الانفصام الرسمي
د. حسن البراري
جو 24 : بعد التخبط الرسمي الواضح في ملف الاصلاح السياسي وبعد اتضاح اتساع الفجوة بين ما قاله الملك لتشارلي روز عن رؤيته الاصلاحية وحقيقة ما يجري على ارض الواقع لا يملك المرء إلا ان يصل إلى نتيجة تفيد بأن كل الاصلاحات التي جاء بها الرسميون ما هي الا اجراءات استباقية (preemptive) ودفاعية بهدف الحفاظ على مواقع ومصالح المستفيدين من الوضع القائم حتى لو تطلب الامر اقصاء لمكونات سياسية ومجتمعية. فالخوف يدب في اوصال الدولة من اصلاح يعيد السلطة للشعب وبالتالي لا ضير من خلق ازمات جانبية وتضليل غير مسبوق لاخافة الناس من الاصلاح والتشكيك بالمطالبين بمزيد من الاصلاحات.
لكن بعيدا عن التضليل الرسمي الذي يصر على ثنائية الدولة-الاسلاميين، فإن المرء يحتار في كيفية فك شيفرات التصريحات الرسمية التي تأتي من اعلى المستويات. في مقابلة الملك مع تشارلي روز قال الملك بشكل واضح أن الإسلاميين يخشون من المشاركة في الانتخابات بصرف النظر عن القانون لأنهم توصلوا الى نتيجة تفيد بأنهم لن يحققوا مكاسب انتخابية مناسبة وبالتالي آثروا المقاطعة. واضاف الملك أن قانون الانتخابات لا ينبغي ان يكون مفصلا على مقاس الاسلاميين، هذا كلام صحيح ولكن في الوقت نفسه يجب أن لا يكون أيضا مفصلا على مقاس حلف الصوت الواحد الذي لا يريد الا ذر الرماد في العيون.
يستنتج المتابع لتصريحات الملك أن التقارير التي استتند عليها الرسميون في تبني قانون الانتخاب (والتي تفيد بأن الاسلاميين سيحصلون على اغلبية كبيرة) هي غير صحيحة، فالملك يختلف مع الرسميين عندما يقول ان خشية الاسلاميين من النتائج سابقة على قانون الانتخابات، اذا لماذا الاصرار على قانون الصوت الواحدة معرضين البلد لخطورة الاقصاء بدلا من التشاركية؟! ولماذا عندها تم دفع الخصاونة على الاستقالة وتكليف حكومة محافظة للقيام بالاستدارة السياسية إن كان الاسلاميون سيقاطعون في كل الاحوال خوفا من النتائج؟!
ثمة امر ما لا بد من التوقف عنده، الخشية في هذه الحالة ليست من الاسلاميين بل من الشعب الاردني الذي إن سمح له المجال التعبير عن نفسه سياسيا وانتخاب ممثلثه بنزاهة وفق قانون يحظى بتوافق شعبي فإنه سيزلزل الارض تحت اقدام النخب الحاكمة التي بدأت ترتعد خوفا من مقاطعة محتملة لقطاعات واسعة من الاردنيين وفق القانون الحالي ما يعني أن الاصلاحات لن تنال الشرعية الشعبية التي تعد ضرورية في المرحلة القادمة.
في لقاء بمنزل محمد داودية وبحضور مروان المعشر وعدد آخر من السياسيين تم نقاش الخطوة القادمة، وقال احد الرسميين ان لديه معلومات تفيد بأن "رجالات" الدولة يعقدون العزم على خوض الانتخابات النيابية القادمة وتشكيل قوائم ومن ثم كتل حتى تتمكن هذه الكتل من القيام بعمل نيابي راق بغياب الاسلاميين، وستقوم هذه الكتل المكونة من "رجالات" الدولة باسقاط الحكومة تلو الأخرى ان لزم الامر حتى يثبتوا للشارع بان البرلمان حقيقي!! غير ان الرسمي المحترم لم يقل كيف سينجح "رجالات" الدولة وبخاصة في ظل تراجع هيبتهم وتراجع ثقة المواطن بهم وفي ظل "نية الدولة" اجراء انتخابات نزيهة؟!
