الحكومة وحليب السباع
ليس من الشجاعة بمكان ولا يعبر عن مظاهرها قرار الحكومة الأخير المتمثل برفع أسعار المحروقات، والمصحوب بجملة من الخطوات الأخرى التي تأتي في محل شك وريبة واتهام، مثل رزمة التعيينات لمناصب كبيرة بعيداً عن معايير النزاهة والشفافية، وبعيداً عن أي خطوات تظهر من خلالها علامات احترام المواطن والحرص على احترام الإرادة الشعبية التي يتمّ التعبير عنها بشكلٍ سلميٍ وبطريقة حضارية هادئة وبخطابٍ شعبيٍ عاقلٍ يقدر ظروف الأردن بمسؤولية ورجولة.
السطو على جيب المواطن في كلّ مرة لحل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يتعرض لها الأردن نتيجة للسياسات الارتجالية والمنهجيّة الخاطأ في إدارة موارد الدولة، لا يمت للجرأة بصلة، وخطوة تخلو من الحكمة والإدارة الحصيفة، وتبتعد كل البعد عن مظاهر القوة الحقيقية والحزم المقنع، الذي تحاول الحكومة التلفع به.
إنّ من يرد أن يشرب حليب السباع، عليه أن يشربه في مواجهة حيتان الفساد، ومحاسبة المسؤولين عن تبديد مقدرات الدولة والعبث بالمال العام، والمستهترين بقيم الديمقراطية والحرية، وتكمن الشجاعة الحقيقية في القدرة على استرداد أموال الأردنيين المنهوبة، والأراضي المغتصبة التي تمّ استملاكها والاستيلاء عليها بطرق تخرق الدستور، وتخالف القانون، ويجب أن تكون الجرأة في ملاحقة الذين ابتلعوا أموال الخزينة بالزيف والتحايل على القوانين والتشريعات وأثروا ثراءً فاحشاً، وما زالوا خارج نطاق العدالة وخارج قبضة القضاء.
الشجاعة والجرأة تتجلى بإرساء معالم العدالة بين المواطنين، وبإعادة هيكلة رواتب الكبار والمتنفذين الذين تكفي مخصصات الواحد منهم لتنمية قرية أردنية مهمشة تعيش في أروقة البؤس والحرمان، وتكمن الجرأة والشجاعة بشدّ الأحزمة على البطون المتكرشة التي تعاني التخمة، وليس بشد الأحزمة على البطون الخاوية التي تئن تحت وطأة الغلاء وقلة ذات اليد، والراتب الحكومي المحدود، الذي لا يفي بالضرورات، ولا يلبي الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة.
الحكمة والحصافة يجب أن تظهر في البحث عن زيادة دخل الأردنيين، وفي البحث عن المشروعات الإنتاجية لاستيعاب الجيش الكبير من أبنائنا الذين يعانون من البطالة والانتظار في طابور الخدمة المدنية منذ سنوات طوال، ويجب أن تظهر الحكمة في ابتكار الأساليب التي تقلل تكلفة المعيشة على المواطن المقهور، وتوفير وسائط النقل السهلة والرخيصة، وتخفيض فاتورة الكهرباء والمياه والتدفئة.
وايجاد مصادر الطاقة الجديدة التي تستثمر في الطاقة الشمسية وفي طاقة الرياح، والقدرة على تنمية الموارد المتاحة، واستغلال الصخر الزيتي، وتوجيه الجامعات لتكون مراكز إبداع من أجل اللحاق بالدول المتقدمة وايجاد المجتمعات المنتجة، وتوسيع الرقعة الزراعية ومساعدة المزارعين على تلبية حاجاتهم وتنمية قدراتهم وتسويق منتجاتهم، واستعادة الفوسفات والبوتاس لتكون ملكاً للشعب الأردني، والكف عن سياسات الارتجال والعبث التي ضيعت البلاد وأوقعت الدولة في ربقة الدين العام، الذي يزيد ويتعاظم في كلّ عام ولا ينقص، وخدمة الدين العام تلتهم كلّ الموارد.
الشعب ينتظر الجرأة والشجاعة التي تجعل منه شريكاً في القرار وشريكاً في المسؤولية، ولا ينتظر إدارة الظهر والاستمرار في سياسة الاستعلاء والتكبر، والإمعان في منهج الازدراء والتجاهل لمطالبه المشروعة في الحرية والكرامة والديمقراطية وحقه في السيادة على الأرض والمقدرات، وحقه في اختيار الحكومات والمسؤولين، وحقه الكامل في الرقابة والمحاسبة والاستبدال.
وأخيراً تكمن الجرأة بالاعتراف بالخطأ عن كل ما تمّ اقترافه في المرحلة السابقة، وتحمّل المسؤولية برجولة وشجاعة عن كل ما سبق، ثم الشروع بالتصحيح والإعلان عن بدء المرحلة الجديدة.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)