جاجة الجمعة
سميح المعايطة
جو 24 : عنوان لمقال قديم، والمضمون ليس حكاية بل سلوك اجتماعي كانت عائلات كثيرة، وكثيرة جدا في مجتمعنا تمارسه في زمن سابق، زمن الاسرة قبل ان يفرقنا الواتسب والفيس بوك والانترنت، يفرقنا حتى ونحن نجلس معا في بيت واحد، او غرفة واحدة، او حتى في صالة فرح او عزاء، حيث معظم الحضور يحمل كل منهم هاتفه وينظر اليه ويرسل ويستقبل ويتفاعل لكن ليس مع من حوله.
و«جاجة الجمعة» لم تكن في الريف والقرى فحسب بل في المدن، وهي مناسبة لتأكل العائلة لحما، حيث غالبا ما يكون دجاجة وقد تزيد الى اثنتين في اوقات خاصة، اما باقي الاسبوع فوجباته موزعة بين المجدرة والشوربة وقلاية البندورة وغيرها من النباتات.
الجمعة كان يوم الرفاهية الغذائية لهذه الفئات من العائلات، وجزء من برنامج الجمعة شراء الجاجة التي كان يتم استغلالها بالكامل ونسبة الفاقد لا تتعدى قطعا صغيرة، وحتى الرأس كان يجد مكانا في الطبخة وهو الوحيد الذي يحتفظ بنفسه دون تقسيم بينما بقية القطع تخضع للتقسيم حسب عدد افراد الاسرة، او الضيوف القادمين فجأة.
«جاجة الجمعة» جزء من تقاليد مراحل كانت اغلبية الناس لا تعيش ترفا، لكننا لم نكن نتقن التذمر والشكوى من أي شيء، وكان هذا قبل تكنولوجيا الاتصال مع كل انواع الفضائيات والاذاعات، حيث يدفع احدهم عدة دنانير كلفة مكالمات تحصدها شركات الاتصالات ووسائل الاعلام ليقول انه لم يأكل منذ أيام، ولو كان صادقا لأشترى بثمن المكالمة والجهاز طعاما، لكنه التذمر الذي حرم الفقراء الحقيقيين من رفع اصواتهم تعففا.
ولم يكن دخول الجاجة الى المطبخ يحتاج الى كثير من الوصفات، فهي اما مقلوبة يصحبها فيها «رأس زهرة» او «رأس باذنجان» او فول اخضر، او منسف دجاج، او صينية بطاطا، وقد تتكرر الوصفة كل جمعة حسب مزاج الشخص الاهم في الاسرة، لكن مقلوبة الزهرة تحتل مكانا متقدما في الخيارات.
لكن ميزة جاجة الجمعة أنها تجمع الاسرة، وربما حتى المتزوجين، ومع تغير الزمان تطورت فكرة جاجة الجمعة لكن جوهرها جميل ونتمنى ان نحافظ عليه حيث اجتماع الاسرة، لكننا اليوم وحتى داخل الاسرة الصغيرة قد لا يرى احدنا اولاده الا صدفة، واذا حدث جلوس في غرفة واحدة فكل ينظر في هاتفه.
والحكاية ليست فقط في الاسرة فحتى في عالم السياسة والعمل العام فان أي جهة سياسية او ادارية تفشل في ان تجمع الناس على قواسم مشتركة فانها تفقد مبررات وجودها، وحتى الحكومات في العالم فانها ان دخلت في خصومات وصراعات مع جهات عديدة ممن يفترض انهم تحت ولايتها فانها تفقد الشرعية حتى وان استمرت بفعل عوامل اخرى.
وفي منطق الديمقراطية فان الحكومات تفقد الحياة عندما تفقد ثقة نواب الشعب، وهذا يعني بمنطق الديمقراطية انها فقدت القدرة على الاستمرار كحالة جامعة مثل جاجة الجمعة، لكن ليست كل برلمانات العالم تمثل معيارا لمزاج الناس، ولهذا هنالك وسائل اخرى لاحترام هذا المزاج.