هناك فريق من المحللين انتقد غياب رجال الدولة وبخاصة من هم خارج السلطة عن الشارع وعدم تنطحهم للمعارضة وطرح بدائل مقنعة لما ينادي به الاصلاحيون بعيدا عن فزاعات فارغة، فإين هم رجالات الدولة في الربيع الاردني؟ من منهم امتلك الجرأة وقاد مظاهرة على سبيل المثال تأييدا لما تقوم به الدولة. اللافت أن عددا منهم يتزلفون للاصلاحيين، فعلى عشاء جمعني وعدد من الزملاء مع مسؤول سابق رفيع المستوى وجه هذا المسؤول سهام نقده ليس فقط للحكومة وانما لمرجعيات عليا وتبنى خطابا أقرب إلى خطاب المعارضة والاصلاحيين! وعلى النقيض من ذلك هناك فريق من المحللين يشفق على رجال الدولة ولا يحملهم أي مسؤولية، ويرى هؤلاء أن الدولة هي التي نالت من رجالاتها وقللت من هيبتهم لدرجة فقدوا فيها الاحترام التقليدي الذي كان يتمتع به رجل الدولة! فكيف يمكن لهؤلاء الدفاع عن الدولة في هذه الحالة، يسأل احدهم؟!
هناك عائقان يقفان أمام "رجالات" الدولة الذين يخططون للتأثير على مجرى الانتخابات. أولا، افتقادهم لأي خطاب مقنع بعد أن تجاوزهم الشارع والدولة معا. ثانيا، نية الدولة اجراء انتخابات دون تدخلات. وهذان العائقان سيكونان السبب في كبوة متوقعة لهم. فأحدهم- كما نقرأ- جمع امولا من طرف ثالث وفي نيته وضع قائمة من المرشحين حتى يكون لهم دور في المستقبل. والأمر الطبيعي هو أن تكون القضية الاساسية التي ستحدد سلوك الناخب هو السخط والاحتجاج على السلطة وعلى رموزها، فكيف يعقل أن يقوم المواطن المنتفض والساخط على اخفاق الحكومات على تحقيق قدرا من الحياة الكريمة ان يدلي بصوته لفلول الرسميين ؟!
بكلمة، الانفصام الرسمي يشمل عدة مستويات ابتداء من التصريحات المتضاربة وانتهاء باستراتيجية دفع "رجالات" الدولة خوض انتخابات قد تشهد مقاطعة واسعة.
لكن بعيدا عن التضليل الرسمي الذي يصر على ثنائية الدولة-الاسلاميين، فإن المرء يحتار في كيفية فك شيفرات التصريحات الرسمية التي تأتي من اعلى المستويات. في مقابلة الملك مع تشارلي روز قال الملك بشكل واضح أن الإسلاميين يخشون من المشاركة في الانتخابات بصرف النظر عن القانون لأنهم توصلوا الى نتيجة تفيد بأنهم لن يحققوا مكاسب انتخابية مناسبة وبالتالي آثروا المقاطعة. واضاف الملك أن قانون الانتخابات لا ينبغي ان يكون مفصلا على مقاس الاسلاميين، هذا كلام صحيح ولكن في الوقت نفسه يجب أن لا يكون أيضا مفصلا على مقاس حلف الصوت الواحد الذي لا يريد الا ذر الرماد في العيون.
يستنتج المتابع لتصريحات الملك أن التقارير التي استتند عليها الرسميون في تبني قانون الانتخاب (والتي تفيد بأن الاسلاميين سيحصلون على اغلبية كبيرة) هي غير صحيحة، فالملك يختلف مع الرسميين عندما يقول ان خشية الاسلاميين من النتائج سابقة على قانون الانتخابات، اذا لماذا الاصرار على قانون الصوت الواحدة معرضين البلد لخطورة الاقصاء بدلا من التشاركية؟! ولماذا عندها تم دفع الخصاونة على الاستقالة وتكليف حكومة محافظة للقيام بالاستدارة السياسية إن كان الاسلاميون سيقاطعون في كل الاحوال خوفا من النتائج؟!
