حقيقة تصريحات جون كيري حول مصير الأسد
جو 24 : تامر خرمه- تصريحات جون كيري، وزير الخارجيّة الأميركيّة، أثارت ردود أفعال دوليّة واسعة، بعد أن قال في مقابلة مع "السي ان ان" إن واشنطن ستضطرّ في النهاية إلى التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد. واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تعكس تبدّلا في موقف واشنطن تجاه نظام الأسد بعد ظهور ما وصفه كيري بالعدو المشترك، وأن محاربة تنظيم داعش تعتبر أولويّة بالنسبة لبلاده.
وزارة الخارجيّة البريطانيّة سارعت بالردّ على تصريحات كيري، حيث أصدرت بيانا تعلن فيه أن لندن ترفض أي دور للرئيس بشار الأسد في مستقبل سورية. في حين قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لخالد خوجة، رئيس "الائتلاف الوطني السوري"، إن الأسد لا يمكن أن يكون شريكا ذا مصداقية في محاربة داعش وتحضير مستقبل"، و"إن بشار الأسد هو المسؤول الرئيسي عن مأساة شعبه وعن تنامي المجموعات الارهابية في سورية"، وفقا لوزارة الخارجيّة الفرنسيّة.
وهكذا ظهر تباين التصريحات وكأن لندن غيّرت عادتها بتبنّي الموقف الاميركي كلّما ظهر تعارض بينه وبين الموقف الأوروبي، فيما ذهب البعض إلى اعتبار أن تناقض التصريحات يعكس لعبة "الشرطي السيّء والشرطي الجيّد" في مواجهة نظام الأسد، غير أن وزارة الخارجيّة الأميركيّة سارعت إلى إصدار بيان تؤكّد فيه عدم تغيّر سياستها تجاه الأزمة السوريّة، كما تؤكّد رفضها لأي تفاوض مباشر مع الأسد.
كيري، الذي فشل في انتخابات الرئاسة الأميركيّة أمام جورج دبليو بوش بعد عام من الغزو الأميركي للعراق، والذي فشل أيضا في إقناع الاسرائيليين بخطّته لوقف إطلاق النار في غزّة في شهر تموز 2014، بدا اليوم وكأنّه يعبّر عن وجهة نظر شخصيّة، أو ربّما يوجّه نصيحة لإدارة بلاده حول كيفيّة التعامل مع الملفّ السوري، بعد دخول الأزمة عامها الخامس.
ولكن قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن روبرت فورد، سفير واشنطن السابق في دمشق، دعا بلاده إلى مراجعة استراتيجيّتها الحاليّة ووضع أسس عسكريّة ودبلوماسيّة وسياسيّة جديدة للتعامل مع الملفّ السوري، بل إنه طالب في مقال نشرته مجلّة "فورين بوليسي" بالتوصّل إلى اتّفاق سياسيّ وطنيّ في سوريّة، عوضاً عن الدعوة إلى إسقاط نظام الأسد. كما أعلن جون برينان، مدير مركز الاستخبارات الأميركيّة يوم الجمعة الماضي إن واشنطن وموسكو لا تريدان انهيار الحكومة ومؤسّسات الدولة السوريّة، معربا عن مخاوفه من سيطرة الإرهابيين على دمشق.
البعض ذهب إلى المبالغة في تقدير الموقف الأميركي، وتأويل تصريحات قادة واشنطن على هوى عشّاق الأسد، فهناك من اعتبر أن "الصمود الأسدي" أرغم واشنطن على التخلّي عن "مؤامرتها"، وهناك من تغنّى بهذا "الصمود"، متمسّكاً بمقولة "الأسد أو نحرق البلد".
في الواقع لم تتغيّر الاستراتيجيّة الغربيّة تجاه الوضع في سوريّة منذ العام 2011، فرغم الحديث القديم عن تدخّل الناتو لإسقاط الأسد لصالح المعارضة، مازال الغرب متمسّكا برفض تكرار تجربة العراق في سوريّة، وكرّس هذا الموقف "تمدّد" تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريّة، التي بات التنظيم يسيطر على ثلث مساحتها.
