هل أصبح الرغيف في يد المواطن "عجبة" ؟!
تامر خرمه- صراع الصلاحيّات والتنازع على امتلاك القرار يعكس حالة التخبّط في أداء مختلف مؤسّسات الدولة، والتي تحتكم إلى غاية في نفس يعقوبها حينا، وإلى النكاية المحضة أحيانا !
المشكلة أن الصراع يتعلّق هذه المرّة بصحّة المواطن وأمنه الغذائي، حيث يوجد في دوائر صنع القرار من يحاول باستمرار تجاوز الخطوط الحمراء المتعلّقة بأرواح الناس. لماذا ؟ تساؤل مازال يفرض نفسه على المشهد في ظلّ غياب الإجابات الشافية عن ألسن المسؤولين.
عشرة آلاف طن من شحنة القمح الرومانيّة، التي وصلت البلاد مؤخّراً، تحتوي على عفن يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري، ورغم هذا تضغط وزارة الصناعة والتجارة لإدخالها إلى السوق بعد أن تحفّظت عليها مؤسّسة الغذاء والدواء.
ليست هذه المرّة الأولى التي تحاول فيها "الصناعة والتجارة" تقويض صلاحيّات مؤسّسة الغذاء والدواء، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بمادّة القمح، فالرأي العام لم يكد ينسى معركة سابقة مشابهة، حتّى عادت الوزارة إلى خوض معركة جديدة، في محاولة لفرض القمح الفاسد على مائدة المستهلك.
ترى هل المسألة محض نكاية بمؤسّسة الغذاء والدواء ؟ وما هو سرّ تفاقم حالة الصراع كلّما تعلّق الأمر بمادّة القمح ؟ وهل سيبقى تنازع الصلاحيّات يهدّد المصلحة العامّة إلى الأبد ؟
للقمح سرّه "الباتع" على ما يببدو، فتارة تنشب المعارك بين مختلف المؤسّسات المعنيّة بإجازته، وتارة تصدر التصريحات الرسميّة المتعلّقة برفع الدعم عنه، وتارة تجد من يتحدّث حول وجود مخزون يكفي لعدّة سنوات، قبل أن تسمع مجدّدا بأن هنالك من يحاول إقحام شحنة فاسدة إضافيّة على مائدتك، رغم مخالفتها للمعايير المعتمدة.
لقمة الخبز هي آخر ما تبقّى لدى المواطن، الذي "يحرث" ليل نهار لتسديد الفواتير ودفع فوائد القروض التي يتداعى المسؤولون على قصعة صندوق النقد والبنك الدوليين لمراكمتها، فهلاّ تركتم هذه اللقمة وشأنها !
بات مفروضا على الغلابى تحالف "البزنس" المحتكر للثروة والسلطة، والذي يستمرّ بجلد الناس عبر قرارات مغامرة منحازة ضدّ أمنهم الاقتصادي. ولكن المصيبة الأكبر هي أن يتحمّل المواطن حتّى الخلافات الدائرة بين أعضاء النادي المغلق لهذا التحالف.
اتّفاقهم يذيقنا المرّ، ولكنّ خلافاتهم تذيقنا العلقم، فحتّى غياب انسجام العمل بين جهابذة السلطة ورأس المال، عليك أنت أيّها المواطن التعيس دفع ثمنه. ولكن القضيّة أن الخلاف وصل لدرجة جعلت من رغيف الخبز في يدك "عجبة" !
مازلنا نذكر كيف أفضى الصراع بين بعض المؤسّسات الأمنيّة إلى إرباك وعرقلة عمل هذه المؤسسات، ما هدّد المصلحة الوطنيّة لدرجة استوجبت إقالة المتصارعين، ألا يكفي هذا للنظر بعين الاعتبار إلى مغبّة منطق النكاية وتنازع الصلاحيّات ؟!
هل هناك من يعلم كيف وصلت الجرأة بالبعض إلى المساس بالصحّة والسلامة العامّة، لمجرّد منازعة هذه المؤسّسة أو تلك الجهة صلاحيّاتها ؟ على أيّة حال، إذا كان هنالك من يحبّ "فرد عضلاته" ومنح منصبه "فوقيّة" يختال بها على المناصب الأخرى، فليفعل ذلك بعيداً عن خبز "المعتّرين".