستيطان قاعدة بتاخذ مداها، فكان لا بدّ من حركة ربما كانت أكبر وأقسى مما توقعه الاسرائيلي وربما كانت غنيمتها أكبر مما توقعنا، لكن في النهاية كان لا بدّ أن يحدث هذا الحدث. الحدث تمّ وانتهى، لكن علينا أن نقرأ النتائج بطريقة صحيحة.