الحسن بن طلال... انثيال الذاكرة
د. صبري اربيحات
جو 24 : في منتصف الستينيات كنت يومها في العاشرة من عمري وفي يوم ربيعي اشرقت شمسه بعد ليلة ماطرة زحفنا نحن طلبة قرية عيمة منذ الصباح الباكر بصحبة اساتذتنا واهالي القرية للتجمع عند تقاطع طريق القرية مع مدخل بلدية الطفيلة حيث نصب ابناء عشائر الثوابية بيت شعر وقوسا زينوه باكاليل الغار ولافتة كبرى كتب عليها عشائر الثوابية في قرى عيمة وضباعة ورحاب يرحبون بقدوم سمو الامير الحسن بن طلال "ولي العهد المعظم انذاك"....
كان سموه قد عاد للتو من جامعة اكسفورد البريطانية وبدأ جولته على محافظات والوية واقضية المملكة...في ذلك اليوم حضر سكان منطقة الطفيلة "مديرية قضاء الطفيلة انذاك" من كل البلدات والقرى والخراب وبيوت الشعر...حضر الحمايدة من السلع والمعطن وصنفحة ورويم والعين البيضاء...وحضر السعوديون من بصيرا وغرندل وريعة ورواث والعطاعطة من ضانا وبئر العطاعطة "القادسية"
الطفايلة قدموا من عفرا وشيظم والعيص والعبان وعابور وابو بنا والعالية...والثوابية من رحاب وضباعة...على الطريق المؤدي للطفيلة كان المناعيين والحجايا والعزازمة والسعيديين ..الجميع جاءوا بلهفة وحب لاستقبال الامير الشاب والذي حضر بلباس عسكري ابيض ...اذكر اننا لمحنا طلته يومها لمحة عابرة عند مثلث القرية حيث هتف الاهالي هتافات بحياته ورددوا بصوت واحد "تسعة كيلو يا حسن" يقصدون تعريف الامير الشاب بان قريتهم غير بعيدة ..ويدعونه لزيارتها.....في ذلك اليوم اعد الطفايلة غداء ضخما احتفاء بالامير جرى تقديمه بشكل فوضوي فلم تكن مؤسسات اعداد الولائم المتخصصة قد انتشرت في البلاد كما هي اليوم.
في صباح اليوم الاثنين وبعد مرور خمسون عاما على اليوم الذي شاهدت فيه الامير للمرة الاولى كنت مدعوا لحضور حفل التكريم الذي اقامته الجامعة الهاشمية للامير الذي ملأ الفضاء الانساني علما وفكرا وفلسفة ووقارا وحكمة.
الاحتفال اليوم جاء كما اوضح الاستاذ الدكتور رئيس الجامعة استكمالا لقرار مجلس العمداء في الجامعة المتخذ بتاريخ 21 اذار 2015 والقاضي بمنح سموه درجة الدكتوراة في علوم الارض والمياة والبيئة...
في الحفل الذي حضره عدد من اصحاب السمو الامراء واصحاب دولة ومعالي والعشرات ممن لامست انجازات سموه واهتماماته ومشروعاته ومبادراته وبرامجه وخططه حياتهم بصورة مباشرة وانا منهم.
الامير الذي بدأ رحلة التخطيط المركزي في بلادنا منذ سبعينيات القرن الماضي وقبل ان تؤسس وزارة التخطيط فاشرف على اعداد الخطط الثلاثية والخمسية ورعى النهضة الاقتصادية وبناء المشاريع الكبرى فقضى اياما وليالي وشهور يتابع مسيرة سلطة وادي الاردن التي اصبحت سلة غذائنا تجول في البوادي والارياف واسس الجمعية الملكية والمجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا ومنتدى الفكر العربي والمنتدى الانساني والمعهد الملكي لحوار الاديان ومجلس الحسن كان يمضي الكثير من الوقت مع العسكر يتناول الافطار في معسكراتهم ويقطع المسافة بين الشفا والاغوار سيرا على الاقدام يعرف الراجف اكثر من عبدون ووادي فينان اكثر من دير غبار...
في منتصف الثمانينيات وكنت يومها ضابطا صغير الرتبة في جهاز الامن العام اتصل بي الدكتور عميش عميش طبيب سموه واحد الشخصيات العاملة بمعية سموه في الجانب الصحي ليخبرني بان سموه مهتم بموضوع الاساءة للطفل وانه يريد ان يتم عقد بعض الفعاليات للتوعية بالموضوع ...كنت وقتها قد عدت من الولايات المتحدة حاملا لدرجة الدكتوراة في علم الاجتماع الجنائي من اهم الجامعات الامريكية في الميدان ...وكنت قد تلقيت تدريبا مكثفا مع شرطة المدن في كاليفورنيا حيث اجريت بعض البحوث على اعمال الشرطة واهتماماتهم.