واخيرا ربما يتذكر البعض انه لقلة عدد قطع جاجة الجمعة فان بعض العائلات كانت تطبخ على «ماء الجاجة» شوربة شعيرية مثلا لتوفر الدسم لمن لا يحصل على ما يريد من الجاجة، لكن المهم ان الجاجة تبقى عنوانا لأشياء جميلة.
الرأي
و«جاجة الجمعة» لم تكن في الريف والقرى فحسب بل في المدن، وهي مناسبة لتأكل العائلة لحما، حيث غالبا ما يكون دجاجة وقد تزيد الى اثنتين في اوقات خاصة، اما باقي الاسبوع فوجباته موزعة بين المجدرة والشوربة وقلاية البندورة وغيرها من النباتات.
الجمعة كان يوم الرفاهية الغذائية لهذه الفئات من العائلات، وجزء من برنامج الجمعة شراء الجاجة التي كان يتم استغلالها بالكامل ونسبة الفاقد لا تتعدى قطعا صغيرة، وحتى الرأس كان يجد مكانا في الطبخة وهو الوحيد الذي يحتفظ بنفسه دون تقسيم بينما بقية القطع تخضع للتقسيم حسب عدد افراد الاسرة، او الضيوف القادمين فجأة.
«جاجة الجمعة» جزء من تقاليد مراحل كانت اغلبية الناس لا تعيش ترفا، لكننا لم نكن نتقن التذمر والشكوى من أي شيء، وكان هذا قبل تكنولوجيا الاتصال مع كل انواع الفضائيات والاذاعات، حيث يدفع احدهم عدة دنانير كلفة مكالمات تحصدها شركات الاتصالات ووسائل الاعلام ليقول انه لم يأكل منذ أيام، ولو كان صادقا لأشترى بثمن المكالمة والجهاز طعاما، لكنه التذمر الذي حرم الفقراء الحقيقيين من رفع اصواتهم تعففا.
ولم يكن دخول الجاجة الى المطبخ يحتاج الى كثير من الوصفات، فهي اما مقلوبة يصحبها فيها «رأس زهرة» او «رأس باذنجان» او فول اخضر، او منسف دجاج، او صينية بطاطا، وقد تتكرر الوصفة كل جمعة حسب مزاج الشخص الاهم في الاسرة، لكن مقلوبة الزهرة تحتل مكانا متقدما في الخيارات.
لكن ميزة جاجة الجمعة أنها تجمع الاسرة، وربما حتى المتزوجين، ومع تغير الزمان تطورت فكرة جاجة الجمعة لكن جوهرها جميل ونتمنى ان نحافظ عليه حيث اجتماع الاسرة، لكننا اليوم وحتى داخل الاسرة الصغيرة قد لا يرى احدنا اولاده الا صدفة، واذا حدث جلوس في غرفة واحدة فكل ينظر في هاتفه.
والحكاية ليست فقط في الاسرة فحتى في عالم السياسة والعمل العام فان أي جهة سياسية او ادارية تفشل في ان تجمع الناس على قواسم مشتركة فانها تفقد مبررات وجودها، وحتى الحكومات في العالم فانها ان دخلت في خصومات وصراعات مع جهات عديدة ممن يفترض انهم تحت ولايتها فانها تفقد الشرعية حتى وان استمرت بفعل عوامل اخرى.
وفي منطق الديمقراطية فان الحكومات تفقد الحياة عندما تفقد ثقة نواب الشعب، وهذا يعني بمنطق الديمقراطية انها فقدت القدرة على الاستمرار كحالة جامعة مثل جاجة الجمعة، لكن ليست كل برلمانات العالم تمثل معيارا لمزاج الناس، ولهذا هنالك وسائل اخرى لاحترام هذا المزاج.
واخيرا ربما يتذكر البعض انه لقلة عدد قطع جاجة الجمعة فان بعض العائلات كانت تطبخ على «ماء الجاجة» شوربة شعيرية مثلا لتوفر الدسم لمن لا يحصل على ما يريد من الجاجة، لكن المهم ان الجاجة تبقى عنوانا لأشياء جميلة.
الرأي