ثنائية الحكومة والمعارضة وذبح الإصلاح
عمر كلاب
جو 24 : بغريزته وعفويته ، نجح الاردني في تكريس ثنائية عجائبية ، فهو يبدي اعجابا بحديث المعارضة وكلامها العذب ، لكنه يحجم عن اختيارها فيما تيسر من انتخابات بلدية وبرلمانية ، ويكيل كل التهم والشتائم للحكوميين والرسميين ولا يبدي ادنى راحة لحديثهم ، ومع ذلك يختارهم في صناديق الاقتراع ويختار من تثق به الحكومة او قريبا منها ، فمعادلة الاعجاب والطرب بحديث المعارضة لم ينعكس ثقة ادائية ولا عدم الثقة بالحكوميين جعله يختار خصومهم ، لذلك اشتق ردة فعله بالمقاطعة والفرجة على الساسة وصراعهم . وفي كل صراع وخلاف بين الحكومة والمعارضة كانت تتكرس فكرة الاحجام عن المشاركة بعد ان اثبت الطرفان انهم طرف واحد وانهم وجهان لعملة واحدة غير قابلة للصرف في سوق الديمقراطية والاصلاح والمحاسبة والمساءلة ، وحتى لا يستعجل بعض المتحمسين في صرف الاحكام ، فإن الموقف الحكومي والمعارضة تطابقا في رفض مبدأ التمثيل النسبي لان التشاركية ساقطة في العقل السياسي المعارض والحكومي ، بل ان تعديل قوانين ثلاث نقابات مهنية لم يستوجب بيانا حزبيا يناقش التعديلات التي تباينت بين نقابة واخرى وكأن المهم ضمان السيطرة على النقابات من قبل لونين فقط يتصارعان ويتفقان تحت مظلة خدمة رأس المال في البنية النقابية . الاردني قرأ المشهد بغريزة وعفوية ، لكنه فهم المشهد بأنه صراع عليه ، وصراع اكبر ليبقى هو خرطوشا لاسلحتهم ، يصطادون بها ما تيسر من مكاسب ومواقع وصفقات ، فالصراع تارة يكون ملتحيا ، حين يكون بين الحكومة وتيارات الاسلام السياسي ، وتارة يكون مدنيا ووطنيا اذا كانت الصراعات بين القوى القومية واليسارية والحكومة ، وسبق ان قرأنا ادانة لفتاة الفيزون ولدشداشة الشاب الذين حاولوا كسر حاجز الصمت ذات مظاهرة ، لكن الثابت عدم الخلاف على توزيع مناطق النفوذ ، فالنقابات المهنية ستبقى مجالا حيويا لقوى المعارضة التقليدية ، فيما تبقى قبة البرلمان فضاء حيويا للحكومة ومؤيديها ، وكل طرف قانع بنصيبه ، فلم يتحدث طرف واحد عن التمثيل النسبي في النقابات المهنية التي تتم مراجعة قوانينها ، مما يوحي ان قانون الانتخابات القادم بمستوياته الثلاثة « بلدية ومجالس محلية ونيابية « سيكون خاليا من دسم التشاركية وتداول السلطة . الاردني بات مقتنعا بأن الازمة في طرفي اللعبة السياسية ، بعد ان اثبتت المعارضة انها وجه آخر للحكم ، فحين كانت الحكومات على مستوى وصفي وبدران كانت المعارضة بمستوى يعقوب زيادين وعزمي الخواجا وسلمان الحديدي ، وكان النواب بوزن رؤساء وزارات وامناء احزاب ، وعندما تراجعت الاوزان النوعية للمجالس النيابية والحكومات على حد سواء بتنا نرى موظفين كبار ولم نعد نرى اصحاب قرار ، سواء في المناصب الرسمية او المواقع الحزبية التقليدية والطازجة ، لذلك تراجع المواطن عن المشاركة الشعبية واحجم عن الانتخابات في النقابات والبلديات والبرلمان ، فهو يسترخي في اجازة انتخابية بدل ان يختار اداة ذبحه على الاقل . بعد ضياع فرصة دخول التمثيل النسبي الى الحياة السياسية عبر بوابة النقابات المهنية بتوافق حكومي حزبي ، بات على المواطن التفكير جديا في انتاج نخبة جديدة من نسيجه ونسغه وليس من بقايا مرحلة السياسة المستوردة والعابرة للجغرافيا ، بدل ادارة ظهره لدولته واحجامه عن المشاركة ، لانه الخاسر من ادارة الظهر .الدستور