ولا يخفى على أحد أن محاربة تنظيم داعش تستوجب الإبقاء على مؤسّسات الدولة السوريّة، بل والوصول إلى تسوية بين النظام والمعارضة، حيث لا يمكن للغرب المغامرة بإرسال جنوده لمحاربة "داعش"، ما يعني أن الحرب البريّة هي مهمّة سوريّة. والتسوية المنتظرة تحلم بتوحيد المعارضة والجيش السوري عسكريّاً في مواجهة هذا التنظيم.
الصفقة بين واشنطن وموسكو تقترب من النضوج، ولكن الوصول إلى تسوية بين كافّة الأطراف المتنازعة تعني إعادة ترتيب الخريطة السياسيّة السوريّة. الحديث عن الإبقاء على مؤسّسات الدولة السوريّة لا يتناقض مع رغبات الغرب الاستعماري بخلق مناطق استقلال ذاتي نسبي لتقاسم النفوذ. والحرب على "داعش" ليست إلى الخطوة الأولى على خارطة طريق "مستقبل سوريّة".
كان يمكن لتصريحات كيري أن تترجم على أرض الواقع عبر إقناع الأسد بقبول التنسيق مع المعارضة لمحاربة "داعش"، غير أن بقاءه غير وارد في المستقبل. وقد يكون هذا ما دفع الأسد إلى الردّ على كيري عبر التلفزيون الإيراني بقوله: "إن التغيير الحقيقي في مواقف الدول يبدأ بوقف الدعم اللوجستي والسياسي للإرهابيّين، ووقف التمويل، ووقف إرسال السلاح لهم".
ومعروف أن "الإرهابيّين" وفقا لقاموس الأسد هم كلّ من يعارض النظام السوري. وهكذا يردّد النظام رسالته التي طالما أعلنها للسوريّين وللعالم أجمع: إمّا الأسد أو الإرهاب. وللتذكير فإن واشنطن وحلفاءها مازالو يتحدّثون عن دعم "المعارضة المعتدلة". أمام هذا الواقع من الصعب بناء قوّات سوريّة موحّدة لمحاربة "داعش" و"النصرة"، دون رحيل الأسد.
ولا يعني رحيل بشّار الأسد زوال النظام السوري، فواشنطن ولندن وباريس لا تختلف في مواقفها عن الموقف الروسي الراغب في تلوين النظام بأطياف المعارضة، شريطة ضمان مصالح كافّة الأطراف المتنازعة، كما أن طهران لن تتردّد في التخلّي عن الأسد في حال ضمنت مناطق نفوذ على الساحل السوري، أو تقدّمت خطوة جديدة لتحقيق طموحها النووي.
صحيح أنه من الصعب تحقيق سيناريو انقلاب النظام السوري على الأسد، بسبب سيطرته المحكمة على كافّة الأجهزة الأمنيّة، التي تسيطر بدورها على الجيش السوري، وهو ما منع الجيش من الانحياز للثورة في بداياتها، أو الوقوف على الحياد كما حصل في تونس ومصر عام 2011. وكانت النتيجة بقاء الأسد في منصبه إلى اليوم، واحتراق سوريّة التي باتت مسرحاً للصراعات الدوليّة وللتنظيمات الإرهابيّة، ما فتح أوسع الأبواب للأطماع الاستعماريّة الغربيّة.. بقي الأسد واحترقت البلد !
ولكن لا ننسى أن واشنطن صرّحت مرارا بأن الحرب على داعش ستحتاج إلى سنوات، وهي غير مستعجلة في المفاوضات الهادفة للوصول إلى تسوية مع الروس، فالدم السوري لا يعني ساسة هذا العالم القبيح. ولكن في نهاية الأمر لا يمكن الحديث عن أيّ حلّ سياسي –وهو الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة- دون رحيل الأسد، الذي يمكن ترجيحه –رغم صعوبته- بسبب طبيعة وعقيدة النظام السوري الدموي، قبل أيّ شيء آخر.
