شدّ الأحزمة أفْقَدَ الأمة توازنها وبات صبره خارج السيطرة ..!!
أعتقد أنه لا يوجد مواطن عربي حرّ أصيل يعارض " الإصلاح " للقوانين التي أكل عليها الدهر وشرب وباتت لا تصلح لا للحاضر المعاش ولا للمستقبل القريب .. ولا أحد أيضاً " أياً كانت عقيدته أو مذهبة " من هذه المنظومة العربية لا يطمح بأن يُقمَعْ الفساد الذي توغل واستشرى في مجتمعاتنا العربية وباتت لا تقوى على توفير الحدّ الأدنى من الكفاف الإنساني ..!!
دولة الرئيس .. لا أعتقد أنكم تنكرون أن بعض طبقات المجتمع الفقيرة قد فقدت وعبر عقود خلت العديد من المقومات الأساسية التي من شأنها استمرار الحياة والعيش ولو بقليل من الذل والهوان ، وكثيراً من الصبر علِّ بصيص الأمل المنتظر يأتي في لحظة فرج ، في حين أن العديد من فاقدي البصيرة والضمير من أهل الإقطاع والبرجوازية تضخمت أرصدتهم وممتلكاتهم مع تضخم أمعاء الفقراء الذين لا يملكون سوى قوتهم اليومي إن استطاعوا إليه سبيلاً ..!!
وكنتيجة حتمية لمساهمة بعض الحكومات القمعية والمتسلطة وتجاهلها استشراء داء " الفساد " في المجتمع ، ولعدم رغبتها بمواجهة هؤلاء المتنفذين من آكلي لحوم البشر ، فلم تسعى هذه الحكومات أو تخرج عن جهدها مبكراً لتشخيص هذا الداء أو البحث أو التقصي عن الدواء الناجع للقضاء عليه بصورة عادلة تحدّ من الجشع الذي استشرى واستفحل في الطبقات المتسلطة والعليا مع تآكل حقوق الطبقات الدنيا في المجتمع والتي تهاوت إلى الدرك الأسفل دون أن تجد من يأخذ بيدها للخروج من بوتقة القهر والحرمان والوقوف على مسافة واحدة بينها وبين تلك الطبقات التي لا تعرف للبؤس طريق ..!!
أعتقد يا دولة الرئيس أن في غياب العدالة و تجاهل طبقات المجتمع المنهكة والمنهمكة على الدوام لتوفير قوتها اليومي وإعطائها بصيص أمل يخلصها من الجوع والقهر ، وتخفيف ألألم الذي خلّفته شَدّ الأحزمة على البطون الذي أفقدها توازنها ، والصبر فيها بات على وشك الخروج عن نطاق السيطرة في حين أن هناك الكثير من الطبقات الأخرى يجددون أحزمتهم كثيراً بعد أن ضاقت على بطونهم الجرباء التي انتفخت إثر نهب أموال وقوت الطبقات المثقلة بهمّْ وألم البحث عن وجبة الساعة ..!!
لذلك لا يمكن للصبر والجوع أن يبقيا متلازمين يا دولة الرئيس ، وملتصقان على الدوام بالطبقات الدنيا من المجتمع ، أو أن يبقيا " الصبر والجوع " كخطين متوازيين دون نقطة التقاء ، فاستشعار هذه الطبقة باقتراب الخطر من مجرى تنفسها الذي فيه الحياة ، وأنه بات يضيق على صدرها أكثر فأكثر ، والشعور بأن سكرة الموت أزفت وحان موعد الرحيل ، حينها ستكون نتائج هذا الضيق وهذا الشعور المقيت كما البركان الذي يثور بعد طول سكون ويحصد كل ما في طريقة دون تفريق بين أخضر ويابس ..!!
دولة الرئيس .. المشهد العربي غير مطمئن ، والثورات باتت لا تعد ولا تحصى تصول وتجول أرجاء وطننا العربي ، تنتهي هنا وتبدأ هناك اتصفت بمعظمها بالطابع الدموي الذي ندعُ الله سبحانه وتعالى أن يبقيه بعيداً عن ثرى وطننا الغالي ، وأن يمدنا بقوة الحوار البناء دون هدّر لدماء أبناء الوطن الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة إلاّ بالله ..!!
نحن على ثقة يا دولة الرئيس أن هناك أيدٍ خفية لعبت دوراً خطيراً ودامياً في ما بات يعرف " بالربيع العربي " لينقلب إلى " ربيع دموي " كانت نتائجه المؤلمة غير خافية على أحد ، وكأن بها يا دولة الرئيس خارطة طريق قد رسمت مسبقاً خصيصاً لهدر مزيداً من الدمّ العربي ، ولكن هذه المرة بأسلوب جديد مارسه الغرب الصهيوني بسياسة صيد " عصفورين بحجر واحد " ، حجرها " الثورات " ، وعصفورها الأول هو كسر شوكة الأمة العربية ومن ضمنها الأردن الذي طالما كان محسوداً على أمنه واستقراره والتصاق شعبه بقيادته الهاشمية على الدوام ، وإفقادها " الأمة العربية " القدرة على التفكير في القضية الأم " القضية الفلسطينية " . أما العصفور الثاني فهو مزيداً من القتل والتدمير وإراقة مزيداً من الدماء العربية دون هوادة ، ولكن وما يؤسف لأجله أن الأيدي والأموال العربية كانت هي الأداة التي رمت هذا " الحجر " موجهة إياه دون تفكير أو اكتراث للأهداف التي ترمي إليها هذه المخططات والسياسات الدموية رغم أن هذه الأيدي " العربية " تعيّ لما سيؤول له نهاية المطاف من إبادة وتشريد للأبرياء ودمار لكل مقومات الحياة ، وتكابرت بل تآمر بعضها مع الشيطان وآثرت الاستمرار في طريق الدماء والدمار ومزيداً من إزهاق الأرواح البريئة من أبناء رحمها الواحد ..!!
لقد أفْقَدَت هذه " الثورات " الوطن العربي برمته أمنه واستقراره وشلّت اقتصادياته التي أدت إلى عجز موازناته السنوية عن أداء واجبها نحوّ أبناء أمته ، بل تضخمت مديونيات العديد من الدول العربية وأصبحت غير قادرة على الوفاء بسدادها ..!!
أما آن لنا بعد يا دولة الرئيس أن نعود بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً للسياسات الغربية الصهيونية ضد الأمة العربية والإسلامية ، فسياسة " فرق تسد " التي شرخت ومزقت وحدتنا العربية منذ الأزل لم يفتأ الغرب الصهيوني يلجأ لها ، وقد نجح سابقاً ولا زال بذات النجاح ولكن بأسلوب جديد استطاع عبره أن تكون اليد العربية هي الأداة في تنفيذ هذه المهمة على هذه الأمة القوية المستضعفة .
وأسفنا يا دولة الرئيس أننا فقدنا المروءة العربية وهدرت كرامتنا بين الركام ، وباتت مشاهد الدماء العربية جزءً من المسلسلات التلفزيونية اليومية التي اعتدنا على مشاهدتها دون أن تحرك فينا ساكن ، ولا زلنا ننتظر من يخطط لنا من الغرب سياساتنا بكل نواحيها السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي حبانا بها رب العزة سبحانه وتعالى بدين وشريعة الإسلام ، وفي نفس الوقت نبقى متسائلين إلى متى سنبقى مستسلمين لهذه السياسات الموبوءة والسكون الجاثم على صدورنا ...؟؟
م . سالم عكور
akoursalem@yahoo.com