الملك يحسم صراع "رجال الداخلية" لصالح الوطن
لا نذيع خبرا اذا قلنا ان الاختلافات في المواقف والاراء والقرارات بين وزير الداخلية السابق حسين المجالي ومدير الامن العام السابق توفيق الطوالبة وكذلك مدير الدرك السابق احمد السويلميين تجاوزت الحدود المقبولة والمسموح بها ، حتى ان تفاصيلها انتقلت من الدوائر الضيقة الى العلنية ،وباتت موضوعا يتداوله العامة والخاصة بكثير من القلق والاستغراب والحيرة. وبلا شك انعكس هذا الصراع بوضوح على اداء المنظومة الامنية التي تتداخل ادوارها وتحتاج الى درجة عالية من التنسيق لا سيما الى "مايسترو" قادر على ضبط الايقاع وتنظيم الواجبات والادوار .
الارادة الملكية بقبول استقالة وزير الداخلية وتوجيهاته بتغيير القيادات الامنية في جهازي الامن العام والدرك جاءت في وقتها تماما ، وذلك بعد ان تبين صعوبة التجسير بين الاطراف ،واحتواء الخلافات ونزاع الصلاحيات ،وبات التفكير بمصلحة الوطن اولوية قصوى في وقت نحن احوج ما نكون فيه لتضافر الجهود وتنسيق المواقف منعا لوقوع اي اختراق لجبهتنا الداخلية لا قدر الله .
الملك حسم النزاع لصالح الوطن ، واختار السيناريو الافضل الذي اراد من خلاله ان يوصل رسالة للجميع مفادها : ان مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الاخرى ، وفي الوقت الذي يعزف فيه اي مسؤول مهما علا شأنه لحنا نشازا منفردا خارج اطار روح الفريق الواحد والعمل الجماعي ،فان ذلك يعني انه او انهم -ولو كانوا ثلاثة او اكثر من ذلك -سيغادرون جميعا مواقعهم الى غير رجعة .
التقصير في ادارة المنظومة الامنية كان واضحا والاخطاء توالت ولم تتم معالجتها فعلا بالمستوى المطلوب ، وبات الامر يحتاج الى تدخل جراحي عميق ينهي الازمة ويزيل اسبابها بشكل كامل ، وهذا ما حدث فعلا ..
لا نظن ان هناك ملفا محددا بعينه كان وراء اتخاذ القرار بهذه السرعة وبهذا الحسم ، هي تراكمات واخطاء تعاقبت وشكلت مساسا مباشرا -وهنا نقتبس من البيان الحكومي - ب "مبادئ قامت عليها مملكتنا المستقرة واضرت بشكل مباشر بقيمة ترسيخ سيادة القانون وتعميق مبدأ الامن للجميع "، وهذه معايير ومبادئ راسخة لا يمكن ان تستوي الامور اذا مسّت او جرى التعدي عليها بأي شكل من الاشكال.
صحيح ان التشنج الذي تعاملت به الداخلية وقوات الدرك مع ازمة معان ليس بالامر الهين ، وصحيح ايضا ان ما حدث في قضية الشاب عبدالله الزعبي ليس معقولا ولا يقبله منطق ، وصحيح ان هناك انتهاكات لحقوق الانسان ارتكبت لا يمكن التساهل معها ، وهناك ايضا اخطاء وتجاوزات وقعت في التعاطي مع قضايا العنف الجامعي والجماعي التي وقعت في مختلف الجامعات وبعض المحافظات ، ولكن هذا كله يمكن تصويبه ومعالجة اضراره اذا كان هناك فرصة لبناء منظومة امنية متجانسة ومترابطة قادرة على تحديد مواطن الخلل ولديها آليات لمساءلة ومحاسبة مرتكبيه ، الا ان ذلك للاسف لم يكن موجودا ، ما اضطر صاحب القرار للتدخل واعادة الامور الى نصابها الصحيح .ولسان حال الملك يقول " هذا ليس هو الوقت المناسب لخلافاتكم وصراعاتكم ، نحن نمر في ظرف دقيق ،تحيط بنا الحروب من كل جانب ،ونحتاج فيه لكامل تركيزكم وتعاونكم وتنسيقكم لنتجاوز الاهوال والموت الذي يحاصرنا ، الوقت ليس وقت التوتير والتأزيم ، اهل معان ملح هذه الارض ومهما حدث فهم منا ونحن منهم ".. وهذا هو القول الفصل