حمى النفط وأحلام الثراء
عمر كلاب
جو 24 : ظلّ سؤال النفط سؤالا وجوديا في الاردن يقترب لحظة ويبتعد لحظات , وبات الاردنيون على احلام لبس الدشداشة البيضاء بدلالتها النفطية كثيرا وغازلت السيارات الفارهة احلامهم اكثر , فالمنطقة التي تجاور النفط من كل الجهات والتي تقع فيها اخفض منطقة في العالم لم يتسرب النفط اليها حتى لو من قبيل الانخفاض الجغرافي , فظلّ الاردن نهاية الاقليم النفطي وبداية الاقليم البشري , وظل حلمه يقترب ويبتعد وفقا لمزاج بعض العاملين في قطاع المصادر الطبيعية , فخلال جلوسهم على المقعد الرسمي اكدوا عدم وجوده لكن سرعان ما انقلبوا على نفيهم بعد الخروج .
اليوم تعود قصة النفط الى اسئلتها الحرجة بعد شهادة نائبين بأنهما تلقيا عرضين متناقضين , احدهما للتصويت على الاتفاقية والاخر لرفضها , حيث يناقش النواب اتفاقية للتنقيب عن النفط في وادي عربة تقوم بها شركة كورية جنوبية لم يُعرف عنها خبرات مميزة في هذا المضمار رغم انها قامت بتقديم الكفالات اللازمة لحسن التنفيذ , وتطورت النقاشات الى اتهامات اكثر عمقا من حديث النائبين , فعالم النفط محكوم للغرب ومجرد التفكير الاسيوي بهذا المضمار يثير قلق الشركات الغربية العملاقة التي تحتكر هذا المجال .
النفط لا ينتظره الاردنيون للتخلص من فاتورة الطاقة التي ارهقت الموازنة وارهقت جيوبهم على التساوي , فهو ليس مجرد فاتورة مالية ترهق كاهلهم وكاهل دولتهم , بل حلم اقتصادي ينقل المجتمع برمته الى خانة الاثرياء بسرعة ووقار , ولعل اكثر الاحلام التي تراود الاردنيين هي احلام الثراء السريع وقصص البورصات الوهمية وانغماسهم فيها دليل ساطع على شدة ومضاءة هذا الحلم الافتراضي الذي لا يغادر العقل الجمعي الوطني , وكثيرا ما يجمح الخيال الشعبي في تفسير اسباب عدم اكتشاف النفط في الاردن وتراوح الخيال بين القرار الغربي المانع لاستخراجه وبين تصديق فكرة عدم وجوده ومن يستمع الى القصص الشعبية عن خروج النفط الى العلن ومن ثم اغلاق الابار يرسم الاف الاجوبة ويطرح الاسئلة بنفس العدد .
المزاج الوطني الاردني يرى في نفسه حالة متقدمة على كل الاقليم ويعتقد ان تصديره للنفط البشري عبر مساهمته في بناء الاقليم تعليميا وتجاريا واداريا وطبيا , يمنحه الاحقية في ان يكون النفط داخل اراضيه ولذلك رسم ما رسم , ناسيا ان غياب النفط هو الذي انتج هذه الشخصية الوطنية العابرة لكل الازمات والصانعة لقصة نجاحها من ضيق , فالازمات وضيق اليد هي التي انتجت الصلابة الوطنية ومنحت الشخصية الاردنية صلابتها وتجربتها المتفردة في الاقليم , وانحاز شخصيا الى حلم عدم وجود النفط للحفاظ على هذه الميزة النسبية .
سؤال النفط واحلامه ستبقى حاضرة وستجد مئات المنافذ للخروج طالما بقيت الشفافية غائبة عن ملف النفط في الاردن يعزز ذلك الحضور الكثيف المفاجئ لشركات التنقيب ثم الرحيل المباغت لها , فحادثة رحيل شركة بريتش بترليوم فتح بوابة الاسئلة بدل اغلاقها , وكلما اوغلت الجهات الفاعلة والرسمية في الصمت ستكثر الاسئلة وسترتفع حمى النفط في الاردن بشكل سلبي بحيث تزداد مساحة الشك والريبة بالقرار الرسمي ويزداد المواطن تحليقا في الخيال .
ملف الطاقة يضغط على العصب الوطني اقتصاديا ولا نريد له ان يصبح ضاغطا على العصب الاجتماعي ويفرز خيالات مرضية عند المواطن والعلاج بالشفافية وبسط الحقائق امام الجمهور فوجود النفط عامل سعادة وغيابه سيدفعنا الى ترتيب الاوضاع دون حضوره الذي لا اتمناه حتى نبقى كما نحن اقوياء بذاتنا وبعلمنا وبحرصنا على هذه الارض الطيبة التي تتسع لكل ملهوف .الدستور
اليوم تعود قصة النفط الى اسئلتها الحرجة بعد شهادة نائبين بأنهما تلقيا عرضين متناقضين , احدهما للتصويت على الاتفاقية والاخر لرفضها , حيث يناقش النواب اتفاقية للتنقيب عن النفط في وادي عربة تقوم بها شركة كورية جنوبية لم يُعرف عنها خبرات مميزة في هذا المضمار رغم انها قامت بتقديم الكفالات اللازمة لحسن التنفيذ , وتطورت النقاشات الى اتهامات اكثر عمقا من حديث النائبين , فعالم النفط محكوم للغرب ومجرد التفكير الاسيوي بهذا المضمار يثير قلق الشركات الغربية العملاقة التي تحتكر هذا المجال .
النفط لا ينتظره الاردنيون للتخلص من فاتورة الطاقة التي ارهقت الموازنة وارهقت جيوبهم على التساوي , فهو ليس مجرد فاتورة مالية ترهق كاهلهم وكاهل دولتهم , بل حلم اقتصادي ينقل المجتمع برمته الى خانة الاثرياء بسرعة ووقار , ولعل اكثر الاحلام التي تراود الاردنيين هي احلام الثراء السريع وقصص البورصات الوهمية وانغماسهم فيها دليل ساطع على شدة ومضاءة هذا الحلم الافتراضي الذي لا يغادر العقل الجمعي الوطني , وكثيرا ما يجمح الخيال الشعبي في تفسير اسباب عدم اكتشاف النفط في الاردن وتراوح الخيال بين القرار الغربي المانع لاستخراجه وبين تصديق فكرة عدم وجوده ومن يستمع الى القصص الشعبية عن خروج النفط الى العلن ومن ثم اغلاق الابار يرسم الاف الاجوبة ويطرح الاسئلة بنفس العدد .
المزاج الوطني الاردني يرى في نفسه حالة متقدمة على كل الاقليم ويعتقد ان تصديره للنفط البشري عبر مساهمته في بناء الاقليم تعليميا وتجاريا واداريا وطبيا , يمنحه الاحقية في ان يكون النفط داخل اراضيه ولذلك رسم ما رسم , ناسيا ان غياب النفط هو الذي انتج هذه الشخصية الوطنية العابرة لكل الازمات والصانعة لقصة نجاحها من ضيق , فالازمات وضيق اليد هي التي انتجت الصلابة الوطنية ومنحت الشخصية الاردنية صلابتها وتجربتها المتفردة في الاقليم , وانحاز شخصيا الى حلم عدم وجود النفط للحفاظ على هذه الميزة النسبية .
سؤال النفط واحلامه ستبقى حاضرة وستجد مئات المنافذ للخروج طالما بقيت الشفافية غائبة عن ملف النفط في الاردن يعزز ذلك الحضور الكثيف المفاجئ لشركات التنقيب ثم الرحيل المباغت لها , فحادثة رحيل شركة بريتش بترليوم فتح بوابة الاسئلة بدل اغلاقها , وكلما اوغلت الجهات الفاعلة والرسمية في الصمت ستكثر الاسئلة وسترتفع حمى النفط في الاردن بشكل سلبي بحيث تزداد مساحة الشك والريبة بالقرار الرسمي ويزداد المواطن تحليقا في الخيال .
ملف الطاقة يضغط على العصب الوطني اقتصاديا ولا نريد له ان يصبح ضاغطا على العصب الاجتماعي ويفرز خيالات مرضية عند المواطن والعلاج بالشفافية وبسط الحقائق امام الجمهور فوجود النفط عامل سعادة وغيابه سيدفعنا الى ترتيب الاوضاع دون حضوره الذي لا اتمناه حتى نبقى كما نحن اقوياء بذاتنا وبعلمنا وبحرصنا على هذه الارض الطيبة التي تتسع لكل ملهوف .الدستور