jo24_banner
jo24_banner

اتفاق لوزان والصراع في إيران.. سيناريوهان

د. حسن البراري
جو 24 :


إذا كان لدى إيران التي عانت الأمرين من شدة وطأة العقوبات الاقتصادية هذه القوة الكبيرة نسبيا والتي تسمح لها باللعب على تناقضات الاقليم وزعزعة الاستقرار الاقليمي فكيف يكون الحال إن تم رفع العقوبات الاقتصادية القاسية التي اضعفت من إيران اقتصاديا وعسكريا؟ نظريا، قد يقول قائل بأن تحرير الارصدة المتجمدة لإيران وتمكينها من تصدير نفطها بالكامل سيضع بين أيدي قادة إيران المزيد من المصادر والاموال والامكانات التي من شأنها أن تسمح لإيران بالاستمرار في سياستها الاقليمية الحالية القائمة على الفرز الطائفي حتى تحقق مبتغاها وتترجم الاهداف التي ترنو إلى تحقيقها إلى واقع ملموس. 

غير أن الأمر لا يبدو بهذه البساطة، فاتفاق لوزان يبرهن أن هناك قيود حقيقية على هامش المناورة الايراني، فالاتفاق لا يعني اطلاق يد إيران في الإقليم، بل على العكس من ذلك فربما يفضي هذا الاتفاق إلى صراع داخل إيران بين مقاربتين واحدة يقودها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف وأخرى يقودها المتشددون وبخاصة المرشد العام للثورة وفيلق القدس. فمنذ انتخاب روحاني رئيسا لإيران قاد السياسة الخارجية لإيران فريقان: الأول بقيادة حسن روحاني وجواد ظريف يرى بأن الاشتباك الايجابي مع المجتمع الدولي وتقديم التنازلات في الملف النووي من شأنه أن يرفع من مكانة إيران ويجعلها دولة عادية بدلا من كونها دولة منبوذة، ويرى هذا الفريق أن الصدام مع الغرب ليس وصفة للنجاح وأن الذي عانى في نهاية الأمر ليس اقتصاديات الدول الغربية وانما الاقتصاد الإيراني، اما الفريق الثاني فهو فريق يرى بأن انهيار بعض دول المشرق العربي بعد اندلاع ثورات الربيع العربي إنما يقدم فرصة لإيران لاتباع سياسة هجومية وعدائية، وعليه فإن على إيران أن تستغل هذه الفرصة وتستثمر الانطباع السائد بأن الرئيس أوباما ليس رجل حرب لرفع مكانتها الاقليمية وللحصول على مناطق نفوذ ما كانت لتحلم بها لولا انهيار موازين القوى الذي بدأ بالاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003 ولولا ضعف الرئيس أوباما في السياسة الخارجية.

والسؤال الآن أنه في حال مهّد اتفاق لوزان للتوصل إلى اتفاق نهائي في الأشهر الثلاث القادمة كما هو متفق عليه، فهل عندها ستصبح إيران أحد عوامل الاستقرار أم أنها ستوظف رفع العقوبات وتستمر في اعتداءاتها الاقليمية؟ بمعنى آخر، هل النجاح في التوصل إلى اتفاق نهائي مع السداسية الدولية سيقوي من مقاربة الفريق الإيراني المعتدل أم أن المتشددين سيفسرون الاتفاق بأنه اطلاق يد إيران في الإقليم وعليه ستستمر طهران في مسعاها للهيمنة على "المجال" العربي؟

الاجابة على هذا التساؤل تعتمد على التغير في موازين القوى داخل النخبة الحاكمة في إيران، فمنذ انتخاب حسن روحاني في عام 2013 حاول الرئيس الإيراني التفاوض مع الغرب ووضع كل طاقته في محاولة انجاز اتفاق مع الغرب وفي الوقت ذاته لم يتحد روحاني السياسة الخارجية الايرانية الأخرى التي كانت تقودها مؤسسات أخرى وبالتحديد الحرس الثوري الايراني المتمثل بقاسم سليماني والمرشد العام للثورة. ويأمل حسن روحاني بأنه بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب فإنه بالإمكان بعد ذلك استخدام هذا الاتفاق لتغيير موازين القوى داخل ايران بشكل يسمح له التحكم في السياسة الخارجية الايرانية ازاء الاقليم العربي، وإذا ما تحقق ذلك يمكن القول أن إيران ربما تصبح أحد عوامل الاستقرار في المنطقة! وقد لاحظنا محاولة المعتدلين في إيران تنظيم استقبال – وإن كان متواضعا – للفريق الإيراني المفاوض والذي قدم الاتفاق (بصرف النظر عن التنازلات الايرانية الكبيرة) بوصفه انتصارا كبيرا لإيران.

اللافت أن هناك فريقا من المحللين الغربيين يشككون في الانقسامات الداخلية في إيران، فمنهم من يرى بأن اختيار حسن روحاني وظريف كان ضمن سياق خداع قام به المرشد العام للثورة، فهو من اختارهم وارسلهم للتعامل مع المجتمع الدولي حتى يغوي الغرب برفع العقوبات في حين أن الوجه الحقيقي لإيران يتمثل في قاسم سليماني وفيلق القدس والسياسية التدخلية في الجوار العربي. ويقول باول سالم من معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن هناك احتمال بأن قادة إيران تعلموا من درس بشار الأسد عندما استخدم الكيماوي في الحادي والعشرين من تموز 2013، فكان موقف المجتمع الدولي هو أن يسلم بشار الاسلحة الكيماوية مقابل غض البصر عن الجرائم التي يقوم بها، وهنا ربما يستبطن الايرانيون أن التنازلات الكبيرة في الملف النووي تعني أن يغض المجتمع الدولي النظر عما تقوم به إيران في الجوار العربي.

على كل، اختلف مع هؤلاء المحللين الغربيين في هذه النقطة على وجه التحديد، وأرى أن قبول إيران بالاتفاق هو نتاج ضعف إيران وليس دليل قوة الدولة الإيرانية، كما أن إيران شأنها شأن أي دولة أخرى بالعالم تعاني من انقسامات في الداخل، والقول أن هناك خداعا أو تقاسم أدوار بين النخب الحاكمة ربما لا يصمد أمام ما يجري داخل إيران منذ انتخاب احمدي نجاد في ولايته الثانية والتي سبقت انتخاب حسن روحاني. وعليه فإن الانقسامات أمر طبيعي وإيران ليست استثناءً. وحتى تكتمل الصورة، ربما يتمكن العالم الخارجي من مساعدة طرف على آخر داخل إيران من خلال سياسة الاشتباك مع إيران، فالرئيس أوباما الذي سيخوض صراعا مع الكونغرس حول الاتفاق يمكن له تشجيع الاعتدال في السياسة الإيرانية للحصول على تعاون إيراني في العراق وسوريا لحل الأزمات أو على الأقل لوضح حد للتصعيد الطائفي، كما أن الدول السنية يمكن لها أن تقارب إيران على مستويين. المستوى الأول من خلال الحوار مع المعتدلين، والمستوى الثاني من خلال الحزم – كما يجري في اليمن – وهذا بدوره يبعث برسالة واضحة للمتشددين في إيران مفادها أن هناك ثمنا باهظا للتدخل وأن العرب لن ينتظروا أحدا إن تهددت مصالحهم.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير