jo24_banner
jo24_banner

العقلية الانتقامية .. انحياز للحقبة العرفية و اضرار بروحية الدولة

العقلية الانتقامية .. انحياز للحقبة العرفية و اضرار بروحية الدولة
جو 24 :

تامر خرمه - سياسة التفرد في القرارات والانجرار وراء الاجراءات الانتقامية عبر ردود أفعال تتسم بالشخصنة، باتت سمة تهيمن على منطق الإدارة العامة في معظم مفاصل ومؤسسات الدولة، حيث تفرض سياسة التسلط نفسها على منطق الأمور في تلك المؤسسات.


ويستمر نهج معاقبة النشطاء ليكشف عن تلك الذهنية التي تستند إليها قوى الشد العكسي في مساعيها الرامية إلى تقويض العمل المؤسسي بالمصالح الذاتية الضيقة، ما من شأنه إفراغ الدولة من مضامين العقد الاجتماعي وتحويل العلاقة بين السلطة والمواطن إلى مجرد علاقة ندية تتضارب فيها المصالح.


وفي الكثير من المؤسسات، بات من يقترب من مطالب الإصلاح يصطدم بسياسة الفرد المتسلط المناوئ للمطالب الشعبية، بصلاحياته المطلقة التي يستثمرها لشخصنة المسائل والإمعان في إجراءات انتقامية تتمثل بالطرد والنقل والفصل التعسفي والإحالة إلى التحقيق وغير ذلك من أشكال تحريف جوهر الاجراءات الانضباطية وتحويلها إلى اداة للقمع والإقصاء والمعاقبة .


هذه الاجراءات الانتقامية ليست امرا طارئا على دوائر الإدارة في الدولة الاردنية، كما سبق وأن تم اتخاذ مثل هذه الإجراءات بحق عدد من المعلمين في بدايات حراكهم قبل نحو عامين، حيث تمت إحالة نشطاء حراك المعلمين آنذاك إلى الاستيداع في إجراء انتقامي ومحاولة للحيلولة دون تحقيق مطالبهم بانتزاع نقابتهم.


غير أن الأمور تفاقمت في عهد رئيس الوزراء فايز الطراونة الذي يلوح بالقبضة الامنية تارة وبالعودة لقانون الطوارئ تارة أخرى، في محاولة لفرض وجهة النظر المناوئة للإصلاح عبر سياسة الترهيب التي ما عادت صالحة للاستهلاك الشعبي.


وفي هذا الصدد يقول المفكر اليساري د. هشام غصيب "إن الطراونة يحاول العودة للأساليب القديمة التي كان ينتهجها النظام الأردني خلال مرحلة الأحكام العرفية، حيث كان يتم تحويل حياة الناشط السياسي إلى جحيم، إثر محاصرته اجتماعيا، وليس في نطاق عمله فحسب".


ويضيف: "غير أنه ما عاد من الممكن العودة إلى الوراء، كما ان هذه السياسات ستفاقم حالة السخط الشعبي، بعد ان تآكلت هيبة الدولة، ما يفاقم الشرخ بينها وبين المواطنين".


وينتقد غصيب هذه السياسات، متسائلا: "هل يريدون دفع الأوضاع لمرحلة الانفجار؟!".


وفي سياق الاجراءات الانتقامية التي يتم اتخاذها بحق نشطاء الحراك، قرر وزير التنمية الاجتماعية وجيه عزايزة نقل الناشط علاء محمود الموظف في التنمية منذ العام 2008 إلى مديرية تنمية الهاشمية دون علمه، رغم وجود تعميم ينص على عدم النقل الا بعلم الموظف وموافقته.


هذا الإجراء التعسفي جاء كردة فعل على مشاركة علاء في اعتصام الأيتام وتضامنه مع قضيتهم، والغريب انه موظف فئه ثالثة، ما يعني أن نقله يقع ضمن صلاحيات امين عام الوزارة، غير أن كتاب النقل كان مذيلا بتوقيع الوزير، دون وجود أي إيضاح للاسباب الموجبة لنقله.


