هل يهدد قانون الجرائم الإلكترونية مستقبل الديمقراطية في الأردن؟
وفقًا للتقرير المنشور على موقع "jo24" حول التعديلات الجديدة على قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن، يُثار جدل كبير حول تأثير هذا القانون على الحريات العامة وحرية التعبير، مما يدفعنا للتساؤل: هل يهدد قانون الجرائم الإلكترونية مستقبل الديمقراطية في الأردن؟
لقد تحول قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن من أداة تهدف إلى حماية المجتمع من التهديدات الرقمية إلى وسيلة لتقييد حرية التعبير وتكميم الأصوات الناقدة. كان من المفترض أن يكون هذا القانون سلاحاً فعالاً ضد الجرائم التي تهدد الأمن الوطني، إلا أن التطبيق الفعلي له أثار قلقاً كبيراً بشأن تأثيره على الحريات العامة، خاصة حرية التعبير. هذا الواقع يثير أسئلة جادة حول مستقبل الديمقراطية في الأردن في ظل هذه التعديلات.
يعد الدستور الأردني الضامن الأول لحرية الرأي والتعبير، حيث ينص على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم في حدود القانون. ولكن مع القيود المشددة التي يفرضها قانون الجرائم الإلكترونية، باتت ممارسة هذا الحق أمراً محفوفاً بالمخاطر. هذا التضييق أدى إلى تراجع سمعة الأردن على المستوى الدولي، حيث أظهرت تقارير حقوقية انخفاضاً في ترتيب الأردن في مؤشرات حرية الصحافة وحرية التعبير. هذا التراجع يشكل عائقاً أمام جهود الدولة لتقديم نفسها كدولة تسعى نحو الانفتاح والإصلاح السياسي.
تأتي هذه القيود في وقت تواصل فيه القيادة الأردنية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني، الدعوة إلى تعزيز الحريات وضمان حقوق المواطنين. الدعوات الملكية للإصلاح السياسي وإجراء انتخابات نزيهة تسعى لبناء ديمقراطية حقيقية. لكن ما يحدث في الواقع من تقييد لحرية التعبير عبر قانون الجرائم الإلكترونية يقوض تلك الجهود، ويؤثر سلباً على الاستقرار السياسي. إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار الحقيقي إلا في مجتمع حر، حيث يستطيع المواطنون التعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف.
الخطر الذي يمثله هذا القانون لا يقتصر على الصحفيين أو الناشطين السياسيين فقط، بل يمتد ليشمل كافة المواطنين. مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة رئيسية للتعبير عن الآراء، يخشى المواطنون من الملاحقة القانونية لمجرد تعبيرهم عن رأيهم في قضايا عامة. هذا الخوف يؤدي إلى خلق بيئة من الرقابة الذاتية، حيث يمتنع الكثيرون عن المشاركة في النقاشات العامة خشية التعرض للمساءلة القانونية، مما يضعف النقاش المجتمعي والسياسي في البلاد.
إلى جانب ذلك، يعزز القانون الجديد الرقابة على الإنترنت ويقيد حرية الوصول إلى المعلومات، مما يحد من قدرة المواطنين على الاطلاع على مصادر متنوعة ويفرض سيطرة الدولة على المحتوى المتاح. هذا التقييد يشكل تهديداً خطيراً لحرية الوصول إلى المعلومات، ويؤدي إلى تقليل التنوع الإعلامي، وهو أحد أهم أركان الديمقراطية.
التداعيات الاقتصادية لقانون الجرائم الإلكترونية لا تقل أهمية عن التداعيات السياسية. قطاع التكنولوجيا والابتكار في الأردن يعتمد على حرية الوصول إلى الإنترنت وتبادل الأفكار والمعلومات. القيود الجديدة قد تدفع المستثمرين إلى الهروب من السوق الأردني، مما يحد من فرص العمل في قطاع التكنولوجيا ويقلص الابتكار.
دولياً، تعرض هذا القانون لانتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي. يُنظر إليه على أنه انتكاسة لمسار حقوق الإنسان في الأردن، مما قد يؤثر سلباً على علاقات الأردن مع الدول الغربية والمنظمات الدولية الداعمة للإصلاحات السياسية والاقتصادية.
ختاماً، يقف الأردن عند مفترق طرق بين الحفاظ على الأمن الوطني وضمان الحريات العامة. في حين ترى الحكومة أن قانون الجرائم الإلكترونية ضروري لمواجهة التحديات الرقمية، فإن نشطاء حقوق الإنسان يرونه تهديداً خطيراً للحريات الديمقراطية. لذلك، يجب مراجعة هذا القانون وتعديله ليكون متماشياً مع حقوق المواطنين الدستورية والالتزامات الدولية للأردن، ولتعزيز مسار الديمقراطية في البلاد.