هل تتوسّع المملكة جنوباً ؟!
كتب تامر خرمه- الرايات السوداء تعلن العصيان المدني في وادي موسى، وتلقي بظلالها على معان، التي يبدو وكأن علاقة الدولة بها اختزلت بالمداهمات الأمنيّة. في ظلّ هذا الواقع تجد من يتشدّق بـ "طموح" أرعن، فاتحاً شهيّته على مصراعيها لتوسيع المملكة شمالا أو غرباً !!
وأنت تحاول امتطاء موجة البراغماتيّة وتصف مناهضة المشروع التصفوي للمنطقة العربيّة بـ "العنتريات"، لم لا تلقي نظرة خاطفة على جنوب البلاد.. معان باتت خارج الحسبة السياسيّة للرسميّين، الذين يتعاملون معها وكأنّها محافظة معادية وهي ليست كذلك !! الاحتجاجات الشعبيّة وصلت إلى وجه الأردن السياحي، ووشحت البترا بالسواد. أولى لك أن تحلم بتوسّع المملكة في أراضيها، من خلال رعاية المناطق المهمّشة الغارقة في أتون الفقر والإهمال.
الحديث عن توسيع المملكة شمالاً عاد إلى مسرح الإعلام الانتهازي، تحت شعار يعتبر الأردن الرسمي ممثّلا للمسلمين السنّة. التناقض المضحك في هذا الطرح يمكن تلخيصه بالدعوة إلى مملكة المواطنة السنيّة ! حيث يعتبر بعض الكتبة أن لا مكان للطائفيّة في هذه المملكة التي يحلمون بتوسّعها لتبتلع مناطق أخرى، تحترق بحرب أهليّة لا تبقي ولا تذر !!
بعض هؤلاء الكتبة من حرّض ذات يوم على العنف الطائفي في المزار الجنوبي، واستغلّ حادثة اعتداء حرس السفارة العراقيّة على محامٍ أردني، للتحريض ضدّ الأشقّاء العراقيّين. واليوم ترى هذه العيّنة من الكتبة وهم يروّجون لمشاريع تصفويّة مشبوهة، بذريعة أن الطوائف المتنوّعة في دول الجوار لن تحظى بالأمن إلاّ تحت السيادة الهاشميّة، وبذريعة أن بديل توسيع المملكة هو اضمحلالها، في ظلّ التغيّرات التي تجتاح المنطقة !!
ترى، كيف يتجاهل من أصيب بشره عملقة المملكة حقيقة أن توسّعها شمالا لن يعني سوى إلغاء "أردنيّة" الدولة وتحويل أهلها إلى أقليّة في بلادهم، كما تحلم سفيرة اليانكيز في عمان، التي لا تتوقّف عن التبجّح بتصريحاتها الخبيثة ؟! هل ينبغي أن تلغي هاشميّة الدولة أردنيّتها ؟! مثل هذا الطرح لا يمكن وصفه سوى بالأرعن، إن لم يكن وراءه ما هو أخطر من لوثة قلم.
ولا يقف الأمر عند حدود استبدال الولاء بالانتماء، ولا عند حدود الدعوة لتقسيم دول الجوار وتجزئة المجزّأ، بل يتجاوزه إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة عبر الترويج لتوسّع المملكة غرباً، لتضم الضفّة الفلسطينيّة. دعوة صريحة لإقامة الوطن البديل يستحقّ صاحبها رسالة شكر وتثمين من جلاوزة العنصريّة الصهيونيّة.
ومن جهة أخرى ينفي الكتبة المحسوبين على دوائر صنع القرار، وجود أيّ نيّة رسميّة لتوسيع المملكة، مؤكّدين أن طموح الأردن الرسمي يقتصر على خلق نفوذ يتجاوز حدوده الشماليّة، عبر تسليح العشائر السنيّة في دول الجوار، ودعمها في الحرب على تنظيم ما يدعى بالدولة الإسلاميّة. طيّب ألا يخدم هذا التوجّه الدعوة الخبيثة لتوسّع المملكة، وابتلاع الأرض السوريّة والعراقيّة ؟!
يبدو أن الأردن الرسمي يحلم -على الأقل- بدور يتجاوز قدراته وإمكانيّاته لدرجة تهدّد فرصه بالبقاء. تسليح العشائر السنيّة في مناطق النزاع، ومحاولة منازعة "داعش" ادّعائها تمثيل السنّة، لن يخدم في نهاية المطاف سوى هذا التنظيم، الذي بات يستولي على أراضي تفوق في مساحتها ما تبقّى من سوريّة والعراق.
اللعبة في غاية الخطورة، من يمثّل السنّة ؟ معادلة استثمرها "داعش" لمصلحته، ومحاربة هذا التنظيم بذات السلاح لن تكون محمودة العواقب، خاصّة وأن العشائر التي قد يقوم الأردن بتسليحها سيصعب إقناعهم بالاصطفاف ضدّ "أخوة الطائفة" في نهاية المطاف. الإصرار على عناوين طائفيّة في معالجة الأزمة محض انتحار مع سبق الإصرار والترصّد ضدّ الذات.
ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما ذات يوم للصحافي ثوماس فريدمان حول الخطر الداخلي الذي يهدّد الشقيقة الكبرى "السعوديّة"، بوصفه أولويّة تتجاوز في أهميّتها وهم الخطر الخارجي، قد ينطبق على الأردن أيضاً. حماية هذا البلد لن يخدمها النظر إلى ما وراء الحدود، ولا خزعبلات التمثيل الطائفي، كما أن الحلّ لا يمكن أن يكون أمنيّا. النجاة تستوجب توسّع المملكة، هذا صحيح، ولكن توسّعها اجتماعيّا واقتصاديّاً داخل أراضيها، لاجتثاث عوامل خلق التشدّد والتطرّف من جذورها. ليس الرصاص، بل الخبز هو الحلّ.