ويقول علاء في شكوى أرسلها لـ jo24 "كنت اواجه بعض الضغوطات داخل العمل، كما سبق وأن تم نقلي لمديرية تنمية الزرقاء بعد شكاوى من قبل بعض المسؤولين في عهد هاله لطوف وكان النقل حماية لي مما تعرضت له من تهديدات.. والآن أعيد نقلي إلى نفس المنطقة".


هذا المنطق في التعامل مع النشطاء عكسته أيضا قرارات وزير الزراعة أحمد آل خطاب، الذي ما لبث أن أصدر قرارا بمعاقبة المهندس رائد العدوان بإيقافه عن العمل وإحالته إلى التحقيق إثر قيامه بكشف ملفات تتعلق بقضايا فساد، حتى قرر الوزير نقل العامل محمد السنيد الى مديرية زراعة الزرقاء وتغيير مسماه الوظيفي الى عامل زراعي، بعد ان كان يعمل في محطة الوالة الزراعية التابعة للواء ذيبان فني تشغيل ابار، وذلك على خلفية نشاط السنيد الاخير في اعتصام عمال المياومة امام وزارة الزراعة الذي طالب فيه بتحويل العمال وفق اقدمية التعيين وليس وفق الواسطة والمحسوبية.


سياسة القبضة الأمنية عبرت عنها حكومة الطراونة عبر قمع العديد من الفعاليات، وإطلاق يد الاجهزة الأمنية التي وصل بها الأمر إلى تعذيب الأطفال في السلط، ناهيك عن احداث الدوار الرابع واعتقال النشطاء السياسيين والتنكيل بهم في المراكز الأمنية، حيث لايزال الناشط سعود العجارمة قابعا في الزنازين الانفرادية.


وكذلك الاعتداء على الأيتام خلال فض اعتصامهم بالقوة قبل تسييج الدوار الرابع، في محاولة يائسة لصم الآذان عن المطالب الشعبية.


ويستمر مسلسل تصفية الحسابات في تشويه ملامح الإدارة والعبث بمصير "رعايا" الدولة تحقيقا لرغبات شخصية وإمعانا في فرض وجهات النظر المتناقضة مع طموحات الشارع الأردني، في ظل غياب الدور الرقابي والتشريعي للمجلس النيابي، وإمعان مراكز القوى في تغولها على مختلف دوائر صنع القرار.. ما ادى إلى فقدان المواطن لثقته بالدولة، والاختباء خلف عائلته وعشيرته علها تحقق له الأمان، وذلك على حساب الانتماء للدولة التي تخلت عن دورها في الرعاية الاجتماعية، بعد أن تمت شخصنة مؤسساتها، ما أسهم في تفشي العنف المجتمعي دون ان يعلم أحد إلى أين قد تؤول الامور.


هذا ما يؤكده د. خالد كلالدة، الأمين العام السابق لحركة اليسار الاجتماعي، ويقول: "إن المواطن ينكفئ على هويته الفرعية نتيجة للتعسف في استعمال السلطة"، منتقدا الإجراءات الانتقامية التي تمارسها السلطة عبر "العودة للأسلوب القديم الذي كان سائدا في مرحلة الأحكام العرفية".


ويتابع كلالدة: "يبدو ان من يمسكون بزمام الأمور لا يريدون تغيير هذه العقلية العرفية، الامر الذي من شأنه تأزيم الأوضاع ونقل الأردن لمراحل صعبة".


كما يدين المهندس هشام النجداوي، الناطق الرسمي باسم حزب البعث الاشتراكي، هذه السياسات التي تعيد إلى الأذهان حقبة الاحكام العرفية، "حيث كانت الاجهزة الامنية تنتقم من النشطاء عبر منعهم من العمل والسفر".


ويقول: "حرية الرأي والتعبير من خلال الحراك الشعبي السلمي أمر كفله الدستور، ومن حق المواطنين أن يدافعوا عن كرامتهم ومطالبهم بغض النظر عن وظائفهم واماكن عملهم".


ويدعو النجداوي المتضررين من هذه السياسات والاجراءات الانتقامية للجوء إلى مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان لإنصافهم".

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير