الوظيفة العامة والأمن الوظيفي للموظف
المحامي الدكتور جودت مساعدة
إن الوظيفة العامة تحتاج لإصلاحها وتطويرها إلى سياسات وخطط واضحة المعالم ووقت كافٍ ومبرمج ومعقول يقوم بإعداده وتنفيذه أشخاص مؤهلين قادرين لإعادة هيبة الدولة وثقة المواطنين فيها, وذلك بعد أن يتم إعداد وتهيئة البنية التحتية لعملية وتشخيص المشاكل والأمراض الوظيفية ومعرفة أسبابها وتحديد الأدوات والأساليب الوقائية والعلاجية لها, والتي يجب أن تكون هذه الأدوات من بين الموظفين الذين تتوافر لديهم الكفاءة والمعروف عنهم النزاهة والانتماء والولاء والحياد الوظيفي, ويكون هدفهم خدمة الوطن أولاً وعاشراً, مع الإشارة إلى أن التغيير لا يتم بقانون فحسب, بل لا بد أن يصاحب ذلك تغيير وتعديل في العقليات والأذهان والنفوس والسلوك, سواء بالنسبة للمخاطبين بالقانون أو القائمين على تطبيقه, وأنه لا قيمة لأية تشريعات أو سياسات أو برامج أو خطط توضع لحل هذه المشاكل, إذا لم تكن قابلة للتطبيق والتنفيذ يتم البدء بالعمل بها وتفعيلها وتطبيقها, أو كانت تخلو من الإرادة والتحدي أو كانت أدواتها عاجزة ومترهلة وغير قادرة على تحقيق ذلك, كما يجب لكل من يتصدى لعملية الإصلاح للوظيفة العامة والتي هي مهمة وطنية مقدسة, أن يكون موضع إطمئنان لدى الجميع وأن يكون ذو ماضٍ نظيف ومن أصحاب الأكف النظيفة الطاهرة وبعيداً عن الشللية والجهوية والقبلية والطائفية والتأثيرات والمؤثرات بأشكالها وأنواعها وصورها المختلفة, وأن يعمل من خلال الوسائل والأدوات القانونية ومراقبة القضاء, على استئصال الأمراض الخبيثة والمؤثرة في مؤسساتنا الحكومية وهي الواسطة والمحسوبية والتخطي والتجاوز بالترفيعات والتعسف بالتنقلات والتعامل معها بشكل انتقائي وانتقامي وغيرها وأن لا ينحني إلا للوطن والقانون, وأن يتم العمل بجدية وبقوة وبثقة للتخلص من ظاهرة الفساد والفاسدين بالوظيفة العامة بعدل وبعيداً عن الظلم, حيث أن أشد أنواع الفساد التي يمارسها بعض المسؤولين ليس تزييف الفواتير بل تزييف الآراء وتزيين القبيح وتشويه الجميل تزلفاً وتقرباً للرئيس أو الرؤساء وذلك طمعاً في المزيد من المال أو الجاه, وهذا النوع من الفساد الأخلاقي المستشري بالوظيفة العامة على مختلف درجاتها وممن يرفعون رايته يحصلون على مكافأة لا مكافحة ولا ملاحقة قضائية, وإن الفساد بالرأي المزور أشد خطراً وخطورة من الفساد بالمال ويتوجب مكافحة هذا النوع قبل مكافحة الفساد المالي, وتطبيق أخلاقيات وسلوكيات الوظيفة العامة حقاً وصدقاً وترتيب جزاءات رادعة على من يخرج عليها ويرتكب الخطايا والآثام بحق الوظيفة والمجتمع على حدِ سواء, كما لا بد من الإشارة إلى أن القادة الإداريون الأقزام يختارون مرؤوسين أقصر منهم ليظهرو في جانبهم بحجم العملاق ويطمئنون للموظفين الصغار بتصرفاتهم وأخلاقهم ولا يطيقون ولا يتقبلون الموظفين الكبار بأخلاقهم وجدارتهم ويستريحون لكل صغير ووضيع ويبعدون كل موظف كفؤ, فإذا شغرت وظيفة كبيرة مهما كانت تسميتها وارتباطاتها بسلم الهرم الإداري بحثوا عن أضعف المرشحين فاختاروه لها, لأنه بإعتقادهم أن الأكفياء خطر عليهم وأن الصغير والوضيع يحميهم من كشف خطاياهم وآثامهم, ولا يشكل خطراً عليهم بل يتستر على عوراتهم وخطاياهم.
وأخيراً, لا بد من التذكير أن إدارات الدولة يتوجب أن تكون رشيقة وأن يتم التوقف عن التصفيات للموظفين الأكفياء والإبتعاد عند إصدار القرارات عن الظلم والإنتقائية والإنتقامية وبذات الوقت التخلص من الترهلات الإدارية والأمراض الوظيفية التي تنخر مفاصل متعددة بالدولة وهذا يحتاج إلى تنظيف وتطهير أجهزة الدولة من القيادات غير الكفؤة أو المنحرفة أو المتسلقة أو حملة المباخر أو التي وصلت إلى مواقعها في جنح الظلام وبطرق ملتوية واستبدالها بقيادات كفؤة ومخلصة تعيد الروح إلى الجسم الإداري للدولة والذي نهشته وتنهشه الأمراض والاوبئة الوظيفية والتركيز على النوع وليس على العدد وهذا لا يتحقق إلا من خلال مراجعة ملفات الموظفين وإعادة تقييم أدائهم وإنجازاتهم وذلك على إختلاف درجاتهم ومسمياتهم الوظيفية بحيادية ومهنية وتطبيق قاعدة الثواب والعقاب على الجميع وبعدالة وبدون استثناء وصولاً إلى إدارات كفؤة ورشيقة وعادلة, والتي بها تعكس الصورة الحقيقية للدولة ويتولد عنها تجذير الولاء والإنتماء الوطني والشعور بالإطمئنان لدى الجميع رؤساء ومرؤوسين ومواطنين ومستثمرين وغيرهم, وأن تخضع جميع أعمالها لرقابة القضاء والذي هو عنواناً لسيادة الدولة وأمنها وقوتها وهيبتها على حدِ سواء, والله من وراء القصد.