السيناريو الأرجح لمصير الأسد، هو ذات المصير الذي واجهه ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث الاشتراكي الذي نفاه رفاقه إلى العراق ، أو ربّما يحظى بمصير صلاح البيطار، أحد مؤسّسي الحزب، والذي اغتالته قوّات الأمن السوريّة في باريس بمسدّس كاتم للصوت في تموز 1980. ولا ننسى أن رئاسة بشار نفسه هي نتيجة انقلاب حافظ الأسد على رفيقيه صلاح جديد ونور الدين الأتاسي.
وزارة الخارجيّة البريطانيّة سارعت بالردّ على تصريحات كيري، حيث أصدرت بيانا تعلن فيه أن لندن ترفض أي دور للرئيس بشار الأسد في مستقبل سورية. في حين قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لخالد خوجة، رئيس "الائتلاف الوطني السوري"، إن الأسد لا يمكن أن يكون شريكا ذا مصداقية في محاربة داعش وتحضير مستقبل"، و"إن بشار الأسد هو المسؤول الرئيسي عن مأساة شعبه وعن تنامي المجموعات الارهابية في سورية"، وفقا لوزارة الخارجيّة الفرنسيّة.
وهكذا ظهر تباين التصريحات وكأن لندن غيّرت عادتها بتبنّي الموقف الاميركي كلّما ظهر تعارض بينه وبين الموقف الأوروبي، فيما ذهب البعض إلى اعتبار أن تناقض التصريحات يعكس لعبة "الشرطي السيّء والشرطي الجيّد" في مواجهة نظام الأسد، غير أن وزارة الخارجيّة الأميركيّة سارعت إلى إصدار بيان تؤكّد فيه عدم تغيّر سياستها تجاه الأزمة السوريّة، كما تؤكّد رفضها لأي تفاوض مباشر مع الأسد.
كيري، الذي فشل في انتخابات الرئاسة الأميركيّة أمام جورج دبليو بوش بعد عام من الغزو الأميركي للعراق، والذي فشل أيضا في إقناع الاسرائيليين بخطّته لوقف إطلاق النار في غزّة في شهر تموز 2014، بدا اليوم وكأنّه يعبّر عن وجهة نظر شخصيّة، أو ربّما يوجّه نصيحة لإدارة بلاده حول كيفيّة التعامل مع الملفّ السوري، بعد دخول الأزمة عامها الخامس.
ولكن قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن روبرت فورد، سفير واشنطن السابق في دمشق، دعا بلاده إلى مراجعة استراتيجيّتها الحاليّة ووضع أسس عسكريّة ودبلوماسيّة وسياسيّة جديدة للتعامل مع الملفّ السوري، بل إنه طالب في مقال نشرته مجلّة "فورين بوليسي" بالتوصّل إلى اتّفاق سياسيّ وطنيّ في سوريّة، عوضاً عن الدعوة إلى إسقاط نظام الأسد. كما أعلن جون برينان، مدير مركز الاستخبارات الأميركيّة يوم الجمعة الماضي إن واشنطن وموسكو لا تريدان انهيار الحكومة ومؤسّسات الدولة السوريّة، معربا عن مخاوفه من سيطرة الإرهابيين على دمشق.
البعض ذهب إلى المبالغة في تقدير الموقف الأميركي، وتأويل تصريحات قادة واشنطن على هوى عشّاق الأسد، فهناك من اعتبر أن "الصمود الأسدي" أرغم واشنطن على التخلّي عن "مؤامرتها"، وهناك من تغنّى بهذا "الصمود"، متمسّكاً بمقولة "الأسد أو نحرق البلد".
في الواقع لم تتغيّر الاستراتيجيّة الغربيّة تجاه الوضع في سوريّة منذ العام 2011، فرغم الحديث القديم عن تدخّل الناتو لإسقاط الأسد لصالح المعارضة، مازال الغرب متمسّكا برفض تكرار تجربة العراق في سوريّة، وكرّس هذا الموقف "تمدّد" تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريّة، التي بات التنظيم يسيطر على ثلث مساحتها.
ولا يخفى على أحد أن محاربة تنظيم داعش تستوجب الإبقاء على مؤسّسات الدولة السوريّة، بل والوصول إلى تسوية بين النظام والمعارضة، حيث لا يمكن للغرب المغامرة بإرسال جنوده لمحاربة "داعش"، ما يعني أن الحرب البريّة هي مهمّة سوريّة. والتسوية المنتظرة تحلم بتوحيد المعارضة والجيش السوري عسكريّاً في مواجهة هذا التنظيم.
