أبو مؤاب الغزّاوي وابو أوس الشوبكي
عمر كلاب
جو 24 : حتى لا نفارق الحقيقة، فإن المجتمع العربي استقبل اعضاء التنظيمات العائدة من افغانستان باحتفالية جهادية، وبوعي رجعي صنعته الانظمة العربية عندما دخلت حرب افغانستان بالوكالة عن الغرب الامريكي انتقاما لحرب فيتنام، حيث انفردت السجاجيد امام المساجد لدعم المجاهدين في افغانستان وحظيت تيارات الاسلام السياسي وقتها بكل اشكال التحالف الودود مع الانظمة العربية وخاصة في مصر التي عاد الاسلاميون فيها الى الواجهة كنقيض للتيار الناصري والاشتراكي، وكذلك الحال في السعودية والاردن وباقي اقطار ما يُسمى بمنظومة الاعتدال العربي، التي تورطت في الحرب إكراما للحليف الامريكي او إذعانا له دون تفكير بعواقب الحرب وتبعات العائدين منها مكللين بغار النصر على العدو السوفييتي الكافر، فالطريق الى القدس وقتها كانت عبر تحويلة كابول. قُبيل انتشار “ المجاهدين “ في اصقاع الارض وقبل تحولهم الى خانة المطاردين والارهابيين حسب القاموس الرسمي، قمنا بتجربة على شكل دعابة قبل ان ننصدم بنتائجها انا والصديق رمضان الرواشدة، فخلال رحلة الحجيج الى بيت الله ارتدينا انا والصديق رمضان الزي الافغاني كنوع من الدعابة وبتنا ننادي انفسنا باللقب المناسب للزي الافغاني، حيث يناديني على الملأ بأبي مؤاب الغزّاوي واناديه أنا بلقب أبي أوس الشوبكي، وكان الناس يبدون تعاطفا هائلا معنا في العام 2002، حتى ان باعة للسجاجيد والمسابح منحونا خصما مضاعفا لاننا من المجاهدين العائدين من افغانستان ورفض سائق سيارة اجرة ان يتقاضى اجرا لقاء نقلنا لمشاهدة الخندق، يومها قضينا الليلة في حوار ساخن حول حجم القبول لهذا الفكر الارهابي واتباعه وحول بداية انقلابهم على منظومة الدول التي رعتهم وفتحت لهم كل ابواب الدعم. هالنا يومها مدى ترحاب الشارع الشعبي وحجم الاسئلة التي نتلقفها منهم وكلها ترّكزت حول طريقة تعامل الانظمة معنا نحن المجاهدين ومطاردتنا والتضييق علينا وكنا نجيب رمضان وانا بمنطوق التيار السلفي الافغاني ولولا وعي يساري سابق لأخذتنا الفكرة وسرنا فيها امام هذا الحجم من القبول الشعبي والنرحاب بنا وكثرة الدعاء لنا بالنصر على الاعداء في الداخل والخارج، فقد كانت البيئة حاضنة لهذا الفكر وشخوصه وكانت الانظمة قد بدات تستشعر الخطر وكذلك تيارات الاسلام السياسي المعتدلة التي أحسّت بالخطر على شعبيتها ووجودها في ظل تعاظم الترحاب الشعبي بهذه الفئة الجديدة التي انتجت خطين متناسقين احدهما عسكري حمل اسم الجهادي واخر سياسي يؤمن بالبقاء تحت ظل النظام الحاكم ولا اجد كثير فرق بينهما بقدر ما كان الامر تبادل ادوار وقراءة في الحظة السياسية الراهنة ومدى قبولها للفكر السلفي. الحرب ضد التيارات العسكرية السلفية لم يسبقها بناء ارضية مجتمعية قابلة للحرب الجديدة وواعية لمخاطر تلك الفئات الظلامية، وانقلبت الانظمة من حالة الود الى حالة الحرب دفعة واحدة بعد انقلاب الغرب الامريكي على هذه التيارات وسعيها الى تفتيتها تارة بالانشقاق وتارة بإعلاء شأن تيار الاعتدال الديني، ونتذكر جيدا كيف جاء برنامج اعادة تأهيل الشرق الاوسط ديمقراطيا بعد سقوط بغداد للحد من هذه التنظيمات ومواجهتها من نفس تربتها الفكرية، وكان المشروع يتضمن اعادة الاعتبار لتيار الاعتدال الديني الذي ابدى تجاوبا مع الفكرة وسارع لتأهيل نفسه على اساسها. امس كان معبر الطربيل مسرحا لحوادث ارهابية ابطالها فرنسي وسنغالي وبلجيكي وكل ارهابي حمل اسم صحابي جليل متبوعا ببلده، مما اعادني الى تلك الذكريات مع الزميل رمضان، فعنصر الجاذبية لم يخفت لدى انصار الارهاب، واستقبال المجتمعات لهم ما زال غامضا وملتبسا ويضيق ويتسع حسب ضربات الارهابيين في البلدان وكل بلد لم تكتوي بنار الارهاب ما زال مجتمعها قابلا للفكرة وداعما لها، وما زالت الحرب على الارهاب تتم على مستوى واحد دون باقي المستويات واخطرها المستوى الشعبي المسكون بهواجس الفقر وانعدام الامل وفكرة البطولة الشعبية المسحوقة عبر الادوات الدستورية السلمية، مما اضاف تيارا جديدا الى تيارات الارهاب.
الدستور
الدستور