يا حسرة القلب الخامسة يمه...
شوفاتهم بالدروب ولا حسراتهم بالقلوب، شعار لا يعلم صدق ما فيه إلا الأم
من أجل ذلك كمْ تمنت أمي أن تكون أول من يسبقنا إلى دار الآخرة وكان لها ذلك...
كانت تعلم أن قلبها لا يحتمل وجع الفراق فترددها -ليل نهار- ربي لا يشعثكم يمه وأنا عايشه، والشوكة إلى بدها تدقكم قبل ما تصيبكم تيجيني بوسط عيني (صبي عيني)...
كانت تتبسم عندما تسمع أحدا يتحدث عن تعب الأولاد ومشاكلهم وتربياتهم، فتقص لنا وهي تضحك كيف كانت ولادة أخي المهندس حيدر كانت ولادته عكسية لا بل من الخاصرة حيث علقت إحدى رجليه وتمددت داخلها رافضة الخروج، وتعرج على أخي الدكتور يونس وتقول أبا صهيب الأسهل فيكم كان والاسهل ولادة ، وتتحدث عن قريد العش الدكتور عبد الله وكمْ وزعت جدتي -عليها رحمة الله (حلو لأجله) ولا يخلو الحديث عن حضرتي حيث رفضت الخروج إلى الدنيا فأتعبتها يوما كاملا من ألم المخاض حتى خرجت صارخا، ومنذ يومي الأول وأنا على هذا النهج شغل مشاكل وصياح وقدارة.
كانت تقول أولادي ما حملتهم ببطني، حملتهم على رأس قلبي، فيا لهذا القلب كمْ تحملت وكمْ أعطيت وصبرت وكمْ آثرتنا على نفسك ورضيت دون كلل أو ملل!!!
رحلت أمي بكل بهجتها ووقار مجلسها وبما يليق بسيدة عظيمة أدت أمانة الحنان والحب قبل رسالة الأم، رحلت ولم يبق معي من طهرها إلا مشطها الأسود والقليل من شعر مفرق رأسها، سأظل أتلمسه كلما أرتعد قلبي وأمسح بحنانه شعر ابنتي( فرح) التي لم تراها علها تأخذ جزءا من حنان قلبها الصادق..
لم تكن أمي تحفظ القرآن عن ظهر قلب، ولا تعرف القراءات السبع ولكنها كانت تحب الله ورسوله، أحبت لقاء الله، فأحب الله لقاءها، وماتت راضية مرضية...
قيل إن بساطة العجائز في أمور حياتهن جعلتهن يتقبلن الأمور دون مساءلة، والمقصود به الإيمان الذي فطرهن الله عليه، والذي ليس فيه شك أو رياء أو تناطح...
إيمان العجائز كامل التسليم والقبول لما جاء عن الله وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
عندها تذكرت مقولة: «اللهم ارزقنا إيمانا كإيمان العجائز»، هذه الكلمة التي تقال تعبيرا عن بساطة تصور التوحيد، وأن العجوز لا تحتاج إلى دليل على الوحدانية، فلما آمنت بأن الله واحد قادر خالق يجازي بكرمة، فعملن بما يحقق ذلك في حياتهن، ولم يقبلن أي نقاش في ذلك
كإيمان العجائز يا رب فلا قلق ولا كذب ولا نفاق، لا تهويل ولا عويل ولا رياء!!
كإيمان العجائز يا رب فأنت القريب المجيب، القادر، العالم، الرحمن، الرحيم.
كإيمان العجائز يا رب، وهذا التدين البسيط البعيد عن التعقيد، وعنوان رسالة الأنبياء، ومطلب كل مصلح وداعية.
اللهم في هذه الأيام المباركة ارحم أمي برحمتك الواسعة، فأنت تعلم أنها كانت تحبك وتحب نبيك وتجتهد في طاعتك، اللهم آمين، اللهم آمين، إنك على كل شيء قدير...