لم اكن اصدق ان صاحب السمو مهتم شخصيا بهذا الموضوع الذي كنت وكفضول مني قد درست مساقا متخصصا وتحصلت على شهادة تؤهلني للتحقيق في الموضوع ....كان سموه يهتم بكل شيء ولا يتوقف اهتمامه بمعرفة تفاصيل التفاصيل عن الناس واوضاعهم والمواهب والقدرات اينما وجدت وكيفية توظيفها والافادة منها ...
منذ ذلك التاريخ نشأت بيني وبين مكتب سموه علاقة مميزة تعلمت منها الكثير فقد دفعتني الى متابعة جهود واهتمامات احد اكثر الشخصيات العربية تاثيرا على مسيرة الانسانية في العقود الخمسة الاخيرة.....
حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني وتطوير التعليم ونقل التكنولوجيا والحوار بين الثقافات وتقديم صورة الانسان العربي للعالم سمات بقيت راسخة في اذهان كل النخب الفكرية التي تسعى الى خلق عالم وواقع بعيدا عن دخان المدافع ولهيب التصحر ولسعات الجوع والعطش وويلات الدمار واللجوء.
الامن الانساني كان اولوية نادى به الامير الذي تنبه الى العلاقة بين الفقر والجوع والاقتلاع ونقص منسوب الكرامة وكل المشكلات التي اجتاحت كوكبنا ...في منتصف التسعينيات وبعد حادثة اعتداء مؤسفة على سائحة انجليزية اقترح سموه ان تؤسس في بلادنا وحدة لحماية الاسرة فوجه الاجهزة المعنية لاستدعاء مدربين انجليز لتاسيس الوحدة التي اكتسبت صفة الريادة في المنطقة العربية وبين مؤسسات توفير الامن في العالم..
لحديث سموه اليوم عن التخطيط والحياة والمناطق النائية والامن الانساني والبيئة واهمية ابعاد شبح الخوف والاقتلاع والجوع ونقص المياه من اجل حياة امنة جرس خاص يحرك في الذاكرة الاف المشاهد والانجازات التي قدمها....ولتواضع الامير ومحبته الكامنة والظاهرة للناس واسعادهم سحر ياسر كل الذين عرفوه وعملوا الى جانبه.....
تحية للامير الحسن ولسمو خلقه ومكانته وفكره وانسانيته التي تشكل مضافا للانسانية ولنا ...فالحسن بن طلال...كان ولا يزال شاهدا على قدرة الانسان العربي على ان يضيف الى تيار الحضارة الانسانية فكرا وخلقا وعلما وابداعا.
والشكر للجامعة الهاشمية رئيسا وعمداء وكوادر على مبادراتها بتكريم الامير الذي فاض كرمه على وجودنا واعطى لبلاده وشعبه بلا منه.
كان سموه قد عاد للتو من جامعة اكسفورد البريطانية وبدأ جولته على محافظات والوية واقضية المملكة...في ذلك اليوم حضر سكان منطقة الطفيلة "مديرية قضاء الطفيلة انذاك" من كل البلدات والقرى والخراب وبيوت الشعر...حضر الحمايدة من السلع والمعطن وصنفحة ورويم والعين البيضاء...وحضر السعوديون من بصيرا وغرندل وريعة ورواث والعطاعطة من ضانا وبئر العطاعطة "القادسية"
الطفايلة قدموا من عفرا وشيظم والعيص والعبان وعابور وابو بنا والعالية...والثوابية من رحاب وضباعة...على الطريق المؤدي للطفيلة كان المناعيين والحجايا والعزازمة والسعيديين ..الجميع جاءوا بلهفة وحب لاستقبال الامير الشاب والذي حضر بلباس عسكري ابيض ...اذكر اننا لمحنا طلته يومها لمحة عابرة عند مثلث القرية حيث هتف الاهالي هتافات بحياته ورددوا بصوت واحد "تسعة كيلو يا حسن" يقصدون تعريف الامير الشاب بان قريتهم غير بعيدة ..ويدعونه لزيارتها.....في ذلك اليوم اعد الطفايلة غداء ضخما احتفاء بالامير جرى تقديمه بشكل فوضوي فلم تكن مؤسسات اعداد الولائم المتخصصة قد انتشرت في البلاد كما هي اليوم.
في صباح اليوم الاثنين وبعد مرور خمسون عاما على اليوم الذي شاهدت فيه الامير للمرة الاولى كنت مدعوا لحضور حفل التكريم الذي اقامته الجامعة الهاشمية للامير الذي ملأ الفضاء الانساني علما وفكرا وفلسفة ووقارا وحكمة.
الاحتفال اليوم جاء كما اوضح الاستاذ الدكتور رئيس الجامعة استكمالا لقرار مجلس العمداء في الجامعة المتخذ بتاريخ 21 اذار 2015 والقاضي بمنح سموه درجة الدكتوراة في علوم الارض والمياة والبيئة...
