عـقـلـــه فــي أذنـيــــه
عمر كلاب
جو 24 : لم تحظَ الأذن بكثير عناء في الثقافة العربية الايجابية مثل القلب والعيون وباقي اجزاء الجسم التي غازلها الشعراء وتغزّلوا بها ، مكتفين بمنحها امكانية ان تعشق قبل العين احيانا و كحالة استثنائية ، فدورها ثانوي ومقتصر على سماع الاصوات وتحويلها الى خانتين جسديتين ، الاولى الى الدماغ وبالتالي تصبح حالة وعي كرّسها القرآن الكريم بقوله “ تسمعها اذن واعية “ او تنتقل الى اللسان مباشرة فتصبح الاذن كما الببغاء تردد ما تسمعه دون وعي وتحليل وتفكير ، وهذا هو النمط السائد في العقل العربي بمجمله وليس الاردني فقط وإن بالغ الاردنيون في الفترة الاخيرة بإعلاء شأن الاذن فدخلنا مرحلة النقل وعطلّنا العقل .
في أحد تجلياته الكثيرة يقول الشاعر احمد شوقي وعلى لسان راوية مسرحية مصرع كليوبترا “ اسمع الشعب (ديون) كيف يوحون إليه.. ملأ الجو هتافاً بحياة قاتليه.. أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه.. يا له من ببغاء عقله في أذنيه “ وليت الامر اقتصر على الرأي العام فقط بل وصل الداء الى صُنّاع الرأي العام الذين يعتمدون الاشاعة بل ويدعمون الفكرة ونقيضها في ذات الوقت حتى صار العقل في الاذنين وليست الاذن تابعة للعقل ومراجعة اية ازمة صغيرة او كبيرة تكشف مدى العوار الذي طال العقل والمساحة التي تحتلها الاذن في صنع القرار دون تمحيص لما سمعته الاذن حتى بتنا ببغاوات نعيد ما سمعناه .
صناعة القرار تتطلب وعيا ومعرفة وليس اخبارا ونقلا ، ومعظم صانعي القرار يتعاملون مع الاذن بوصفها المحطة الاولى لصناعة القرار ، وتنامى تِبعا لذلك الأثر الشخصي على القرار ولأن النفس البشرية متقلبة لما وبما تسمعه صار القرار اقرب الى اليومي منه الى الاستراتيجي ، وساد نظام المصالح القائمة على النقل وانتشرت ظاهرة المحاسيب الذين يمنحون الاذن ما تشاء ان تسمعه لا ما يجب ان تسمعه وصار التنافس على الاذن الرسمية على اشدّه والجميع جاهز للتحول الى لسان ناقل سواء كان النقل حقيقيا او تأليفا مع توزيع موسيقي لضمان إنطراب الاذن السامعة وجلاء قلوب الجيوب الدافعة .
يقول ابن حزم الاندلسي “ من تصدّر لخدمة العامة فلا بد أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتـوم، حتى إن واصل الليل بالنهار “ ، وهذه قاعدة على الرسميين ان يسمعوها بأذن واعية وكذلك كل من يتحمل مسؤولية شأن من شؤون العباد ومَن لا يطيق احتمال قاعدة ابن حزم فليجلس في بيته ، فهذا اكرم له واكثر فائدة لحقوق وخدمة البلاد والعباد ، بدل ان تتحول مصائرهم بأيدي الافصح قولا بصرف النظر عن صدقية قوله .
الاذن ليست اداة استماع بل اداة توصيل معلومة الى الدماغ ومن ثمة تحليلها وفلترتها لتتحول الى قرار بدليل ان فاقدي السمع فاقدو النُطق ايضا او يتأثر نُطقهم لضعف سمعهم وفي كثير من الاحيان يتحول صوتهم الى نشاز لارتفاعه عن الحدود اللازمة ، وفي محكم النص القرآني فإن الاذن متبوعة بالوعي وليست متبوعة بالقول او بالقرار كما يحدث الآن وكما معظم القرارات والعلاقات .