ثمة امر ما لا بد من التوقف عنده، الخشية في هذه الحالة ليست من الاسلاميين بل من الشعب الاردني الذي إن سمح له المجال التعبير عن نفسه سياسيا وانتخاب ممثلثه بنزاهة وفق قانون يحظى بتوافق شعبي فإنه سيزلزل الارض تحت اقدام النخب الحاكمة التي بدأت ترتعد خوفا من مقاطعة محتملة لقطاعات واسعة من الاردنيين وفق القانون الحالي ما يعني أن الاصلاحات لن تنال الشرعية الشعبية التي تعد ضرورية في المرحلة القادمة.
في لقاء بمنزل محمد داودية وبحضور مروان المعشر وعدد آخر من السياسيين تم نقاش الخطوة القادمة، وقال احد الرسميين ان لديه معلومات تفيد بأن "رجالات" الدولة يعقدون العزم على خوض الانتخابات النيابية القادمة وتشكيل قوائم ومن ثم كتل حتى تتمكن هذه الكتل من القيام بعمل نيابي راق بغياب الاسلاميين، وستقوم هذه الكتل المكونة من "رجالات" الدولة باسقاط الحكومة تلو الأخرى ان لزم الامر حتى يثبتوا للشارع بان البرلمان حقيقي!! غير ان الرسمي المحترم لم يقل كيف سينجح "رجالات" الدولة وبخاصة في ظل تراجع هيبتهم وتراجع ثقة المواطن بهم وفي ظل "نية الدولة" اجراء انتخابات نزيهة؟!
هناك فريق من المحللين انتقد غياب رجال الدولة وبخاصة من هم خارج السلطة عن الشارع وعدم تنطحهم للمعارضة وطرح بدائل مقنعة لما ينادي به الاصلاحيون بعيدا عن فزاعات فارغة، فإين هم رجالات الدولة في الربيع الاردني؟ من منهم امتلك الجرأة وقاد مظاهرة على سبيل المثال تأييدا لما تقوم به الدولة. اللافت أن عددا منهم يتزلفون للاصلاحيين، فعلى عشاء جمعني وعدد من الزملاء مع مسؤول سابق رفيع المستوى وجه هذا المسؤول سهام نقده ليس فقط للحكومة وانما لمرجعيات عليا وتبنى خطابا أقرب إلى خطاب المعارضة والاصلاحيين! وعلى النقيض من ذلك هناك فريق من المحللين يشفق على رجال الدولة ولا يحملهم أي مسؤولية، ويرى هؤلاء أن الدولة هي التي نالت من رجالاتها وقللت من هيبتهم لدرجة فقدوا فيها الاحترام التقليدي الذي كان يتمتع به رجل الدولة! فكيف يمكن لهؤلاء الدفاع عن الدولة في هذه الحالة، يسأل احدهم؟!
هناك عائقان يقفان أمام "رجالات" الدولة الذين يخططون للتأثير على مجرى الانتخابات. أولا، افتقادهم لأي خطاب مقنع بعد أن تجاوزهم الشارع والدولة معا. ثانيا، نية الدولة اجراء انتخابات دون تدخلات. وهذان العائقان سيكونان السبب في كبوة متوقعة لهم. فأحدهم- كما نقرأ- جمع امولا من طرف ثالث وفي نيته وضع قائمة من المرشحين حتى يكون لهم دور في المستقبل. والأمر الطبيعي هو أن تكون القضية الاساسية التي ستحدد سلوك الناخب هو السخط والاحتجاج على السلطة وعلى رموزها، فكيف يعقل أن يقوم المواطن المنتفض والساخط على اخفاق الحكومات على تحقيق قدرا من الحياة الكريمة ان يدلي بصوته لفلول الرسميين ؟!
بكلمة، الانفصام الرسمي يشمل عدة مستويات ابتداء من التصريحات المتضاربة وانتهاء باستراتيجية دفع "رجالات" الدولة خوض انتخابات قد تشهد مقاطعة واسعة.








