jo24_banner
jo24_banner

هل خسر لوبي إسرائيل الجولة؟!

د. حسن البراري
جو 24 :



المؤيدون لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن كثر، بعضهم انساق بوعي أو من دون وعي خلف ألاعيب فريق السلام الأمريكي (كوشنر وغرينبلات) ودفعوا باتجاه توريط الأردن بحجة أن لا أحد يعرف ما هي صفقة القرن في حين أن الجميع يعرف خطوطها العريضة التي تفضي في نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ودار جدل كبير بين المؤيدين لكوشنر وخطته وبين المحذرين من هذا المسار المشبوه أفضى إلى خسارة مدوية لمؤيدي كوشنر وأفكاره.

من حسن حظ الأردن أن القائم على هذه الخطة هو شخص يعاني من تخبط واضح وانعدام معرفة! ففي مقابلة تلفزيونية على قناة أوكسيوس الأمريكية، بدا جاريد كوشنر مهزوزا وهو يحاول بائسا التمييز بين القيادة الفلسطينية -التي ترفض التعامل مع الإدارة الأمريكية المعادية للحقوق الفلسطينية- والشعب الفلسطيني وكأن الشعب الفلسطيني يمكن أن يقبل بصفقة القرن! وعندما احرجه مقدم البرنامج بالسؤال لماذا على الشعب الفلسطيني أن يقبل بكوشنر وافكاره لم يجد كوشنر ما يقوله إذ ازداد وجه احمرارا، غير أنه قال بأن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم وهي نفس الذريعة التي تم توظيفها لإضفاء الشرعية على الانتدابين البريطاني والفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

بحكم عملي السابق ككبير للباحثين في المعهد الأمريكي للسلام بواشنطن تعرفت عن قرب على مبعوثين سابقين لعملية السلام وهما دينس روس ومارتن أيندك، كما تعرفت على أرون ديفيد ميلر الذي كان أيضا عضوا في فريق السلام الأمريكي أيام قمة كامب ديفيد الفاشلة وكذلك روبرت مالي مساعد الرئيس بيل كلينتون لعملية السلام. كل ما ذكرت يهود، ولهم مواقف متباينة نوعا ما من الصراع والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن لا يمكن وصف أيا منهم بالجهل كما هو الحال مع كوشنر الذي يتحدث من دون فهم لدينامية وتاريخ عملية السلام أبان صعودها وهبوطها.

في نفس المقابلة ظهر وكأن كوشنر ليس لديه مشكلة مع العنصرية، فقد رفض وصف حركة ال Birtherism بأنها عنصرية، وهي حركة شككت في مواطنة الرئيس باراك أوباما بتهمة أنه لم يولد في الولايات المتحدة أو ربما يكون مسلما. وكأن ترامب نفسه مؤيدا لهذه الأفكار، ورفض كوشنر اعتبار ذلك عملا عنصريا واكتفى بالقول إنه لم يكن متورطا في ذلك وأن ترامب ليس عنصريا! وبهذا المعنى يمكن القول أن شخصا لا يملك القدرة على إدانة العنصرية الواضحة في بلاده لا يمكن أن يكون وسيطا نزيها في صراع فلسطيني إسرائيلي أو لا يمكن أن يكون قادرا على فهم الصراع. فهو شخص ينفذ أفكارا ربما لا يفهمها جيدا وهذا يذكرنا بكتابات الفيلسوفة حنا أردنت عن تفاهة الشر (banality of evil) عندما غطت محاكمة ايكمان في القدس.

الفرق بين كوشنر ومن ذكرت أن الأول هو صهر الرئيس ترامب وبالتالي له قدرة كبيرة على التأثير عليه، ويرى كوشنر أن الصراع يمكن حله بصفقة على اعتبار أن قضية الفلسطينيين هي معاشية وقضية الأردنيين هي اقتصادية ما يفسح مجالا واسعا للمقايضات. والأخطر أنه يعتقد بأن الجانب الفلسطيني بحاجة لمن يحكمه، وهنا مربط الفرس! فكوشنر الذي اعتمد استراتيجية الغموض يلمح من دون أن يشعر إلى نهاية اللعبة: لن تكون هناك قيادة فلسطينية وانما اردنية في نهاية المطاف على سكان فلسطينيين من دون أرض.

تلقت استراتيجية كوشنر أكثر من صفعة، فالأردنيون أعلنوها على لسان الملك بأن لا مصلحة لهم بهذه الصفقة وأن الأموال الموعودة (كما هي عوائد السلام الفارغة إبان التوقيع على معاهدة وادي عربة) لن تثنيهم عن التمسك بمواقفهم الراسخة فيما يتعلق بشكل ومضمون الحل. ولم تفلح محاولات غرينبلات في التواصل مع بعض الأردنيين لتهيئة الرأي العام لورشة البحرين أو صفقة القرن. والصفعة الثانية جاءت من قبل افيغدور ليبرمان الذي أفشل نتنياهو في مسعاه لتشكيل حكومة، ويبدو أن نتنياهو نفسه لن ينجو هذه المرة من المحاكمة ما يعني عمليا انعدام فرصته في قيادة حكومة.

خلاصة القول، ينبغي ألا يشعر الأردن بأن الضغط الذي مورس ضده في الفترة الأخيرة سيستمر، فلوبي إسرائيل المنتشر يخسر الجولة ولن يتمكن كوشنر وغرينبلات من اعلان صفقة القرن بعد التطور في المشهد الإسرائيلي وصمود الأردنيين والفلسطينيين وتراجع تأثير وانكشاف عواصم إقليمية كانت لا تمانع من الانسياق وراء خطط كوشنر كمتطلب للحصول على الدعم الأمريكي لسياساتها الداخلية والإقليمية. وفي هذا السياق، ينبغي على الدولة الأردنية إعادة النظر في كثير من الامور الداخلية وعلى الأخص تلك السياسات التي أفضت إلى انكشاف خطر ومكلف ومن يقف خلفها ولأي غرض! فالمنعة الوطنية والجاهزية الوطنية تحتاجان إلى مكاشفة داخلية لضبط دقات وتحركات مختلف اللاعبين الأردنيين على ساعة المصلحة الوطنية وبخاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل القضية الفلسطينية.
 
تابعو الأردن 24 على google news