jo24_banner
jo24_banner

دموع رونالدو

د. حسن البراري
جو 24 :


في السنوات الأربعين الماضية، لم أتابع أي نشاط رياضي بشغف كما تابعت كرة القدم العالمية، وعليه أرى بأنني في وضع مناسب لإصدار أحكام عامة قد تعجب البعض المتفتح ذهنيا وتغضب المتعصبين الذين لا يفهمون كرة القدم. اليوم، سأركز على رونالدو، صاروخ ماديرا. لكن قبل أن أبدأ أود الإشارة إلى أن ليونيل ميسي لاعب عظيم واستثنائي وممتع وحاسم، والكتابة عن رونالدو لا تعني الانتقاص من ميسي ولا أنا بصدد اجراء مقارنات بين لاعبين من أعظم اللاعبين الذين شهدتهم في حياتي.

سأبدأ من حيث انتهى مشوار رونالدو في كأس العالم. لا شكّ أن مستوى رونالدو الفني تراجع مع التقدم في العمر، وهذا أمر مفهوم وطبيعي، وبالفعل مرّ رونالدو بأسوأ فترة في حياته المهنية والعائلية، في الصيف توفي ابنه ودخلت ابنته المستشفى، وكان رونالدو يصر على أن العائلة قبل كرة القدم، وغاب عن الموسم التحضيري مع المان يونايتد، وعندما عاد كان هناك مدرب باطني وجبان يقول في العلن غير ما يضمر، وهو تين هاغ، الذي لعب عشرين عاما ولم يسمع به أحد، وعامله بقلة احترام، ما دفع رونالدو لإجراء مقابلة للتعبير بصدق عما يدور في نفسه، فرونالدو ليس لاعبا عاديا، بل مقاتل شجاع قال ما ينبغي أن يقول، ما سرّع عملية الانفصال بالتراضي عن النادي الذي يمتلك رونالدو في مسيرة 18 سنة نصف ارقام المان في 130 سنة.

في هذه الأثناء، تعرض رونالدو لحملة إعلامية سلبية وربما ممولة كان الهدف منها القضاء عليه نفسيا، لكنه بقي أقوى، وقاتل حتى النهاية، وما دموعه الأخيرة إلا دموع الفارس المقاتل الذي بقي صامدا حتى انتهى الحلم، وما علينا إلا الرجوع لما كتب على صفحته وفيها شكر قطر وشكر منتخب البرتغال وشكر مشجعيه جميعا على التفافهم حوله. كنت افهم بعض التغطية السلبية من أجل جلب الانتباه، فهناك لاعبون لعبوا ولم يسمع بهم الكثير وانتهى بهم الأمر معلقين على القنوات تمادوا كثيرا في التقليل من شأن الدون، فكان مجرد انتقاد الدون – وهو ليس فوق الانتقاد – هو السبيل للحصول على الشهرة. هذا بالإضافة لبعض من أنصار ميسي الذين لا يرون عظمة ميسي الكروية إلا بالانتقاص من رونالدو، في حين أن ليو ميسي نفسه في الكثير من المقابلات أشاد بحرفية ومسيرة رونالدو واعتبرها استثنائية، كما أن رونالدو في مقابلته الأخيرة قال عن ميسي بأنه ساحر الكرة ولاعب أكثر من رائع. مرة ثانية، رونالدو بشر مثلنا ويرتكب الأخطاء كما يفعل ميسي وزيدان وبيليه ومارادونا. التغطية السلبية المكثفة كانت غريبة في توقيتها وكثافتها ما يدل على عظمة الرجل.

بالنسبة لي رونالدو مثل محمد علي كلاي، فالأخير ربما ليس أقوى ملاكم في التاريخ لكنه أعظمهم. رونالدو في مسيرته كان وما زال صاحب لفتات إنسانية ومنها التبرع لأطفال سوريا وغيرهم. ولا يمكن التقليل من تأثيره خارج الملعب بأنه أصبح قدورة حتى لمنافسيه الذين يقلدوه بطريقة احتفالاتهم عند تسجيل الأهداف. فهو مصدر الهاهم للملايين، وهو من دون شك الأكثر شهرة بالعالم من حيث عدد متابعيه على الانستغرام لوحد يتابعه أكثر من نصف مليار، نصف مليار يعني 500 مليون متابع!!! لا يوجد شخصية في العالم رياضية أو سياسية حظيت بهذا الرقم ولا حتى قريب من هذا الرقم.

كان حلم رونالدو أن يفوز بكأس العالم ويدخل نادي العظماء مثل بيليه ومارادونا وزيدان والظاهرة رونالدو وروماريو وغيرهم. لم تجر الأمور في البطولة كما أراد، وانتهى به الأمر يلعب احتياطيا مع مدرب امتلك كتيبة من أحسن النجوم في العالم ولم يستطع أن يذهب بالفريق إلى المباراة النهائية كما أراد رونالدو. كان على الاعلام التعاطف مع هذا الانسان الذي قدم مسيرة استثنائية لا ينكرها إلا جاهل. فهو:

- الهداف التاريخي في العالم،
- الهداف التاريخ للدوريات الخمس الكبار
- الهداف التاريخ لبطولة أمم أوروبا
- الهداف التاريخي للنادي الملكي
- الهداف التاريخي للتشامبينزليغ
- الهداف التاريخي للمنتخبات
- الهداف التاريخي لكأس الأندية العالمية
- صاحب أعلى قفزة في تاريخ لاعبي كرة القدم 293 سم عندما سجل لنادي الريال ضد المان يونايتد
- ثاني أكبر مسجل هاتريك في مسيرته (60 هاتريك مع الأندية والمنتخب) بعد بيليه صاحب 93 هاتريك.
- الحذاء الذهبي اربع مرات
- هداف الدوري الإيطالي والانجليزي والاسباني وهو أول لاعب يكون هداف في ثلاث دوريات كبيرة.
- خمس كرات ذهبية ولم يتفوق عليه سوى ميسي في سيع كرات ذهبية
- أول لاعب في التاريخ يسجل في خمس نسخ من كأس العالم.
- أول لاعب في التاريخ يحرز خمسة بطولات تشامبينزليغ وربما أول من أحرزها مع ناديين مختلفين
- في البطولات الجماعية حصل على 32 بطولة في حين حصل المان يونايتد على 60 بطولة منها اثنتان في التشامينزليغ كان رونالدو بطل واحدة منها.
- أكثر لاعب في التاريخ قام بتأهيل منتخب بلاده لكأس العالم، البرتغال في كل تاريخها تأهلت ثمان مرات، خمس منها مع رونالدو.

هذا النجاح الكبير والاستثنائي خلق له الأعداء والمحبين في الوقت ذاته. أكثر ما يعجبني في هذا اللاعب هو شخصيته الطاغية في الملعب وخارج الملعب. أود أن أشكر من أعماق قلبي أحد أعظم خمسة لاعبين في التاريخ على مسيرة 18 عاما أدخل السرور والبهجة في قلب محبيه لإنجازاته الكبيرة. كنت أتمنى لو اعتزل قبل عام لكن غريزة المقاتل والمتحدي التي صنعت مجد وتركته طغت. ربما كان عليه أن يستوعب درس بيليه الذي اعتزل اللعب الدولي وهو في التاسعة والعشرين وبعد أن حصل عليها ثلاث مرات، لكن في شخصية رونالدو ما يسميه شكسبير الخلل التراجيدي الذي وضع حدا لحياة ماكبث وأنهى مسيرة الملك لير.

الصورة منتقاه بعناية لأنه فوق الجميع!
 
  • دموع رونالدو
تابعو الأردن 24 على google news