الانتهازية العمياء في آراء السياسيين والكتاب
يتقن بعض السياسيين والكتاب مهارة التشكل والتلون والتحول وركوب اية موجة والانسجام مع اية فكرة يجري تبنيها من قبل السلطة او حتى يستشعرون بان صانع القرار يفكر في تبنيها .
هؤلاء بلا شك لديهم مقاربة منهجية غاية في الغرابة فتراهم وبخبث شديد يعرّفون السياسة بأنها فن الممكن بغض النظر عن اية قيمة ومبدأ، يتعاملون مع المواقف بشكل مجرد بصرف النظر عن خلفياته وانعكاساته وعن التاريخ والجغرافيا، يفكرون ويكتبون وينظرون متجاهلين عن قصد كافة المعايير والمعتقدات الوطنية والثوابت.
يطورون حواسهم وقدراتهم على الاستقراء والتنبؤ بنوايا صناع القرار وتوجهاتهم، فيتحول بعضهم الى قرون استشعار يلتقطون الذبذبات قبل ان تتحول الى مشاريع وافكار، ويسخرون كل مواهبهم وامكاناتهم وما يتمتعون به من مهارات لتسويق هذه الافكار وتجميلها للناس، وبذلك يحققون غايتين معا اولهما التماهي مع مراكز صنع القرار لضمان البقاء وتحقيق المكاسب والمناصب والامتيازات وثانيهما الظهور بمظهر العارفين بما سيأتي والمدافعين عن التوجهات الجديدة وبذلك ضمانة لان يكونوا جزاء من التحول والاكثر استفادة منه.
بعض الكتاب والساسة انبروا مؤخرا للدفاع عن وزير التعليم العالي لبيب خضرا ومشروعه غير البرئ بالغاء الاستثناءات بذريعة القوننة والتنظيم، ورغم اننا نعرفهم جيدا ونعرف دواخلهم، الا انهم اختاروا ان ينسجموا مع احد مطابخ القرار المؤثرة التي تسعى للاضرار بأهلهم وناسهم وهذه احدى نماذج التحول والتشكل .
وحتى نوضح الفكرة اكثر نتوقف عند حالة اخرى ، ففي خضم حالة الاحتجاج الواسعة التي قوبل بها موقف جبريل الرجوب من مرشحنا للفيفا اختار كاتب اخر ان يدافع عن الرجوب من زاوية ان دولا خليجية كثيرة لم تصوت لنا ولم نقم بانتقادها وصب جام غضبنا عليها ايضا ، وتناسى هذا الكتاب وغيره ان خصوصيات العلاقة الاردنية الفلسطينية تفرض سلوكيات ومواقف لا تسمح بهذا الاصطفاف لصالح المنافس السويسري لا سيما ان عشرات المقالات والاخبار والتغطيات التلفزيونية والاذاعية انتقدت موقف دول الخليج وادانته في هذا الشأن .
على كل حال واضح ان هؤلاء للاسف حسموا خياراتهم وقرروا ان ينقلبوا على قناعاتهم التي كنا نعرف لاسباب نعرفها ايضا، وما هذا التموضع السياسي الا تعبيرا عن هزيمتهم الداخلية وانتهازيتهم المفرطة و سعيهم لتجنب دفع اية كلفة مترتبة على معارضة هذا التيار الذي يبدو انه بات مهيمنا على الدولة .