رسالة إلى العزيز باسم سكجها.. لقد سبق التعقل القلم
د. حسن البراري
جو 24 :
كتب الصديق العزيز باسم سكجها، عضو اللجنة الملكية، مقالا يرى بأنني تسرعت في قرار الاستقالة، وأورد أسبابًا لهذا الاستنتاج. قديما، قالت الفيلسوفة حنا ارنت: "المبدعون هم من يدركون أنه لا يوجد شيء كامل وأنه لا بأس بذلك" وأنا أشهد أن صديقي أبو إبراهيم هو من المبدعين مهنيا وخُلقا. لكن ليسمح لي صديقي العزيز أن أختلف معه بمقولته التي أنهى بها مقالته العذبة "سبق القلم التعقل" وأعكسها في حالتي، وهذا له مبرراته أيضا.
لنتفق من البداية مع أنطونيو غرامشي في جملته الشّهيرة "تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة"، وعندما سألتني يسر حسان التي كانت تدير لقاء بمنتدى شومان إن كنت متفائلا، لم أجد أكثر إبداعا من عنوان رواية أميل حبيبي "المتشائل"، فكان عقلي يومها يقول بان المقدمات تقود إلى النتائج لكنني أبقيت مساحة من الأمل ظننت أن إرادة ما ستصنع الفارق، لكنني أخطأت.
منذ البداية، كنت أرى التنوع في اللجنة، وهو ما يسمح في نهاية الأمر بالثراء في الأفكار وحق كل واحد رسم الخطوط أو لنقل قبول الحد الأدنى، وهذا أمر صحيّ يتوافق مع مقولة مهدي عامل "في الحياة اختلاف والتماثل فقط في الموت". ولم أقبل قط أن يكون هناك لون واحد فقط يخرج للإعلام بحجة التضامن ما يخلق بنية ذهنية جمعية (groupthink mind-set)، لكن وبعد مضي أكثر من شهرين بدت لي الخطوط العريضة لقانون الانتخاب أكثر وضحا من الشمس، وهنا ساجلت، واعترضت، وقدمت مقترحا، وتم رفضه، وعندها فقط أدركت أن المنتج سيكون مخالفا لقناعاتي، ولا علاقة لذلك بما يشاع عن "عدمية" متخيلة لأنني شاركت وقبلت بشروط اللعبة واحتفظت بحقي في الانسحاب عندما أصل إلى نتيجة مفادها باننا نسير في الاتجاه الخاطئ.
واطمئنك صديقي العزيز، لا تناقض في خطابي، فالمقترحات التي تعطي كوتا للأحزاب لن تتغير، وستقرها اللجنة العامة، وإذا تغيرت وتم الغاء كوتا الأحزاب أو قبول فكرة السقف المرن التي كنت اقترحتها على اللجنة الكريمة، فإنني أعدك بتقديم اعتذار.
لا داعي صديقي المثقف أن أذكرك كيف افتتح فولتير رواية "كانديد" مدشنا بذلك حوارا فلسفيا يدفع كانديد إلى التمسك بكونيغوند (المرأة الجميلة القبيحة) كما يتمسك بالأمل، فلا أنا كانديد الساذج ولا أنتم بانغلوس المتفائل، ودمت أخا وصديقا أعتز به واستميحك عذرا في قلب النتيجة وأكتب سبق التعقل القلم.