مَنْ يُضَمِّد الجُرحْ السوري ..؟!
لا أحد يستطيع نفي المؤامرات الغربية على منظومة أمتنا العربية واستهداف أمنها واستقرارها على الدوام ، فسوريا التاريخ وسوريا العروبة هيّ واحدة من هذه المنظومة العربية التي شهد لها التاريخ القديم والحديث شموخها الحضاري وأهميتها السياسية والاقتصادية .. !!
سوريا التي أدميت وتنتظر من يضمد جراحها والوقوف إلى جانبها في محنتها ضد الفتن والدسائس التي اخترقت جسدها الطاهر .. " سوريا " هي ذاك الرمز العروبي ، وذاك الشموخ الحضاري الذي كبرنا ونحن نسمع قصص الآباء والأجداد عن " دمشقها " التي عشقها القلب قبل العين ، وهيّ تلك المدينة التي كلما لاح طيفها على البال .. نستذكر سردّ آباءنا وأجدادنا لذكرياتهم وحكاياتهم عن " مضافات أهل الشام وكرم أهل الشام " التي حاكتها علاقات الود والمحبة بين الشعبين عبر المتاجرات البينية التي لم تكن تتجاوز الأساليب البدائية في التنقل والترحال " الخيل والدواب " ، ما جعل من هذه العلاقات أن تتصف بصفات الأخوة والمحبة وانصهار الشعبين في رحمّ واحد عبر النسب والمصاهرة أدت إلى زيادة وتمتين اللحمة وروابط الدمّ فيما بينهم ..!!
لقد خلّدَت هذه القصص وهذه الذكريات والحكايا فينا نوعاً مميزاً من مفهوم الانتماء والعشق للثرى العربي ككيان واحد غير مقسم ومشرذم ، وولّدت فينا نحن الأردنيون شغفاً دؤوباً لزيارة دمشق والتجوال في أزقتها وحواريها العتيقة علّنا نستقي بعض القيم والمفاهيم الجميلة من ما سرده علينا آباءنا وأجدادنا عبر تواصلهم وتوادهم الرائع ..!!
إن ما وصلت إليه الأحداث الدامية التي تدور على الساحة السورية هذه الأيام من قتل لأبنائها الأبرياء وتدميراً لبناها التحتية والفوقية لا يخلو من وجود أيدٍ خفية استطاعت أن تدنس أرضها وتندس بين عناصر المجتمع العربي السوري ومكوناته ، واستطاعت أن تنفذ أجندات كان من شأنها بدايةً أن تخلق الفوضى بأجندات ومآرب خاصة بين أطياف الشعب السوري ، ثم تتسع الدائرة وتتفاقم وتصبح أشدّ ألماً وأشدّ دموية ، وأن تُحدث شرخاً في جسمه الذي طالما كان آمناً ومستقراً وواحةَ الهام واستجمام لكثير من شعوب الوطن العربي الذين كانوا يرون في " دمشق " ملاذاً آمناً لهم من متاعب الحياة وتعقيداتها وتجدداً لعطائهم وإنعاشاً لفكرهم ..!!
في مطلع السبعينيات من القرن الماضي كانت زيارتي الأولى لمدينة دمشق لم أتجاوز بعد سن العاشرة من العمر ، برفقة والدي " يرحمه الله " وإخواني .. وفي تلك الفترة الحرجة من " صراع البقاء " لامتنا العربية ، ورغم الاحداث والتوترات التي كانت سائدة في تلك الفترة على المنطقة بكاملها ، إلّا أن العطش الوحدوي للامة العربية كان بأعلى درجاته ، بل فاق حد التصور ، واستطاعت الدولتان زيادة درجة التقارب الوحدوي بين الشعبين الجارين " الأردني والسوري " إلى درجةٍ كانت أشبه بإزالة الحدود الدولية بين الشقيقتين الأردن وسوريا ، وإثر هذا التقارب الأخوي بينهما ارتفع مؤشر السياحة والتجارة البينية بين الدولتين ، فالتجارة البينية والتمتع بالطبيعة الخلابة التي حباها الله سبحانه وتعالى لهذين البلدين ، كان لها دوراً هاماً في انتعاش اقتصادياتهما آنذاك ، ولم يعد حينها استخدام جواز السفر حكراً كوثيقة إثبات لعبور الحدود للشقيقة سوريا ، بل أخذت الهوية الشخصية " الاحوال المدنية " حقها الأممي في عبور الحواجز الوضعية التي حاكها الاستعمار الغربي لإبقاء الامة العربية متشرذمة وبحالة ضعف وصراع حدودي مستمر تحسباً من أن تقوم لهذه الأمة قائمة تقف عليها تواجه المحتل الصهيوني الطامع في البقاء واستباحة ما تبقى من كرامتنا التي فقدناها بعد أن أُحِلّ لنا إزهاق أرواحنا بأيدينا ، وبات التوجه السياسي له الأولوية في ذلك ، متجاهلين عروبتنا وقضيتنا السامية لتحرير فلسطين وكل مقدساتنا الإسلامية من براثن المغتصب الصهيوني ..!!
ليس من السهولة بمكان أن يلتأم هذا الشرخ دون أن يترك آثاراً مأساوية على الوضع الأمني السياسي والاجتماعي في المجتمع السوري ، وأن الاستقرار الآمن لهذا الشعب يحتاج إلى الكثير من الصبر حتى يتمكن الخروج من عنق الزجاجة المؤلم ألذي أفقده العديد من أرواح أبناءه البريئة ولا زالت دمائهم ندية تناجي من يترحم عليها ، ولكن علّ صبرنا على ما ابتلينا به يخرجنا بأقل الخسائر ..!!
ولكن الأمل لا زال وبمزيد من الجهود الخيرة ، حقن دماء أبناءنا وأخواننا السوريين الأبرياء ، وتجسيد وحدة صفهم الداخلي أولاً ، ثم وحدتنا نحن كأمة عربية وإسلامية ثانياً ، ونصحوا من غفوتنا ، حينها نكون قادرين على الدفاع عن ما تبقى من كرامتنا التي فقدناها حين بتنا نطبق مخططات الغرب والسير على نهجهم البغيض ..!!
م . سالم أحمد عكور
akoursalem@yahoo.com