نحتاج الى الاستماع اكثر ما نحتاج الى السماع ، وحرف التاء في الكلمة الاولى هو القادر على تفكيك القول الذي سمعناه بدل ان نبقى ببغاوات نردد ما نسمعه دون تمحيص وقليل تدبير ، اذا اردنا تجاوز العثرات والصعاب وهذا يحتاج فقط الى قرار او سماع نغمتين متصلتين من صوتين مختلفين لتبيان الحقيقة او القدر الممكن منها والحقيقة ضالة المؤمن وهذا ممكن وليس مستحيلا .
omarkallab@yahoo.com
في أحد تجلياته الكثيرة يقول الشاعر احمد شوقي وعلى لسان راوية مسرحية مصرع كليوبترا “ اسمع الشعب (ديون) كيف يوحون إليه.. ملأ الجو هتافاً بحياة قاتليه.. أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه.. يا له من ببغاء عقله في أذنيه “ وليت الامر اقتصر على الرأي العام فقط بل وصل الداء الى صُنّاع الرأي العام الذين يعتمدون الاشاعة بل ويدعمون الفكرة ونقيضها في ذات الوقت حتى صار العقل في الاذنين وليست الاذن تابعة للعقل ومراجعة اية ازمة صغيرة او كبيرة تكشف مدى العوار الذي طال العقل والمساحة التي تحتلها الاذن في صنع القرار دون تمحيص لما سمعته الاذن حتى بتنا ببغاوات نعيد ما سمعناه .
صناعة القرار تتطلب وعيا ومعرفة وليس اخبارا ونقلا ، ومعظم صانعي القرار يتعاملون مع الاذن بوصفها المحطة الاولى لصناعة القرار ، وتنامى تِبعا لذلك الأثر الشخصي على القرار ولأن النفس البشرية متقلبة لما وبما تسمعه صار القرار اقرب الى اليومي منه الى الاستراتيجي ، وساد نظام المصالح القائمة على النقل وانتشرت ظاهرة المحاسيب الذين يمنحون الاذن ما تشاء ان تسمعه لا ما يجب ان تسمعه وصار التنافس على الاذن الرسمية على اشدّه والجميع جاهز للتحول الى لسان ناقل سواء كان النقل حقيقيا او تأليفا مع توزيع موسيقي لضمان إنطراب الاذن السامعة وجلاء قلوب الجيوب الدافعة .
يقول ابن حزم الاندلسي “ من تصدّر لخدمة العامة فلا بد أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتـوم، حتى إن واصل الليل بالنهار “ ، وهذه قاعدة على الرسميين ان يسمعوها بأذن واعية وكذلك كل من يتحمل مسؤولية شأن من شؤون العباد ومَن لا يطيق احتمال قاعدة ابن حزم فليجلس في بيته ، فهذا اكرم له واكثر فائدة لحقوق وخدمة البلاد والعباد ، بدل ان تتحول مصائرهم بأيدي الافصح قولا بصرف النظر عن صدقية قوله .
الاذن ليست اداة استماع بل اداة توصيل معلومة الى الدماغ ومن ثمة تحليلها وفلترتها لتتحول الى قرار بدليل ان فاقدي السمع فاقدو النُطق ايضا او يتأثر نُطقهم لضعف سمعهم وفي كثير من الاحيان يتحول صوتهم الى نشاز لارتفاعه عن الحدود اللازمة ، وفي محكم النص القرآني فإن الاذن متبوعة بالوعي وليست متبوعة بالقول او بالقرار كما يحدث الآن وكما معظم القرارات والعلاقات .
نحتاج الى الاستماع اكثر ما نحتاج الى السماع ، وحرف التاء في الكلمة الاولى هو القادر على تفكيك القول الذي سمعناه بدل ان نبقى ببغاوات نردد ما نسمعه دون تمحيص وقليل تدبير ، اذا اردنا تجاوز العثرات والصعاب وهذا يحتاج فقط الى قرار او سماع نغمتين متصلتين من صوتين مختلفين لتبيان الحقيقة او القدر الممكن منها والحقيقة ضالة المؤمن وهذا ممكن وليس مستحيلا .
omarkallab@yahoo.com