في الحفل الذي حضره عدد من اصحاب السمو الامراء واصحاب دولة ومعالي والعشرات ممن لامست انجازات سموه واهتماماته ومشروعاته ومبادراته وبرامجه وخططه حياتهم بصورة مباشرة وانا منهم.
الامير الذي بدأ رحلة التخطيط المركزي في بلادنا منذ سبعينيات القرن الماضي وقبل ان تؤسس وزارة التخطيط فاشرف على اعداد الخطط الثلاثية والخمسية ورعى النهضة الاقتصادية وبناء المشاريع الكبرى فقضى اياما وليالي وشهور يتابع مسيرة سلطة وادي الاردن التي اصبحت سلة غذائنا تجول في البوادي والارياف واسس الجمعية الملكية والمجلس الاعلى للعلوم والتكنولوجيا ومنتدى الفكر العربي والمنتدى الانساني والمعهد الملكي لحوار الاديان ومجلس الحسن كان يمضي الكثير من الوقت مع العسكر يتناول الافطار في معسكراتهم ويقطع المسافة بين الشفا والاغوار سيرا على الاقدام يعرف الراجف اكثر من عبدون ووادي فينان اكثر من دير غبار...
في منتصف الثمانينيات وكنت يومها ضابطا صغير الرتبة في جهاز الامن العام اتصل بي الدكتور عميش عميش طبيب سموه واحد الشخصيات العاملة بمعية سموه في الجانب الصحي ليخبرني بان سموه مهتم بموضوع الاساءة للطفل وانه يريد ان يتم عقد بعض الفعاليات للتوعية بالموضوع ...كنت وقتها قد عدت من الولايات المتحدة حاملا لدرجة الدكتوراة في علم الاجتماع الجنائي من اهم الجامعات الامريكية في الميدان ...وكنت قد تلقيت تدريبا مكثفا مع شرطة المدن في كاليفورنيا حيث اجريت بعض البحوث على اعمال الشرطة واهتماماتهم.
لم اكن اصدق ان صاحب السمو مهتم شخصيا بهذا الموضوع الذي كنت وكفضول مني قد درست مساقا متخصصا وتحصلت على شهادة تؤهلني للتحقيق في الموضوع ....كان سموه يهتم بكل شيء ولا يتوقف اهتمامه بمعرفة تفاصيل التفاصيل عن الناس واوضاعهم والمواهب والقدرات اينما وجدت وكيفية توظيفها والافادة منها ...
منذ ذلك التاريخ نشأت بيني وبين مكتب سموه علاقة مميزة تعلمت منها الكثير فقد دفعتني الى متابعة جهود واهتمامات احد اكثر الشخصيات العربية تاثيرا على مسيرة الانسانية في العقود الخمسة الاخيرة.....
حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني وتطوير التعليم ونقل التكنولوجيا والحوار بين الثقافات وتقديم صورة الانسان العربي للعالم سمات بقيت راسخة في اذهان كل النخب الفكرية التي تسعى الى خلق عالم وواقع بعيدا عن دخان المدافع ولهيب التصحر ولسعات الجوع والعطش وويلات الدمار واللجوء.
الامن الانساني كان اولوية نادى به الامير الذي تنبه الى العلاقة بين الفقر والجوع والاقتلاع ونقص منسوب الكرامة وكل المشكلات التي اجتاحت كوكبنا ...في منتصف التسعينيات وبعد حادثة اعتداء مؤسفة على سائحة انجليزية اقترح سموه ان تؤسس في بلادنا وحدة لحماية الاسرة فوجه الاجهزة المعنية لاستدعاء مدربين انجليز لتاسيس الوحدة التي اكتسبت صفة الريادة في المنطقة العربية وبين مؤسسات توفير الامن في العالم..
لحديث سموه اليوم عن التخطيط والحياة والمناطق النائية والامن الانساني والبيئة واهمية ابعاد شبح الخوف والاقتلاع والجوع ونقص المياه من اجل حياة امنة جرس خاص يحرك في الذاكرة الاف المشاهد والانجازات التي قدمها....ولتواضع الامير ومحبته الكامنة والظاهرة للناس واسعادهم سحر ياسر كل الذين عرفوه وعملوا الى جانبه.....
تحية للامير الحسن ولسمو خلقه ومكانته وفكره وانسانيته التي تشكل مضافا للانسانية ولنا ...فالحسن بن طلال...كان ولا يزال شاهدا على قدرة الانسان العربي على ان يضيف الى تيار الحضارة الانسانية فكرا وخلقا وعلما وابداعا.
والشكر للجامعة الهاشمية رئيسا وعمداء وكوادر على مبادراتها بتكريم الامير الذي فاض كرمه على وجودنا واعطى لبلاده وشعبه بلا منه.