الصفقة بين واشنطن وموسكو تقترب من النضوج، ولكن الوصول إلى تسوية بين كافّة الأطراف المتنازعة تعني إعادة ترتيب الخريطة السياسيّة السوريّة. الحديث عن الإبقاء على مؤسّسات الدولة السوريّة لا يتناقض مع رغبات الغرب الاستعماري بخلق مناطق استقلال ذاتي نسبي لتقاسم النفوذ. والحرب على "داعش" ليست إلى الخطوة الأولى على خارطة طريق "مستقبل سوريّة".
كان يمكن لتصريحات كيري أن تترجم على أرض الواقع عبر إقناع الأسد بقبول التنسيق مع المعارضة لمحاربة "داعش"، غير أن بقاءه غير وارد في المستقبل. وقد يكون هذا ما دفع الأسد إلى الردّ على كيري عبر التلفزيون الإيراني بقوله: "إن التغيير الحقيقي في مواقف الدول يبدأ بوقف الدعم اللوجستي والسياسي للإرهابيّين، ووقف التمويل، ووقف إرسال السلاح لهم".
ومعروف أن "الإرهابيّين" وفقا لقاموس الأسد هم كلّ من يعارض النظام السوري. وهكذا يردّد النظام رسالته التي طالما أعلنها للسوريّين وللعالم أجمع: إمّا الأسد أو الإرهاب. وللتذكير فإن واشنطن وحلفاءها مازالو يتحدّثون عن دعم "المعارضة المعتدلة". أمام هذا الواقع من الصعب بناء قوّات سوريّة موحّدة لمحاربة "داعش" و"النصرة"، دون رحيل الأسد.
ولا يعني رحيل بشّار الأسد زوال النظام السوري، فواشنطن ولندن وباريس لا تختلف في مواقفها عن الموقف الروسي الراغب في تلوين النظام بأطياف المعارضة، شريطة ضمان مصالح كافّة الأطراف المتنازعة، كما أن طهران لن تتردّد في التخلّي عن الأسد في حال ضمنت مناطق نفوذ على الساحل السوري، أو تقدّمت خطوة جديدة لتحقيق طموحها النووي.
صحيح أنه من الصعب تحقيق سيناريو انقلاب النظام السوري على الأسد، بسبب سيطرته المحكمة على كافّة الأجهزة الأمنيّة، التي تسيطر بدورها على الجيش السوري، وهو ما منع الجيش من الانحياز للثورة في بداياتها، أو الوقوف على الحياد كما حصل في تونس ومصر عام 2011. وكانت النتيجة بقاء الأسد في منصبه إلى اليوم، واحتراق سوريّة التي باتت مسرحاً للصراعات الدوليّة وللتنظيمات الإرهابيّة، ما فتح أوسع الأبواب للأطماع الاستعماريّة الغربيّة.. بقي الأسد واحترقت البلد !
ولكن لا ننسى أن واشنطن صرّحت مرارا بأن الحرب على داعش ستحتاج إلى سنوات، وهي غير مستعجلة في المفاوضات الهادفة للوصول إلى تسوية مع الروس، فالدم السوري لا يعني ساسة هذا العالم القبيح. ولكن في نهاية الأمر لا يمكن الحديث عن أيّ حلّ سياسي –وهو الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة- دون رحيل الأسد، الذي يمكن ترجيحه –رغم صعوبته- بسبب طبيعة وعقيدة النظام السوري الدموي، قبل أيّ شيء آخر.
السيناريو الأرجح لمصير الأسد، هو ذات المصير الذي واجهه ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث الاشتراكي الذي نفاه رفاقه إلى العراق ، أو ربّما يحظى بمصير صلاح البيطار، أحد مؤسّسي الحزب، والذي اغتالته قوّات الأمن السوريّة في باريس بمسدّس كاتم للصوت في تموز 1980. ولا ننسى أن رئاسة بشار نفسه هي نتيجة انقلاب حافظ الأسد على رفيقيه صلاح جديد ونور الدين الأتاسي.